إقتصاد

صناعة الدواء في لبنان بالأرقام: فرص مهدورة وآمال معقودة!

 

تحقيق دانييلا سعد – خاص الحوارنيوز

يحتل دعم القطاعات الإنتاجية الأولوية في أدبيات حكومة الرئيس حسان دياب، ويأتي هذا التوجه في ضوء العقم الذي بلغه النموذج الاقتصادي الحالي والقائم على قطاع الخدمات والنشاط الريعي الأمر الذي أنتج تراكم كبير في رؤوس الأموال الخاصة ولدى المصارف، مقابل تراجع مستوى دخل الغالبية العظمى من اللبنانيين وارتفاع نسب الفقر والبطالة، وترافق ذلك مع فساد، بعضه مقونن وبعضه غير شرعي شاركت فيه مختلف القوى السياسية التي شاركت في الحكم منذ إقرار اتفاق الطائف لغاية اليوم، وتسبب كل ذلك في إفلاس الدولة.
كيف يمكن للدولة أن تترجم توجهاتها؟
ما هي الأولويات؟
وهل ستتمكن من ذلك في وقت يستعد أرباب النموذج السابق للدفاع عن مكتسباتهم، ذلك أن التغيير في النموذج الاقتصادي لا بد وأن يواكبه تغيير في بنية النظام السياسية!
من القطاعات الصناعية الواعدة، قطاع صناعة الدواء في لبنان، من حيث قدرته على الإنتاج وبالتالي تخفيض فاتورة الإستيراد وتخفيض كلفة الدواء، يضاف الى ذلك تأمين عشرات الآلاف من فرص العمل.
ما هي المعطيات وكيف يعمل أهل القطاع لتطويره وكيف ينظرون إلى الوعود الحكومية؟
يؤكد عضو كتلة التنمية والتحرير النائب الدكتور فادي علامة ل "الحوارنيوز" أن الكتلة تقدمت بثلاث إقتراحات قوانين، جرت مناقشتها لاحقا في لجنة الصحة النيابية وتطورت الأفكار نحو إنشار هيئة ناظمة معنية بكل ما يتعلق بالدواء والمتممات الغذائية والمستلزمات الطبية، وتتقدم أولوية دعم قطاع صناعة الدواء في لبنان على ما عداها من قضايا".
وأوضح النائب علامة أن لجنة فرعية شارك فيها كافة المعنيين بهذه المجال وأنهت مسودة ستناقشها لجنة الصحة النيابية بصورة نهائية".
من جهتها تقول الدكتورة رويدا دهام، نائب رئيس مجلس إدارة شركة "آروان" لصناعة الدواء بأن القطاع تلمّس " كل "النوايا" الإيجابية من الحكومات السابقة والحكومة الحالية لدعم القطاع ولكن هذه النوايا لم تترجم حتى الآن الى حقيقة ولأسباب عديدة".
وتضيف الدكتورة دهام: تمّ التواصل كشركة "آروان" ومن خلال نقابة مصانع الأدوية مع دولة رئيس الحكومة ووزيري الصحة والصناعة والكل أبدى حماسه لدعم هذا القطاع ولكن العقبات التي تحول دون هذا الدعم تحتاج الى تضافر الجهود من جهات متعددة.
فعلى المثال وليس الحصر، تستورد المصانع الدوائية المواد الأولية من الخارج ولذا هي بحاجة الى تحويل عملة أجنبية الى الموردين. بعد جهد جهيد وافق المصرف المركزي على تأمين تغطية 85 % من فواتير المواد الأولية لزوم صناعة الدواء والسقف يبلغ 100 مليون دولار على السعر الرسمي ولـ 11 مصنع دواء في لبنان، ولكن يبقى التطبيق والمماطلة ما بين المصارف التجارية والمصرف المركزي بيت القصيد إذ تستغرق الفاتورة ما بين 60 – 90 يوم للموافقة عليها مما أدى الى امتناع بعض الموردين عن تزويدنا بالمواد الأولية او فرض شروط قاسية للإستمرار مثل الدفع المسبق.
وتوضح دهام أن حجم سوق الدواء في لبنان بلغ رقماً مضخماً وصل لحدود 2 مليار دولار أميركي وهذا رقم كبير مقارنة بتعداد عدد السكان وللمقارنة فقط يبلغ حجم السوق في إيران 2.8 مليار دولار لتعداد سكاني يقارب 100 مليون نسمة!
اما السبب في حجم سوق الدواء المضخم فيعود أيضاً لوجه من وجوه الفساد المستشري في تركيبة هذا الوطن الضحية!
في كل اصقاع العالم بما فيها البلدان المتقدمة مثل الولايات المتحدة الأميركية يكون السوق مقسم ما بين الدواء المبتكر (Originator) والدواء الجنيسي (Generic) 20/80 بحيث يشكل الدواء الجنيسي منخفض السعر 80 % من حجم السوق وفقط 20% للدواء المبتكر وفقط الذي يخضع للحماية الفكرية (Patency).
هنا في لبنان تنعكس الآية! 80 % للدواء المبتكر وبالرغم من وجود أدوية جنيسية و 20 % فقط للأدوية الجنيسية.
أما السبب في ذلك فيعود الى احتكار 10 مستوردين كبار السوق في لبنان وعقد صفقات مع الأطباء لوصف الدواء الغالي حيث هامش الربح يسمح بتخصيص مبالغ ضخمة لهؤلاء الأطباء!
أما حصة الدواء الوطني فهي لا تتجاوز 8 % من حجم السوق.
وردا على سؤال توجز دهام التحديات والحوافز المطلوبة بنقاط ست هي:
1 – زيادة حصة الصناعة الدوائية الوطنية في السوق المحلي والذي ينعكس إيجاباً على تقليص الحاجة الى العملة الأجنبية، يحتاج الى الحد من المنافسة الأجنبية بتقليص عدد الأصناف الأجنبية المنافسة  والتي لا تحمل أية قيمة مضافة لاسيما الأدوية الجنيسية المستوردة من بلدان غير مرجعية، 
وزيادة حصة الصناعة الدوائية يتم كذلك عن طريق إلزام الجهات الحكومية على اعتماد الدواء الوطني حصراً في مشترياتها كما هو الحال بمعظم الدول المجاورة، وتشجيع المواطن كذلك على  شراء هذا الدواء،
ولتشجيع المواطن على شراء الدواء الوطني نقترح أن يصار الى تعويض الدواء الوطني فقط مئة  بالمئة من قبل مؤسسة الضمان الإجتماعي. وهنا نقترح كذلك أن يكون المرجع في سعر الدواء لدى  الضمان الإجتماعي هو سعر الدواء الوطني إذا توفر إسوة بكل الدول في أوروبا بحيث تعوض الجهات الضامنة سعر الـ Generic الوطني ويبقى اختيار الدواء الـOriginator  وتحمّل فرق السعر رهن إختيار المريض. هذا الإقتراح لو طبق سوف يقلص فاتورة الضمان الإجتماعي الى  أقل من النصف.

2 – تشجيع التصدير والذي من شأنه أن يُدخل عملة صعبة الى الدولة عن طريق وضع حوافز للتصدير  والمساعدة في فتح الأسواق الخارجية وتطبيق مبدأ المعاملة بالمثل مع الدول التي تصدر أدويتها الى لبنان ولا يوجد اي دواء لبناني في اسواقها، مثل مصر وتونس وقبرص واليونان والأرجنتين  والبرازيل وغيرها لاسيما وأن هذه الدول كلها لا  تعتبر دول مرجعية!

3 – تحفيز المصانع المحلية على توظيف اليد العاملة اللبنانية لما في ذلك من أثر إيجابي على تخفيف البطالة، وبالتالي تحقيق الأمن الإجتماعي الذي بات مهدداً في ظل تنامي نسبة البطالة المخيف،  وهنا نقترح تخصيص مبالغ عن طريق الهبات وما شابه ذلك (كنا قد علمنا من معالي وزير العمل السابق عن وجود هبة من البنك الدولي خصصت لهذا الهدف) لتغطية جزء من رواتب التوظيفات  الجديدة (مثلاً 25 %) ولمدة ستة أشهر.

4 – تعزيز القدرة التنافسية للصناعة الوطنية عن طريق تقليل الأعباء المادية المفروضة عليها وغير  المبررة لاسيما الرسوم التي تسددها الى نقابتي الصيادلة والأطباء لتغذية صندوق تقاعدهما
تناقضاً مع نظامها الداخلي، تتقاضى نقابتي الصيادلة والأطباء رسوم من المصانع الدوائية الوطنية لتغذية صندوقها التقاعدي، إذ ينص النظام الداخلي: "يغذّي صندوق التقاعد من يستفيد منه"، ولا يوجد اي إستفادة لمصانع الأدوية من هذه الصناديق!
أ – نقابة الأطباء تتقاضى 0.5% على استيراد المواد الأولية والأدوية نصف المصنعة.
ب – نقابة الصيادلة تتقاضى 0.25% على تصدير الأدوية الوطنية و0.5% على مبيعات    السوق المحلي وعلى اساس سعر العموم.
ايضاً دعم فاتورة الطاقة من شأنه أن يقلل الأعباء

5- العمل على تأمين سيولة للمصانع المحلية وبكلفة مخفضة لاسيما في ظل هذه الأوضاع المالية عن طريق تفعيل القروض المدعومة من الدولة، وكذلك عن طريق إعادة إحياء ما يُسمّى "مصرف الإنماء الصناعي" والذي ما زالت هيكليته القانونية والإجرائية موجودة ولكن غير مفعّلة.
وهنا نقترح أن يُصار الى تحفيز الإغتراب اللبناني من خلال وزارة الخارجية الى تقديم هبات او  قروض لدعم وطنهم الأم يكون جزء منها لتغذية "مصرف الإنماء الصناعي" ضمن أطر قانونية  تحفز ثقة المغترب لمساعدة لبنان.

6-تشجيع الإستثمار الخارجي في المصانع الوطنية اللبنانية عن طريق:
أ -إعفاءات ضريبية تشمل ضريبة الدخل وتوزيع الأرباح لمدة 10 سنوات، وهو ما كانت تقدمه مؤسسة إيدال لتشجيع الاستثمار.
ب – تعديل بعض القوانين في وزارة العمل لاسيما بما يتعلق بحقوق وواجبات الموظف.
 
وتشدد رهام على ضرورة العمل لقيام توازن بين "الحفاظ على حقوق الموظف كاملة، وعلى قدرة المؤسسة على الإنتاج والتطور، مع ما يستلزم ذلك من تعديلات في القوانين ذات الصلة.
وختمت: " كنقابة أصحاب المصانع في لبنان نسعى مع الجهات المعنية الى زيادة حصة الصناعة المحلية لتصل إلى 30% خلال 3 سنوات ولقد لمسنا كل الدعم والتشجيع من رئاسة الحكومة والحكومة ولاسيما وزيري الصناعة والصحة لاعتماد الصناعة الوطنية في مشتريات الدولة والقطاع الخاص لما في ذلك من فائدة في دعم الصناعة الوطنية وبالتالي دورة الاقتصاد، خلق فرص عمل لشريحة متعلمة من أبناء الوطن تسعى دائماً للاغتراب بحثاً عن فرص عمل ترضي طموحها، تخفيف قيمة فاتورة الدواء والمساهمة في تخفيف العجز في الميزان التجاري عن طريق تقليل استيراد الأدوية.
بطاقة تعريف:
مصنع "آروان" للصناعات الدوائية هو أحدث مصنع في لبنان، أسس سنة 2009، وبدأ الإنتاج فيه في أواخر العام 2012، ومصمّم ومشيّد على أسس هيئة الغذاء والدواء الأميركي (US  FDA) لإنتاج أدوية حساسة منقذة للحياة على هيئة حقن.
ومواصفات مصنع "آروان" عالمية من حيث المعدات والمكائن الموجودة فيه. يصنع حالياً أدوية على شكل حقن (Injectables) ونقوم كذلك الأمر بالتعاون التقني مع مصانع عالمية في أوروبا، حائزة على موافقة الاتحاد الأوروبي  EMEA، وكذلك هيئة الأغذية والأدوية الأميركية (US  FDA) لتصنيع الأشكال الأخرى من أقراص وكبسولات وأشربة ولدينا حالياً /22/  دواء مسجل ومسوق في لبنان كاسم تجاري (45 صنف ).
ويقوم بتصدير أدويتنا إلى الدول العربية المجاورة مثل سوريا والأردن والعراق والكويت والإمارات وليبيا، ونحن في صدد تسجيل الشركة والمستحضرات في كافة الدول المتبقية وكذلك الأمر قمنا بتسجيل الشركة وبعض المستحضرات في دول أفريقية وفي بعض دول ما كان يسمى بالاتحاد السوفياتي.
يوظف مصنع "آروان" حاليا 110 موظف، ونتوقع أن يصل العدد الى أكثر من 400 مع توسعات الشركة والأسواق خلال 3 سنوات، ولدينا في الشركة خبرات وكفاءات عالية من حملة شهادات الدكتوراه والصيادلة والمهندسين والكيمائيين، ونحرص على تدريبهم وتأهيلهم المستمر في المصنع ومن خلال دورات تدريبية إقليمية وعالمية.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى