منوعات

رسالة الى صديقي حلمي في غزة(واصف عواضة)

كتب واصف عواضة

لليوم الحادي عشر ،لم ينقطع إتصالي وتواصلي اليومي مع صديقي الحبيب وزميلي الدائم ورفيق أحلى أيام عمري “حلمي موسى” في غزة..كل يوم أشعر أن غزة بخير ما دام حلمي بخير.

لم يكن حلمي صديقا عابرا في حياتي ،لدرجة أن بعض الأصدقاء كان ينعتنا ب “ريا وسكينة” أو “لوريل وهاردي”،ولطالما كنا نسعد بهذا الوصف.ويوم غاب حلمي عن لبنان واضطرته الظروف قبل سنوات للإقامة الدائمة ي غزة ،بتُّ أشعر أن شيئا ما ينقصني وينقص عائلتي الصغيرة والجيران والأقارب الذين بنى حلمي معهم علاقة عائلية حميمة تنبع من دفق المحبة وفائض الطيبة التي يمتلكها هذا المناضل العتيق الذي عرفته سجون الاحتلال وزنازينه وأكلت من عمره وشبابه.

مع حلمي لم أشعر يوما بغياب الأخ الذي لم تلده لي أمي.أكثر من ذلك كان حلمي بالنسبة لي صورة نقية عن فلسطين وشعبها المظلوم المشرد الذي لم يخرج يوما من فؤادي .ولطالما كتبت ورددت بأنني “مع الشعب الفلسطيني ظالما كان أم مظلوما”.ولم يكن شعب فلسطين ظالما يوما ما..

لطالما حدثني حلمي بشغف عن منزله في غزة وعن “بستانه” الصغير على أطراف القطاع ،حيث كان يمضي معظم أوقاته بين زرعه وشجيراته التي رباها “كل شبر بندر”. آلمني جدا قبل أيام أنه هجر منزله الذي تضرر بفعل العدوان الغاشم،وغاب عن شجيراته التي أرجو أن تكون صامدة.حلمي صورة عن غزة الأبية الجريحة هذه الأيام ،وغزة صورة من حلمي الذي هجر منزله وغاب عن “بيّارته”(هكذا يصف الفلسطينيون مزارعهم).واقع ليس غريبا على حلمي ولا على الفلسطيني التائه في مشارق الأرض ومغاربها .

عزيزي أبو موسى،

مشتاقون جدا ..والله العظيم مشتاقون.كل الأحبة والأصدقاء والزملاء   فخورون جدا جدا بصمود غزة ،يحسبون أن فلسطين باتت حرة بسواعد أهلها ،ويشعرون أن القدس هذه المرة باتت أقرب الى بيروت ودمشق وعمان والقاهرة وعواصم شعوب العرب لا حكامهم.أعرف أن هذا الكلام اليوم قد يكون فيه بعض الطوباوية ،ولكن من حقنا أن نحلم بعدما كاد التراخي والانهزام يدفن أحلامنا.فنحن جيل الهزائم والانكسارات، عيل صبرنا ووهن إيماننا وهرمت أحلامنا،لكننا سنظل نحلم بالقدس حتى ينقطع النفس.

ماذا أحدثك يا صديقي عن لبنان الذي عشت فيه ردحا من أيامه الحلوة.والله العظيم، إن الحرب العدوانية على غزة أكثر رحمة من أوضاعنا.على الأقل ،غزة تقاتل وتدافع بكرامة وإباء،أما نحن فنُذلُ كل صباح أمام الأفران والصيدليات ومحطات المحروقات وأسواق الفواكه والخضار: كيلو البطيخ يا صديقي بعشرة آلاف ليرة في عز الموسم ،فهل أخبرك عن أسعار اللحوم؟

ماذا أخبرك يا صديقي عن قرف الناس من السياسة وأهلها،في وقت لا يبدو في الأفق نور لنهاية النفق؟وماذا أخبرك عن الدولار والكهرباء والبنزين والمازوت والنفايات ..الخ.

لا أريد في هذه العجالة أن أحمّلك همومنا ،لكن همومنا وأوجاعنا لن تنتهي ما دامت آلام فلسطين قائمة.

سلام يا صديقي ،مني ومن أم سليم،

سلام الى زوجتك العزيزة بسمة.الى أهلك وأخوتك وأخواتك والأبناء والأحفاد.سلام الى غزة وأهلها ومقاومتها الصامدة،على أمل اللقاء في ربوع فلسطين والقدس حرة محررة ،وليس ذلك على الله بعسير!

وفي الختام ،من بيروت مع فيروز ..سنرجع يوما:

https://www.youtube.com/watch?v=6vdTzvKywc8

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى