اجتماعياتثقافة

ملحم شاوول: القامة الثقافية الرقيقة كمنديل(أنطوان سلامة)

 

أنطوان سلامه –  عن ليبانون تابلويد

كأنّه تنبأ برحيله حين عنون كتابه الأخير ” التفكك والانطواء” بعد كتابه ” الافتراق والجمع”.

في كتابه الأخير، وقف الدكتور ملحم شاوول على مشارف الألفية ناظرا الى لبنان ومحيطه (صدر العام ٢٠١٨).

من واكبه، منذ اندلاع الحرب السورية لا حظ اهتمامه بمشاركة “الريف” في ما اعتبره لحظة التحولات في المنطقة ضمنا لبنان.

لم “يتمترس” الدكتور ملحم شاوول في “أكاديمية” جامدة، همّه دوما التحرر منها، من دون أن يشطّ عن مناهجها في علم الاجتماع خصوصا في بُعديه السياسي والمدّني.

من هذه الزاوية تسلل الى الصحافة متعاونا مع ” وكالة الصحافة الفرنسية”(١٩٧٢-١٩٧٤)،ومجلة ماغازين الفرنسية(١٩٨٥-١٩٨٧)، ينشر مقالاته في الحياة والنهار، ويرأس القسم العربي والدولي في مديرية الأخبار في  تلفزيون لبنان(١٩٩٢-١٩٩٤).

جذبه اليه المدير المميّز فؤاد نعيم الذي ترك لمسة نادرة في هذه المؤسسة الإعلامية العامة.

في هذه المرحلة تعمّقت معرفتي بالدكتور ملحم شاوول، كمحرر في هذا القسم الذي رأسته من بعده وبإيعاز منه، كما عرفتُ لاحقا.

في هذه المرحلة تفاعلتُ معه كما الزملاء، لنكتشف فيه عمقا ثقافيا، وإحاطة علمية تقترب من ” الموسوعية” في كل ما يتعلّق بلبنان ومحيطه امتدادا الى بلاد فارس وخليج العرب.

استوعب بشكل كامل، تاريخ لبنان، منذ كيانه العام ١٩٢٠  الى اندلاع ثورة الأرز، ورأى فيها ملاذا للتفكير والتأمل، تماما كما كان يتأمل في حراك الربيع العربي.

في رئاسته القسم العربي والدولي، اتضحت لنا شخصيته، في تعامله مع الخبر التلفزيوني، وكأنّه المقالة التي تسقط إن لم يشحنها الصحافي بمعلومات متمّمة غالبا ما تكون تاريخية.

ثقافته الواسعة، في القرنين العشرين والواحد والعشرين، غربا وشرقا، خصوصا في تداعيات الحرب العالمية الثانية، جعلته ملمّا في الخلفيات قبل أن يلج الى الحدث بذاته.

معه واكبنا بمتعة راقية، التحولات العالمية الكبرى انطلاقا من زلزال انهيار الاتحاد السوفياتي وبروز نموذج القيصر الجديد متمثلا ببوريس يلتسين، امتدادا الى حرائق يوغسلافيا المنهارة في أتون الحروب الطائفية والقومية، وتشيكوسلوفاكيا في طلاقها المسالم.

وفي كل ما يحدث تبقى عيوننا تراقب اهتزازات الإقليم من اليمن في نزاع  جناحيه الشمالي والجنوبي الى الصراع العربي الإسرائيلي في المفترقات التي رسمها مؤتمر مدريد للسلام.

وحين خيّرته إدارة الجامعة اللبنانية في أن يفصل بين ميله الصحافي وبين التزامه الأكاديمي، عاد الى منبره الجامعي متفرّغا ليصبح مدير معهد العلوم الاجتماعية الفرع الثاني(٢٠١٢-٢٠١٤)، لكنّه بقي في الصحافة التي أحب، وفي النشر. يراقب التحولات في فلسطين والعراق والخليج بضفتيه العربية والفارسية، ويتسمّر في مكانه  حين يلامس التحولات اللبنانية في المأزق المتواصل.

ولكي يفهم هذه التحولات، اهتم بدراسة الانتخابات النيابية في مساراتها ونتائجها. اهتم كثيرا بالبقاع الذي مال الى سهله، والى عروسه: زحلة.

في آخر لقاء لي معه، طلب مني، بتواضعه، أن أعرض له تجربتي في التأريخ المحلي، وكان يستعد للكتابة عن زحلة.

من مفارقات الدكتور ملحم شاوول أنّ موسوعيته وشمولية معرفته، لم تنزع من نفسه توقه الى مكانه الأول.

هذا سرّه الذي ينكشف في تواضعه، في ميله الى المرح ، وفي انفتاحه على صداقات تتعمّق.

الدكتور ملحم شاوول، الفرانكوفوني العريق، لم يغترب.

 لاحظت فيه أخيرا، إحباطا أو انكسارا يشبه انكسار اللبنانيين جميعهم، فأنّهى مساره الكتابي باحثا  في  نشوء ما سمّاه ” الحالات التفككية” في الشرق الأوسط ولبنان .

اهتم في البحث عن “الإرادة المشتركة” لانتظام سياسي واجتماعي. لكنّه مال الى تشاؤم، وهو الانسان الإيجابي بطبعه، المتفائل في مقارباته.

وحين مات معا، الدكتور فارس ساسين وجبور الدويهي ،غمرنا شعور بأنّ الدكتور ملحم شاوول لن يستطيع الابتعاد عن رفيقيه.

لم أتصور يوما أن أكتب في وداع الدكتور ملحم شاوول، ربما لقامته العالية، ورقته التي تلامس منديلا من حرير.

 

  • “الحوار نيوز” تتقدم بخالص العزاء إلى عائلة الصديق الدكتور شاوول والأصدقاء والأسرة الإعلامية والأكاديمية ،وقد زاملناه في تلفزيون لبنان أيام الزمن الجميل(واصف عواضة)

 

 

 

 

 

 

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى