رأي

عن الترسيم والغيارى على الحدود..والحمار “أبو الصبر”! (أكرم بزي)

 

كتب أكرم بزي

في إحدى الندوات التي أقيمت في أحد المنازل في حارة حريك قرب طريق المطار، (فترة حرب الجرود)، جلس أحد الوزراء السابقين والمقربين جداً من البطريرك بشارة الراعي، وهو يتكئ على جانبه بطريقة الواثق من نفسه قائلاً :لولا دخول “حزب الله” لمحاربة “داعش” والإرهابيين في سوريا لكانت داعش موجودة الآن في جونيه”. أما في وسائل الإعلام وعلى الهواء مباشرة كان يتحدث ويقول إن دخول “الحزب” على سوريا خطيئة تؤدي إلى تدهور الأوضاع في لبنان، وتجعل منه ساحة صراع إقليمي لبنان بغنى عنها”.

مناسبة هذا الكلام الآن، ما شهدته الساحة من منظرين ومزايدين من كل المتضررين من هذا “الإنجار التاريخي”، بحسب الرؤساء الثلاثة في لبنان، إضافة إلى رئيس الولايات المتحدة الأميركية ،وغيرهم ممن كان له علاقة بعملية ترسيم الحدود البحرية بين لبنان والكيان المؤقت.

الشرح المفصل والطويل والذي امتد لمدة ساعتين إلا ربعا تقريباً على شاشات التلفزيون، أفرد سماحة السيد حسن نصر الله مجموعة خرائط علمية دقيقة جداً توضح التفاصيل الدقيقة حول عملية الترسيم، وشرح بالتفصيل كيف بدأت عملية التفاوض غير المباشر بين لبنان وكيان العدو الصهيوني. إنه ترسيم لحدود لبنان البحرية مع فلسطين المحتلة، حيث تبنى لبنان الخط البحري رقم 23، والذي حدّده لبنان منذ عام 2011 بمرسوم حكومي رقم 6433 وبتاريخ 2/10/2011 ، والمرسوم طبقاً لقانون رقم 163 لعام 2011 ، وأودع نسخة منه في الامم المتحدة.

و بقي لبنان متبنياً لهذا الخط البحري ( خط 23 ) ، وحصلَ عليه في الاتفاق المُبرم ، لذا من المهم التوضيح أن هذا الاتفاق ليس بحاجة إلى مجلس النواب اللبناني ولا إلى موافقة رئيس مجلس الوزراء،  فكل هذا تمت الموافقة عليه مسبقاً ، والمفاوضات التي انتهت والتي أدارها الوسيط الأميركي عاموس هوكشتاين ممثلاً للولايات المتحدة الأميركية كوسيط، ولبنان والكيان الصهيوني، ادت الى تحرير لبنان جزءاً أساسياً من الحدود البحرية والتي كانت محتلة أصلا، منذ العام 1982، خسر بموجبه كيان العدو مساحة ٨٧٦ كيلومترا مربعا لصالح الدولة اللبنانية، هذا باعتراف الوسيط الأميركي، عاموس هوكشتاين، وإجماع المحللين الصهاينة من المعارضين والموالين للحكومة الصهيونية، والوسيط الاميركي الأسبق ديفيد شينكر، ومساعد وزير الخارجية الأميركي الأسبق ديفيد ساترفيلد.

هوكشتاين قال وبشكل واضح إن البديل عن هذا الإتفاق كان سيؤدي إلى تطاير الصواريخ في منطقة البحر الأبيض المتوسط وصولاً إلى البحر الأحمر ومصر، ونائب رئيس مجلس النواب اللبناني إلياس أبو صعب والذي كان ممثلاً للدولة اللبنانية ولرئيس الجمهورية تحديداً بإدارة المفاوضات مع الوسيط الأميركي، صرح وقال مراراً “إنه لولا قوة المقاومة والمسيّرات التي أرسلتها المقاومة فوق “كاريش” لما تم هذا الإنجاز”.

مع هذا كله، تجد المزايدين والمتملقين والمحبطين، لا يتورعون عن تخوين من قام بعملية التفاوض ودعمها، تارة اتهامهم بالتطبيع مع الكيان الصهيوني، وتارة أخرى بعدم الحصول على الخط البحري 29، والذي هو في الأساس بحسب ما حددته قيادة الجيش اللبناني بأنه “خط مفاوضات ليس إلا”.والأنكى أن هناك من يطالب من بعض النواب بعرضه على مجلس النواب لمناقشته ولمعرفة تفاصيله، بعدما أصبح كل العالم يعرف تفاصيل التفاصيل في هذه “الاتفاقية”.

حسناً، لماذا لم تتم المطالبة بالخط 29، أو بمناقشة الحكومة ومجلس النواب عندما تم إقرار المرسوم رقم 163 لعام 2011 رقم 6433 وبتاريخ 2/10/2011 في حينه، ولماذا لم تقم قيامة النواب والمزايدين ممن ذكرتهم أعلاه في حينه، وأين كانت الأحزاب اليسارية وبعض المحبطين والمهزومين منهم ممن صعد غيظهم إلى السماء، أم أنهم فقط يريدون استغلال كل شاردة وواردة فقط للمزايدة والظهور بمظهر المنتفض على الواقع، ومعظهم لو طلب منهم آنذاك، الخروج بتظاهرة للتنديد، او الاعتراض، او القيام برشقة حجر للكيان الصهيوني ، لوجدتهم يتبجحون ويتشدقون وينظّرون في المقاهي الممتدة من شاطئ صور في الجنوب اللبناني إلى مقاهي الحمراء والجميزة وغيرها، بأنهم لا قدرة لديهم وهناك من يمنعهم ويذكرون “بالماضي الجميل”، وينسبون أفعال المقاومين الأبطال إلى أنفسهم.

يذكرني هؤلاء المزايدين بقصة الحمار “أبو الصبر”، فعندما مات “أبو الصبر” حزن صاحباه عليه كثيراً، لدرجة أنهما بكيا كثيراً عليه، وقاما بانشاء خيمة على مدفنه، وبات الناس يتعاطفون معهم ويتفاعلون مع حزنهم، ويتبرعون بالمال، فقاما باستبدال الخيمة بحجرة صغيرة، وما زالت التبرعات تتدفق عليهما، حتى أصبح مدفن “أبو الصبر” مزارا يقصده الناس لفك السحر والشعوذة وتزويج العوانس ،وباتت الناس تتحدث عن كرامات “أبو الصبر”، حتى بلغت ثروات صاحبيه كبيرة جداً، وكانا يقتسمان الاموال بينهما. وذات مرة تشاجر الأصحاب في ما بينهم بسبب النقود، فقال أحدهم للآخر: ” سأطلب من الشيخ أبو الصبر ان ينتقم منك” ،فضحك وهو يشير بيده إلى المدفن وقال “نسيت الحمار، نحن دافنينو سوا”.

في المجالس الخاصة تقولون غير ما تقولونه على الملأ… من كانت لديه القدرة منكم، فليفعل، وليناضل من أجل المطالبة ،ليس فقط بخط الـ 29، بل أيضا بتحرير مزارع شبعا وقرية الغجر وتلال كفرشوبا، وأيضا فلسطين المحتلة، وغيرها من الأراضي العربية فعلياً وليس بالتنظير و”كثرة الحكي”، والتشبيح.

 إرحمونا يرحمكم الله، “دافنينو سوا”!!

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى