رأيمحليات لبنانية

لبنان و الإرادة والاستقلال والسيادة: يربحُ عسكرياً.. و يخسر سياسياً(جواد الهنداوي)

د.جواد الهنداوي – الحوارنيوز- خاص

       

أمران مترابطان وأساسيان  يمّيزان لبنان ودول المنطقة.  واقصد في دول المنطقة، الدول العربية، وخاصة الواقعة في غرب آسيا وكذلك تركيا وايران.

الامر الاول هو أنَّ هذه الدول حاضنة للملفات الساخنة او الشائكة اقليمياً و دولياً و أممياً، والامر الثاني هو انها في تناقض في ما بينها تجاه تعريف و تطبيق مفاهيم الارادة والاستقلال  والسيادة، وكذلك هي تختلف عن دول العالم ازاء تعريف وتطبيق هذه المفاهيم.

هذان الأمران يكفيان بجعل دول المنطقة هدفاً استراتيجاً للعُبة الأمم والقوى الكبرى، من اجل ان تكون هذه الدولة او تلك الدولة مساعداً و معيناً لهيمنة او لسيطرة او لنفوذ قوة او دولة عظمى. وهذا الواقع او المشهد السياسي الذي تعيشه دول المنطقة هو سبب بجعل بعضها فاقداً للامن والاستقرار والتنمية .

لنترجمْ ما كتبناه اعلاه الى افكار و استنتاجات، مستعينين بوقائع وبشواهد نعيشها في بعض دول المنطقة. لنأخذ حالة الجمهورية اللبنانية وما تعانيه من واقع سياسي واقتصادي واجتماعي خطير، و دالٌ، في ذات الوقت على غياب ايّ تطبيق واعتبار لمفاهيم الارادة و الاستقلال  والسيادة .

يبدو أنَّ السلطات الدستورية –  السياسية في لبنان، والمتمثلة في رئاسة الجمهورية ومجلس النواب ومجلس الوزراء  وغيرهما ، مهتمة بإرضاء الارادة الامريكية أكثر من اهتمامها بارادة الشعب اللبناني، الذي تمثّله. ازاء معاناة الشعب اليومية وحاجاته الاساسية، تهملُ السلطات كل الاقتراحات  والحلول القادرة على انهاء او تخفيف معاناة الشعب،  لأنَّ هذه الحلول لا تحظى بالموافقة الامريكية.  لو كان مجلس النواب في لبنان ( مجموع الكتل النيابية) يمثلُ حقاً ارادة الشعب اللبناني وحريص على انهاء معاناة الشعب اللبناني، كان بإمكانه الانعقاد واتخاذ قرار بمطالبة الحكومة بالتعاقد، وبالشروط التي في مقدور الحكومة اللبنانية الالتزام بها، مع الدول المستعدة لمساعدة لبنان بالخروج من الازمة ( روسيا ، ايران ، الصين ).

التحديات التي يواجهها لبنان تكشفُ لنا بأنَّ بعض اعضاء المجلس النيابي اللبناني رهينة لاحزابهم السياسية ، وللارادة الخارجية ، ولا يمثلون الشعب ، ويدركون تماماً بأنَّ الارادة الخارجية هي التي تحول دون حلول الازمة ، وهي التي تمارس الحصار وتفرض العقوبات.

التحديات تكشف لنا ايضاً بأنَّ ما يحققه لبنان من انتصارات عسكرية وقوة ردع تعزّز استقلاله وسيادته ، تتبدّدْ بمواقف التخاذل والانبطاح السياسي. اي ، ما يربحهُ لبنان عسكرياً يفقدهُ سياسياً : يربح لبنان ،بفضل المقاومة ، العزّة والكرامة والاستقلال والسيادة ، ويخسرُ هذه المقومات بسبب سياسة الانصياع و الارتهان للارادة الامريكية ، المُصرّة على تجويع و اذلال الشعب و حرمانه .

 المشهد اللبناني ،وبهذه الحال ( الانتصار  عسكرياً  و التخاذل سياسياً ) يُقّدم نموذجاً يسّرُ العدو ويُغيظ الصديق . ما لا يحققّه العدو بالسلاح وبالدم ، ينجزهُ بالسياسة ،من خلال تفعيل الحصار و العقوبات والتهديد  والابتزاز ، والاعتماد على قوى سياسية تتبنى ،ليس ارادة الشعب ، وانما ارادة الصديق الامريكي و الاسرائيلي .

     ما يكابده الشعب اللبناني ليس صبراً ، يؤجر عليه ، وانما انتظار يُلامْ عليه ؛ انتظار يقوده ليس الى نصر ، وانما الى احتضار ، بدايته خسارة ارادة الشعب و الارتهان الى الارادة الصهيونية ، وخسارة الاستقلال و السيادة .

ما الفرق بين قطاع غزّة ،المحروم من الوقود والكهرباء ، والمحاصر بموانع ( وليس بمعابر حدود ) ، وبمنافذ مُوصدة ،  و شعب جمهورية لبنان المحروم هو الآخر من الوقود والكهرباء ؟

     الفرق هو ان القطاع يملك ارادة سياسية قادرة على جلب الوقود والممنوعات عن طريق الانفاق ،ان تعذّر تمريرها عبر المنافذ و المعابر، ولبنان يملك المعابر و المنافذ، وتُقّدمْ له عروض مُغريّة ، ولكنه لا يمتلك القرار السياسي لتمرير الوقود وما يحتاجه لشعبه من خدمات  ومستلزمات اساسيّة.

أصابَ الشاعر صفي الدين الحلي حين قال:

    لايمتطي المجد مَنْ لم يركبْ الخطرا

    و لا ينال العُلا مَنْ قدّمَ  الحذرا .

*سفير عراقي سابق ورئيس المركز العربي الأوروبي للسياسات وتعزيز القدرات- بروكسل

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى