لأن البلدين في سلة إقتصادية واحدة:هكذا يستفيد لبنان من رفع العقوبات عن سوريا (عماد عكوش)

بقلم د. عماد عكوش – الحوارنيوز
بدأت العقوبات الدولية على سوريا في شهر كانون الأول من العام 1979 عندما وضعت الولايات المتحدة سوريا على قائمة الدول الراعية للإرهاب بسبب دعمها للمقاومة الفلسطينية ، ووصايتها على لبنان . لكن الموجة الأكبر من العقوبات جاءت بعد اندلاع ما سمي بالثورة السورية في عام 2011 ، حيث فرضت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وكندا وأستراليا وسويسرا وجامعة الدول العربية عقوبات اقتصادية وسياسية متعددة، رداً على قمع النظام للمدنيين خلال الحرب الأهلية السورية ورفض الاصلاحات السياسية في الظاهر ، بينما كانت الأسباب الحقيقية واضحة وهي دعم سوريا لحركات المقاومة في المنطقة .
لقد شملت العقوبات مجموعة واسعة من القيود والتدابير، منها تجميد أصول الحكومة السورية والمسؤولين في الخارج ، حظر التعامل مع البنك المركزي السوري والمؤسسات المالية ، قيود على الاستثمار في قطاعات النفط والغاز والطاقة ، منع تصدير التكنولوجيا والمعدات ذات الاستخدام المزدوج ، حظر استيراد النفط السوري ، منع الطائرات السورية من التحليق في الأجواء الغربية ، قيود على تصدير التكنولوجيا المستخدمة في الرقابة على الإنترنت ، وعقوبات “ثانوية” بموجب قانون قيصر (2020) ضد أي طرف يتعامل مع النظام السوري .
لقد كان للعقوبات تأثير مدمر على الاقتصاد السوري بحيث انكمش الاقتصاد بنسبة 84% بين 2010-2023 ، كما انخفض الناتج المحلي الإجمالي من 61 مليار دولار عام 2010 إلى أقل من 6 مليارات عام 2024، ثم انهارت العملة السورية من 47 ليرة للدولار عام 2011 إلى 13065 ليرة للدولار قبل أيام ، وادى استمرار العقوبات الى انخفاض احتياطي النقد الأجنبي من 18.5 مليار دولار عام 2010 إلى حوالي 200 مليون دولار، ونتج عنها ان أكثر من 90% من السوريين اصبحوا يعيشون تحت خط الفقر .
على الرغم من إعفاءات المساعدات الإنسانية من العقوبات ، فإن الصعوبات البيروقراطية حدت من وصول الغذاء والدواء للمدنيين . كما أثرت العقوبات على القطاعات الحيوية مثل النفط والزراعة والصناعة ، الأمر الذي أدى إلى نقص الإمدادات الأساسية وارتفاع حاد في الأسعار .
تأثر لبنان بشكل كبير بالعقوبات على سوريا بسبب الترابط الاقتصادي العميق بين البلدين، حيث تأثرت شبكات أسواق النقد “المشتركة” بين البلدين ، كما برزت خسائر المصارف اللبنانية التي كانت تسيطر على نصف المصارف الخاصة في سوريا قبل العقوبات ، هذا الامر ادى الى زيادة الضغوط النقدية بسبب شح الدولارات في سوريا وطلب التجار السوريين للدولارات في لبنان وتقييد الحركة التجارية العابرة للحدود التي اعتمدت على النقد الورقي ، وكانت نتيجتها النهائية انهيار كامل للاقتصاد اللبناني بسبب تحمله لأكثر من خمسة وعشرين مليار دولار في البنية التحتية وفي دعم السلع المستهلكة على المستوى المحلي منها الكهرباء ، المياه ، المواد الغذائية ، والبيئة .
الثلاثاء الماضي أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب رفع العقوبات عن الحكومة الانتقالية السورية ، ومن المتوقع أن يكون لرفع العقوبات تأثيرات إيجابية على لبنان وعلى كل المستويات الاقتصادية ومنها :
- القطاع المالي : حيث انه من المقدر عودة المصارف اللبنانية للعمل في السوق السورية، والتي كانت تمتلك فيها أصولاً بقيمة مليار دولار قبل الازمة ، استعادة الربط الطبيعي بين السوقين الماليين ، وتحسن تدفق العملة الصعبة بين البلدين .
- الاستثمار : ومنها فتح أسواق البناء والتجارة أمام الشركات اللبنانية ، تسهيل التبادلات التجارية عبر الحدود ، وتحسن فرص التصدير إلى سوريا .
- أزمة النازحين : وتسريع عودة اللاجئين السوريين مع تحسن الأوضاع الاقتصادية في سوريا ، تخفيف الأعباء الاقتصادية والاجتماعية على لبنان ، وخفض الضغوط على البنية التحتية والخدمات العامة.
ان حل أزمة النازحين سينعكس بشكل ايجابي جدا” على الاقتصاد اللبناني حيث يمكن أن يؤدي إلى تخفيف الضغوط على الموازنة اللبنانية والخدمات العامة ، وتحسين سوق العمل من خلال خفض المنافسة على الوظائف ، وزيادة الاستقرار الاجتماعي والأمني ، وتحسن سمعة لبنان الدولية بسبب امكانية السيطرة على الاستقرار والامن الداخلي بشكل اكثر فاعلية .
اضافة الى كل ما تقدم فإن رفع العقوبات يمكن ان يخلق فرصا كبيرة للقطاع الخاص اللبناني عبر الاستثمار في إعادة إعمار سوريا، خاصة في قطاعات البناء والتجارة ، استعادة النشاط المصرفي في السوق السورية ، توسيع نطاق التبادل التجاري بين البلدين ، والاستفادة من الخبرات اللبنانية في إدارة المشاريع والخدمات .
في النهاية وكما شكلت العقوبات على سوريا عبئاً ثقيلاً على الاقتصاد السوري والشعب السوري ، هي أثرت بشكل غير مباشر على الاقتصاد اللبناني بسبب العلاقات الاقتصادية الوثيقة بين البلدين ، ومع رفع العقوبات تفتح أمام لبنان فرص كبيرة للاستفادة اقتصاديًا ، خاصة في القطاعين المالي والتجاري ، اضافة الى اسهامه في حل أزمة النازحين التي أثقلت كاهل لبنان لسنوات ، ومع ذلك ، فإن استفادة لبنان الكاملة من هذه الفرص تتطلب معالجة أزماته الداخلية أولاً ، خاصة الأزمة المالية ، المصرفية ، والسياسية ، فهل سنستفيد من هذه الفرصة لننجز الاصلاح الحقيقي عبر اصلاح سياسي جذري يمنع التعطيل عند الاستحقاقات ، ويوقف التحاصص في التعيينات ، ويخلق قضاء مستقلا وفاعلا، وهذا القضاء بدوره يجب ان يخضع لمراقبة ومحاسبة تمنعه من البيروقراطية والخضوع للسياسة والا فاننا مستمرون في اعمال الترقيع .