سياسةمحليات لبنانية

الحريري وادارة الأزمة


يبدو أن الأوضاع المعيشية والأمنية المضطربة التي تعصف بالوطن وتهدد بمخاطر جدية، لا تؤثر على أصحاب القرار للسعي لتشكيل حكومة جديدة. لم يدعُ رئيس الجمهورية إلى الاستشارات النيابية قبل الاتفاق على اسم يجري التوافق عليه وذلك خوفاً من إضاعة الوقت، والعمل مع الثنائي الشيعي لإقناع الرئيس المستقيل مجدداً لتولي المسؤولية بنفسه كونه الشخصية الأبرز لدى الطائفة السنية الكريمة، أو اختيار من يريد من الأسماء التي تلقى صدى إيجابياً لدى الجميع لتولي رئاسة حكومة تكنوسياسية. ويصر رئيس الجمهورية على تمهله ويلقى بسبب ذلك معارضة شديدة لدى الحراك الشعبي ومن يحاول ركوب موجته، والوقت يمرّ ومعاناة المواطنين تكبر وتكبر. ونرى لدى الرئيس الحريري موقفاً سلبياً في تعاطيه مع خطورة الأوضاع منذ تقديم استقالته. إذ لم يدعُ منذ ذلك الوقت إلى اجتماع حكومته المستقيلة لمواجهة المشاكل العالقة، أو تدارك المشاكل المستحدثة، خصوصاً عند كل مفترق أمني وقع، ولما يزل، في الشارع، واستعادة صور الحرب الأهلية التي يرفض الناس حتى استعادتها في ذكرياتهم. ولم يبدِ أي نشاط حكومي تجاه الأزمات المالية والاقتصادية والمعيشية التي بلغت حداً ليس مقبولاً السكوت عنه عند من يملك سطوة التأثير والتغيير. كما تتجلى سلبيته في مواقفه الضبابية من ترؤس الحكومة الجديدة بنفسه أو من قبل أسماء بديلة، وما يرافق تلك المواقف من تحركات فجائية في الشارع، بعد هدوء نسبي لأيام، وإقفال الطرقات واستفزاز المواطنين، لينتج من ذلك بعدها اشتباكات صريحة لأول مرة كادت تودي إلى عواقب وخيمة.
وكثيراً ما يُسأل في هذا المقام: هل المشكلة تكمن في نوع الحكومة وطبيعتها؟ أو أن الحل في حكومة تستبعد كل الأحزاب السياسية التي خبرها اللبنانيون لسنوات طويلة ولم تستطع، بل ساهمت، في خراب البلاد وتفقير العباد؟ وهل يحق للرئيس الحريري أن يفرض طريقة الحل وهو جزء أساس من تلك السلطة الفاسدة ومن الأحزاب المغضوب عليها، فيركب موجة الانتفاضة ليكون على رأسها ويتحدث باسمها؟ وهل تمثّل هذه الانتفاضة، إن اعتبرنا أن لها توجهاً واحداً، كل الأطياف اللبنانية التي نزلت أو التي لم تنزل إلى الشارع؟ وأخيراً: هل يملك الرئيس الحريري القرار المستقل؟
لا يمكن، ونحن نتحدث عن الرئيس الحريري، إلا أن نعود بالذاكرة إلى أيام اعتقاله في السعودية، حيث أعلن استقالته مكرهاً لا مختاراً، بغض النظر عن سبب خضوعه حينها للأمر الواقع، ما يحتّم علينا أن نرتاب في قدرته اليوم على اتخاذ القرار الصائب المستقل الذي فيه مصلحة لبنان واللبنانيين بعيداً عن الحسابات الشخصية الضيقة والمصالح الخارجية. فهل من أجبره على الاستقالة سابقاً يجبره الآن على مواقفه السلبية؟ وكيف يمكن تسليم دفة الحكم في بلاد على شفير الهاوية الاقتصادية والأمنية لمن يُشكُّ، على الأقل، في استقلال قراره وحرية توجهه؟ وكيف يمكن الاعتماد عليه في إصلاح أوضاعنا الاستثنائية في خطورتها وتعقيدها وهو لا يملك الخبرات العملية المؤهلة، بل أن ما رشح عن تجربته الشخصية في المال والأعمال يؤكد على فشله في الإدارة والاستمرارية؟ فكيف يكون قدراً لنا في إدارة حياتنا ومستقبلنا في وقت شديد الحساسية والخطورة؟ أليس العامل الطائفي هو سبب ترشيحه للتصدي لهذه المهمة التعجيزية، وكيف يذعن الحراك الشعبي لذلك مع أن من أوائل مطالبه القضاء على نظامنا الطائفي واستبعاد رجالات السلطة الفاسدة؟
يبدو أن أزمتنا لا تُعالج إلا في مطبخ إقليمي دولي، فإما مزيداً من التدهور والتراجع والفراغ الدستوري، وإما عودة إلى المربع الاول، بانتظار حراك جامع شامل يستبعد الأحزاب التي نهبت البلد، ويحاكم الرموز التي طغت لثلاثة عقود، ويؤسس لنظام متحضر بعيد عن الانتماء للطائفة والمذهب والعائلة الارستقراطية. إنه حلم الأغلبية الساحقة من اللبنانيين التي لم يتبقَ لها في غمرة مآسيها إلا أن تحلم.  

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى