ثقافةكتاب

“الاستيطان الإسرائيليّ في الأراضي العربيّة المحتلّة” كتاب جديد للدكتور عيسى فاضل النزّال

 

الحوار نيوز – كتاب

صدر عن «مركز دراسات الوحدة العربيّة» كتاب «الاستيطان الإسرائيليّ في الأراضي العربيّة المحتلّة» (2022)، للدكتور عيسى فاضل النزّال.

جاء في تقديم الكتاب: “تأسّست ما تسمّى ’دولة إسرائيل‘ على جزء من أرض فلسطين العربيّة عام 1948، وعلى تلك الأرض شيّدت ’إسرائيل‘ الكثير من المستوطنات، من أجل استيعاب الأعداد المتزايدة من يهود العالم، الّذين اتّجهوا صوب ذلك الكيان المُبْتَدَع. لم تكتف الصهيونيّة بذلك، بل ظلّت ترنوا إلى احتلال المزيد من الأراضي العربيّة، ولأجل ذلك شنّت حربًا عدوانيّة توسّعيّة خاطفة ضدّ محيطها العربيّ عام 1967ن تمكّنت خلالها من مضاعفة مساحتها أربع مرّات على حساب البلدان العربيّة، وشرعت بعد ذلك بتشييد المستوطنات على تلك الأراضي، زاعمة أنّها “أراض محرّرة”، تعود ملكيّتها لـ “إسرائيل”.

 

عيسى فاضل النزّال

 

تأثيرات الاستيطان الإسرائيليّ في أبناء الأراضي المحتلّة

صرّح إسحق رابين - حينما كان رئيسًا للقوّات الإسرائيليّة المسلّحة –  خلال حديث له حول نتائج حرب حزيران (يونيو) 1967، قائلًا: “الحقيقة أنّ إسرائيل لم ترث الأرض وحدها، وإنّما ورثت معها سكّانها”، وقالت المحامية الإسرائيليّة فيليتسيا لانغر عن أولئك السكّان بأنّهم “أصبحوا تحت رحمة أناس لا رحمة لهم”.

ما يثير الغرابة، أنّه –  وفي ظلّ تنوّع التأثيرات الاقتصاديّة والسياسيّة والاجتماعيّة السلبيّة للمستوطنات الإسرائيليّة في أبناء الأراضي المحتلّة - تأتي المزاعم الإسرائيليّة بأنّ سيطرتها وتشييدها للمستوطنات هناك قد حسّن من واقع تلك الأراضي وأهلها، مستدلّين بأنّ إقامة أيّة مستوطنة إسرائيليّة وتشييدها في أيّة بقعة من الأراضي المحتلّة، يرافقها تراجع بالهجرة العربيّة منها. لكنّ ذلك الاستدلال ينمّ عن تجاهل ’إسرائيل‘ في فهم الشخصيّة العربيّة الّتي وعت جيّدًا أنّ التمسّك بالأرض هو أقوى سلاح يهدّد الكيان الإسرائيليّ؛ لذلك أصرّ العرب على البقاء في موطنهم على الرغم من التأثيرات السلبيّة الّتي كانوا يواجهونها؛ من جرّاء تطويق المستوطنات الإسرائيليّة لوجودهم المصيريّ وخنقهم.

 

التأثير الاقتصاديّ

سعت إسرائيل من خلال تطويق استيطانها التعسّفيّ للأراضي المحتلّة، إلى تدمير الاقتصاد العربيّ هناك، ومن بين أهمّ القطاعات الاقتصاديّة الّتي تأثّرت ما يلي:

القطاع الزراعيّ

دمّرت إسرائيل الكثير من الأراضي الزراعيّة؛ من خلال مصادرة الآلاف من الدونمات لغرض تشييد مستوطناتها، خاصّة أنّ أغلب الأراضي الّتي لفتت شهيّة الاحتلال هي الخصبة منها، كالّتي توجد في منطقة الغور مثلًا، بل إنّ قسمًا كبيرًا منها كان مُستثمَرًا أثناء تعرّضه للمصادرة والتجريف، على نحو قلع أشجار العنب العائدة إلى قرى أرطاس القريبة من بيت لحم في سنة 1968، الّتي شُيّدت فوقها بعد ذلك مستوطنة ’آلون شفوت‘.

إلى جانب مصادرة الأراضي لتشييد المستوطنات، هناك الأضرار الناتجة عن شقّ الطرق الالتفافيّة، الّتي دمّرت كلّ ما أمامها من المزروعات، بل قسّمت أيضًا الأرض الواحدة إلى جزأين صغيرين أو أكثر، حتّى أصبح تنقُّل الفلّاح العربيّ بين أجزاء أرضه أمرًا متعذّرًا.

 

إلى جانب مصادرة الأراضي لتشييد المستوطنات، هناك الأضرار الناتجة عن شقّ الطرق الالتفافيّة، الّتي دمّرت كلّ ما أمامها من المزروعات، بل قسّمت أيضًا الأرض الواحدة إلى جزأين صغيرين أو أكثر…

 

علاوة على ذلك، ظهرت أيضًا مشكلة شحّ المياه؛ لتضيف أعباء أخرى إلى القطاع الزراعيّ؛ إذ سعت إسرائيل منذ احتلالها إلى احتكار مصادر المياه لصالحها، كإحاطتها –  مثلًا –  لجبل الشيخ بطرق عدّة، بعد احتلالها، للجولان مباشرة، وراح مسؤولوها بعد ذلك يعلنون في غير مناسبة قولهم “إنّ برج مياه إسرائيل أصبح بيد إسرائيل”. لم تكتفِ حكومة الاحتلال بذلك، بل مدّت شبكة طرق أخرى على امتداد نهر اليرموك؛ من أجل إحكام السيطرة على مصادر المياه في جنوب الهضبة أيضًا. وحفرت الكثير من الآبار الارتوازيّة، والبرك الاصطناعيّة لتجميع مياه الأمطار والأنهار والينابيع والوديان الممتدّة في الجولان، فضلًا على تشييد السدود على بعض الأنهار.

بل لم يفُت إسرائيل حتّى الاستحواذ على ينابيع الحمّة الشهيرة الموجودة في جنوب الجولان، الّتي يبلغ تصريفها 63 مليون م3 سنويًّا، وتصبّ جميعها في نهر اليرموك، والمعروف عن تلك الينابيع أنّها تزوّد الناس بمياه معدنيّة حارّة تصل درجة حرارة بعضها إلى 49 درجة مئويّة، وتصدر من تلك المياه رائحة الكبريت ذات خصائص علاجيّة لأمراض الجلد.

لم يقتصر الاستغلال الإسرائيليّ لمياه الجولان على تزويد مستوطناتهم ومزارعهم ومعاملهم، وإشباع حاجاتهم الخاصّة فحسب، بل تجاوز إلى المتاجرة والتصدير، مثل نشاطات «شركة مياه عدن» الّتي تبيع مياه الجولان المعدنيّة ضمن عبوّات متنوّعة الأحجام، ومن الجدير بالذكر، أنّ مبيعات تلك الشركة بلغت في سنة 1999 -  مثلًا  –  نحو 80 مليون دولار.

ثمّ يأتي بعد ذلك دور مخلّفات المستوطنات الإسرائيليّة من المياه الثقيلة والملوّثة على الزراعة، فمثلًا عمدت إسرائيل إلى تصريف ملايين الأمتار المكعّبة من المياه الملوّثة، وأطنان من النفايات الصلبة، صوب الأراضي الصالحة للزراعة، وغدت مساحات واسعة من الأراضي القريبة من المستوطنات الإسرائيليّة غير صالحة للزراعة؛ بسبب استخدامها مكابّ لتلك النفايات، أو المخلّفات الصناعيّة، السائلة منها أو الصلبة، على نحو ما سبّبته المياه الملوّثة المنبعثة من مستوطنة ’إيلون موريه‘ شمال الضفّة، حيث دمّرت أعدادًا كبيرة من أشجار الزيتون الواقعة ضمن المنطقة المتأثّرة بمصابّ تلك المياه.

شكّلت المستوطنات الإسرائيليّة المجاورة للتجمّعات العربيّة بؤر توتّر مقلقة لحياة العرب، ما تسبّب في منع التجوال وإغلاق متكرّر للطرق، وبالتالي التأثير سلبًا في قطاع الزراعة، خاصّة أنّ المستوطنين حرصوا على استغلال هكذا حالات؛ من أجل التوجّه صوب مزروعات العرب بغرض سرقة ثمارها، تدفعهم في ذلك فتاوى حاخاماتهم، الّتي تبيح لهم سرقة المال العامّ للعرب. لعلّ ما كانت تتعرّض له أشجار الزيتون بصورة متكرّرة في منطقة نابلس، يمثّل دليلًا صارخًا على تلك الممارسات غير الأخلاقيّة.

وتجدر الإشارة هنا إلى أنّ ما يسلم من السرقة يقع عرضة لأعمال التخريب المتعمّد الّذي يتولّى أمرها المستوطنون أيضًا، مثل تسميم المزارع أو اقتلاع الأشجار أو حرق الحقول، ومن الأمثلة على ذلك ما قام به مستوطنو ’كرمي تسور‘ في 3 تمّوز (يوليو) 1989 من رشّ بساتين العنب بالسموم في مناطق الكامب ووادي الذروة ووادي المطي، فنتج من ذلك إتلاف 32000 شجرة عنب يملكها 138 مواطنًا فلسطينيًّا من منطقة الخليل.

إضافة إلى ذلك كلّه، يُعَدّ تفوّق بضائع المستوطنات الإسرائيليّة المدعومة تكنولوجيًّا من حكومة إسرائيل، وسلعها، على حساب المنتج الزراعيّ العربيّ، أحد أهمّ التأثيرات في الزراعة العربيّة؛ إذ أدّى ذلك إلى إصابة الفلّاح العربيّ بالإحباط؛ لأنّ تكاليف الزراعة العاديّة لا تغطّيها العائدات من الإنتاج؛ ما يجعله يعجز عن منافسة زراعة المستوطنات، وبالتالي لا يجد بدًّا سوى الإقلاع عن العمل الزراعيّ؛ فتتحوّل أرضه تدريجيًّا إلى بور؛ فيجعلها عرضة للمصادرة من جانب سلطات الاحتلال.

 

القطاع الصناعيّ

عملت إسرائيل على جعل القطاع الصناعيّ في الأراضي المحتلّة يفتقر إلى أدنى متطلّبات الأمن الصناعيّ، المتمثّل بسهولة الاستفادة من أسعار الموادّ الخامّ أو سهولة الحصول عليها. بل أعاقت أيّ بوادر تنمية في ذلك المجال؛ فالصناعة في الجولان – مثلًا –  كانت بسيطة جدًّا، ومختصرة على تصنيع المنتجات الزراعيّة، وصنع بعض الأدوات والآلات البسيطة اللازمة للأعمال الزراعيّة، لكن مع بوادر ظهور نهضة صناعيّة حقيقيّة في الجولان، لا سيّما في مجال البناء وطحن الحبوب ومعاصر الزيت، احتلّته إسرائيل وهجّرت أهله، فأصيبت تلك النهضة بالشلل.

 

عملت إسرائيل على جعل القطاع الصناعيّ في الأراضي المحتلّة يفتقر إلى أدنى متطلّبات الأمن الصناعيّ، المتمثّل بسهولة الاستفادة من أسعار الموادّ الخامّ أو سهولة الحصول عليها…

 

أمّا في فلسطين فقد لاقت مصانع المستوطنات الإسرائيليّة –  بخلاف الفلسطينيّة – الكثير من التسهيلات، فكانت سببًا في تطوّرها وتقدّمها على حساب الصناعة الفلسطينيّة، ولعلّ من بين أهمّ تلك التسهيلات، الإعفاءات الضريبيّة المقدّمة للمستوطنين، وتسهيل الحصول على القروض الإسرائيليّة لإقامة المصانع وتطويرها، يقابلها في الجانب الآخر فرض الضرائب الباهظة على الصناعة الفلسطينيّة.

 

قطاع السياحة

تعرّض قطاع السياحة هو الآخر لضربة نتيجة للاستيطان الإسرائيليّ؛ ففي الجولان مثلًا كانت هناك ثروة سياحيّة كبيرة ومتنوّعة، ما بين الطبيعة الخلّابة والآثار التاريخيّة؛ ما جعله مقصدًا دائمًا للسيّاح من مختلف أرجاء العالم. ومن المناطق السياحيّة المهمّة فيه؛ منطقة الحمّة ومدينتها؛ إذ تأتي تلك المنطقة في مقدّمة الأماكن الّتي تمتلك مواصفات سياحيّة نوعيّة خاصّة، جعلت منها على الدوام درّة الجولان، وموئل المصطافين، حيث تبلغ أوج جمالها عبر ما تختزله الحاضنة البصريّة من الطريق الملتوي الموصل إلى المدينة، هبوطًا متسارعًا حينًا، وحينًا في انحدار أقلّ وطأة، فترتفع من الناحية السوريّة، وتنحدر نحو الغور الفلسطينيّ. وعند بحيرة طبريّة تبرز الطبيعة الخلّابة الّتي تأسر الناظر بجمالها.

تميّزت الحمّة بوجود الينابيع المعدنيّة الحارّة، الّتي يقصدها الناس للاستشفاء والاستحمام. ومن المناطق السياحيّة الأخرى في الجولان الّتي حظيت بجذب سياحيّ، منطقة جبل الشيخ، ونهر بانياس، والشلّالات الّتي يصل عددها إلى 20 شلّالًا.

لقد لفت كلّ ذلك أنظار المسؤولين الإسرائيليّين؛ فسعوا إلى استغلال الجولان سياحيًّا، وفي هذا الصدد كتب صحافيّ إسرائيليّ في أيّار (مايو) 1968 عن الجوّ في الجولان، قائلًا: “الجوّ في الجولان يشبه قليلًا جوّ إيلات غداة إنشاء إسرائيل، والإسرائيليّون يعلمون أنّ الوقائع الأولى حاسمة ودائمة، وأنّ هذا هو توقيت الهبش والاستيلاء، وضرب الأوتاد ما دام ثمّة ما يمكن اقتسامه”. في الصدد ذاته، صرّح وزير السياحة موشي كول (Moshe Kool) في 12 آذار (مارس) من السنة التالية، بأنّه سيكون باستطاعة 700 عائلة العيش من أعمال المصايف في مرتفعات الجولان، وجاء تصريحه بعد أن جرى استثمار نحو 400 ألف ليرة إسرائيليّة في «نادي الضبّاط السوريّ» السابق، من أجل تطويره وجعله منطقة سياحيّة. وتسلّمت وزارة السياحة في مستهلّ سنة 1970 ما مقداره 4 آلاف دونم لتطوير مشروع سياحيّ شمال شرق بحيرة طبريّا في الجولان. وقد أُلّفت لجنة خاصّة للتعهّد في تنفيذ ذلك المشروع، وذلك ما أكّده وزير السياحة كول آنذاك، من خلال كلمة ألقاها في «النادي التجاريّ والصناعيّ» في تل أبيب.

 

صرّح وزير السياحة موشيه كول (…) بأنّه سيكون باستطاعة 700 عائلة العيش من أعمال المصايف في مرتفعات الجولان (…) بعد أن جرى استثمار نحو 400 ألف ليرة إسرائيليّة في «نادي الضبّاط السوريّ»…

 

في مطلع آب (أغسطس) 1972 ظهرت بدايات لمبادرات سياحيّة جديدة في الجولان، الغرض منها إقامة مشروع مراكز التزلّج والاستجمام في منطقة جبل الشيخ، يديره أعضاء نواة مستوطنة نفه أطيف الواقعة شمال الجولان، وأُنشِئت بالفعل منشآت التلفريك ومناطق للتزلّج في المنطقة، حيث أقيمت على أنقاض بلدة جباتا الزيت السوريّة الّتي كانت على سفوح جبل الشيخ الشرقيّة. واستمرّ العمل في تلك المنشآت؛ لغرض إدخال تحسينات على التزلّج بخاصّة، والسياحة بصورة عامّة، ووقع عاتق تلك التحسينات على مهندسين نمساويّين، والقليل من العمّال في الأراضي السوريّة المحتلّة.أُقيمت منشآت سياحيّة متطوّرة قرب الينابيع الكبريتيّة في الحمّة، والشاطئ الشرقيّ لبحيرة طبريّا.

مهما يكن من أمر، تطوّرت السياحة في الجولان على حساب العرب، وشهدت إيراداتها ارتفاعًا سنة بعد سنة؛ ففي سنة 2002 –  مثلًا - ارتفعت بمعدّل 7 بالمئة عن سابقتها، وفي سنة 2003، ارتفعت بمعدّل 15 بالمئة، وهكذا.

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى