سياسةمحليات لبنانية

انتماء وحنين ووصية…

 

       


لم يتحمل اهل بلدته، نعت كل ابناء الوطن بالكذابين، وقف في الساحة وشتم الناس، اتهم كل واحد  منهم بتهمة ،واثار حول كل فرد  الشكوك ،ظنّ في الاقارب الظنون السيئة، واعلن على الملأ انه كافر،لا يصدق التاربخ ولا يصدق ما جاء في الدين وانه متمرّد و مرتد وانه مسافر اليوم، مهاجر غدا، راحل الى الابد،بعيدا عن كل الاصحاب المزيفين.
وضّب حقائبه، حمل امتعته،مشى خطوات قليلة ليرجع في اتجاه الساحة، وضع ما يحمله على الارض، صعد على شجرة كينا وأقسم انه لن يعود الى بلاد يملأها البعوض وتعيش فيها الكراهية، الى بلاد تقوم على النفاق والدجل والحقارة والتعاسة، لاعنا اصله وفصله من جد الاجداد لغاية اليوم…
ومضى،
هجر البلاد الى ابعد مكان في الارض،
قالوا انه وصل نيوزيلاندا سباحة،
حكوا انه سكن القطب الجنوبي في بيت من ثلج،
تحدثوا انه يعمل في البرازيل كسكافي فاشل،
ردّدوا اخباراً انه تحول لديانة اليهود رغم استحالة ذلك، و نفى آخرون الاخبار وقالوا انه تنصرن وانه غيّر اسمه من حمزة الى شيكانو وان اولاده مقاتلون اشداء يعملون مع الاعداء كمساعدين للشياطين…
قالوا فيه الحكايات ،
نسجوا عنه كل الجرائم الصغيرة والكبيرة والويلات والبلايا التي حلت بهم كلعنة منه،
ومرت السنون ،
ستون خريفا وربما اكثر،
وذات صباح ،استيقظت البلدة على سيارة دفن الموتى وتلاوة القرآن الكريم، تدخل البلدة . نزل منها اربعة شبان وسيمون يرتدون الاسود ،
اقترب منهم اهل البلدة وسألوهم من يكونون. اسماؤهم عربية اسلامية، لكنتهم جنوبية، بسطاء، مؤمنون، طيبون ومسالمون.
قال اكبرهم:
-اوصانا والدنا ان  ندفنه بين قبري والديه،خاف ان ندفنه بين غرباء في مقبرة لا تشبه اهله، اوصانا ان نزرع الورد على جانبي طرقات البلدة وان نساعد كل الناس، امضى كل عمره وهو يخبرنا عن جمال بلدته وعن طيبة اهل قريته وعن حسن معشر الاقارب ، امضى عمره وهو يعلمنا القرآن ويبكي، عن اصحاب له لا يقايضهم بالذهب وبالالماس، اشبعنا حبّاً وحنينا وانتماء لهذه البلدة ، لبلاد نحن منها مهما تكن ونكون،….
قال اوسطهم، انه افنى عمره يجمع سعر تذكرة السفر وثمن الضريح ليعود…وعاد في تابوت…
سأل اصغرهم عن شجرة كينا في الساحة، اوصاهم والدهم، ان يمروا بجنازته من تحتها قبل ان يعود ترابا في التراب ،بين اهل يسكنون القبور ،صامتين فيها الى الابد.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى