ثقافة

حمدى يحيا تخلّد ذاكرة الجماعة بألوانها الطبيعية

 

تحقيق فاتن ابراهيم

أعدت الزميلة فاتن إبراهيم تحقيقا عن تجربة السيدة حمدى يحيا في الرسم ومحاولة تأريخ الذاكرة الجماعية من خلال لوحات عاشتها قبل أن ترسمها بألوان طبيعية لا تجريد فيها ولا توليف.
"الحوارنيوز" تنشر التحقيق كما أعدته الزميلة إبراهيم في الوكالة الوطنية للإعلام.
"حمدى يحيا سيدة جنوبية تعيش في قرية عدشيت – قضاء النبطية، ستينية ألفت العمل في الارض تعبا مع وجه كادح ارتشفت ملامحه من شتل التبغ و"طرابين الزعتر" وشتول الزيتون. انها الفلاحة الفنانة، التي عكست عبق التراث من ألوان لوحاتها، في مشهد فني قروي يحاكي رونق الطبيعة وبساطة العيش في "الضيعة "، تعكس ريشتها تراث الآباء والأجداد من البيوت القروية .

حمدى أم لثمانية أولاد آثرت ان تقضي العمر في الفلاحة لتؤمن لعائلتها عيشا كريما وتبني لهم بيوتا من تعبها ومجهودها. التقيناها فحدثتنا عن سيرتها ومسيرتها، وقالت: أنا إمراة فلاحة أعمل بزراعة الدّخان واعدادها وبيعها واعتاش منها، نحن نصل صيفنا وشتاءنا في زراعة الأرض من حبوب كالعدس والقمح والشتول الزراعية".

وتروي عن موهبتها:" منذ صغري وأنا أعشق الرسم وأقضي وقتي في الطبيعة فرسمت "نبعة الضيعة " والأحجار الصوانية من حولها والأشجار التي تحيطها، ورسمت العين والبيدر والنورج والجاروشة، هذه الرسوم تمثلني أنا "بنت ضيعة" وكانت جزءا من حياتي".
وهنا تأخذ نفسا عميقا وتكمل":" لم يكن لدى والدي المال كي أشتري "علبة تلوين " لأظهر ألوان رسوماتي كما هي وأعطي كل مشهد حقه. الفقر في حينها كان سائدا والناس كانت تؤمن بصعوبة قوتها اليومي".

ولفتتنا لوحة ذات ألوان هادئة يبدو فيها "الصاج" و"جمعة النساء"، سألناها عنها:"أخبرتنا بلكنتها الجنوبية هيدي الالفة" كانت الناس تحب بعضها " وتساعد بعضها وتخبز مع بعضها وما في فرق بين بيتي وبيت جاري، والى الآن أعد الخبز "لأني ما بحب خبز الأفران".

زوج حمدى..
هو الشخص الذي تقول عنه الفنانة "سندي"، يستقبلنا بإبتسامة وادعة تصطحبها نظرة خجولة، بقوله : هي رفيقتي وليست سيدة عادية، منذ أن تزوجتها وهي تبهرني بلوحاتها المبدعة، كلما مضينا إلى مكان جميل كانت تنقله الى لوحاتها في الليل، فينظر إلى أبنائه مفاخرا. ويضيف " هي دائمة الإهتمام بالأولاد ولم تقصر في حقهم أبدا تقضي كل النهار في خدمتهم، وتسهر حتى الصباح على الرسم "لتفجر ما في داخلها "، هي حقا صاحبة إحساس وفنانة بكل مجالات حياتها".

وعندما سألناه إن كان أحد من أولادها يحمل الموهبة ذاتها، تدخلت إبنتها قائلة :" ما حدا متل إمي مبدع وذواق، تصبر كثيرا لتنهي لوحاتها، معظم سهراتنا تمضيها جالسة على كرسيها لترسم وجوهنا وجلساتنا وأولادنا، ما حدا طالعلها رسام هيك ". وتضيف بحزن :
" لو إمي تعلمت لكانت فنانة عالمية او صاحبة معهد فنون جميلة، لكن أمي هي مزارعة ونفاخر بها، كل منازلنا مليئة بلوحاتها الرائعة ، مع أنها مصابة بديسك بظهرها من "شك التبغ " بس هي ما فيها ما ترسم".

ويختم زوجها :" أذهلت الفنانين برسمها ودقة نقلها للمشاهد وعرض عليها العمل في المعارض، وقدم لها ممثلون عن الإتحاد الأوروبي مستلزمات للرسم والفن من تلوين وريش لأنهم اعتبروها فنانة متميزة ونحن نشكرهم. "

نزارفاعور: ناقد وفنان تشكيلي
وفي مقابلة مع الرسام والناقد نزار فاعور عبر عن رؤيته للوحات السيدة حمدى يحيا، بقوله :" رأيت فنا اصيلا راقيا تعبر عن ريشة جريئة وغنى في الالوان وغزارة في الرسائل. لوحات تبث عن بساطة العيش تحدد خلفية الفنانة القروية التي حافظت على نمط حياة تكاد تنضب".


فلنأخذ مثلا، لوحة السيدات اللواتي "يشكن"أوراق التبغ، او النساء اللواتي يحملن أجرار الماء على رؤوسهن، او تلك الامرأة التي تطحن القمح على حجر الرحى، او تلك النسوة اللواتي يخبزن على الصاج، فانك تشعر بحنين يقودك الى مراحل من عمر الطفولة لا زلنا ننشد الحنين اليها ونتمنى عودتها، وعن بساطة الحياة والبعد عن التصنع.


ويضيف باعجاب شديد:"هذه اللوحات أخذت اهميتها لتجذب الناظر اليها حيث استقطبتنا الرسامة إلى قريتها وبيئتها وحبها لهما وما تثيره من هدوء وسكينة في النفس يزيد هذا الاحساس بالحنين هي مهارة الفنانة بتجسيد أكثر من شخصية لها ستشعر انها رسمت نفسها وهي الموجودة في اللوحات ، وكأنها هي من يحمل الجرة ويجرش الحبوب ويشك الدخان، هؤلاء نماذج مجسدة لدرجة انك تكاد تستطيع ان تستمع الى أحاديثهم وتتمنى لو انك تستطيع الانضمام ومشاطرتهم جلساتهم الجميلة".

لقد نجحت الفنانة في ايصال الرسالة التي أرادت ان تعبر عنها ويدركها المتلقي .

وختم فاعور بكلمة خاصة للرسامة حمدى :" هي مثال للفنانة مبتكرة الجمال بالفطرة من دون جهد وتكلف. ومن دواعي سروري دائما لرؤية ما ستنتجه من لوحات واعمال فنية رائعة فيما سيأتي من أيام. كما اتمنى لها دوام الصحة والمثابرة في فنها هذا والعناية بموهبتها ودعمها وتمكنها من اعطاء المزيد".

رسالة من حمدى
اما حمدى فكان لها رسالة أخيرة الى الجيل الطالع، وفيها:" أطلب من الجيل الجديد وأخص أولادي وأقاربي أن يحافظوا على التراث وإن أحببتم لوحاتي فهي ذكرى من أم وأخت أن تقرأوا فيها النخوة ورقة القلب ومساعدة الغير والعودة الى تمسك الأجداد بأرضهم وحب الطبيعة وترك التصنع، فهي غذاء الروح والجسد لما تنتجه من خيرات، لا غنى عن الجذور فهي أصلنا".

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى