ثورة(لا) تعرف طريقها
في لبنان "امتنعت" المجموعات المشاركة في الانتفاضة الشعبية عن تنظيم نفسها وتشكيل قيادة موحدة لها؛ والقصد انها لم تسع لذلك، ثم أخفقت.
امتنعت لاحقا عن محاولة تسمية مجموعة مرشحين لرئاسة الحكومة بعد أن أفتى معظمها بتحريم المشاركة في الحكومة.
في اللحظات الأخيرة جرى تسريب منشور غير موقع يحمل صور ٣ شخصيات مرشحة لهذا المنصب، من بينها سيدة عادت "الشيخة" بولا، التي بدأت تختلط عليها الأدوار، ورشحتها بنفسها والاسماء الثلاثة هم من الصنف الذي لا يمكن ترويجه، بسهولة، بين المنتفضين لأسباب عديدة اهمها الاصرار التافه على كونهم من التكنوقراط.
"فشلت" السلطة في محاولات التقاط زمام المبادرة وترميم نظامها عبر تسمية شخصية، من لدنها، لإعادة ملء الموقع الذي أخلاه الحريري لأسباب تخصه وتحت وهج الانتفاضة.
كثيرون "قرروا" الا يصدقوا ان السلطة في حالة ارباك وعجز عن المبادرة، فعمدوا إلى القول ان ما يحصل هو مناورة لاحتواء الانتفاضة وان الرجل ما هو إلا واحدا من "المنظومة":
١/فريق يريد الحريري (او من يمثله) بعد "تنظيف" الحكومة من حزب المقاومة وحركة امل والتيار الوطني. ظن هذا الفريق ان لا أحد يجرؤ على التخلي عن الحريري سياسيا.
٢/فريق كان له مرشحون آخرون اكثر التزاما بالنهج النيوليبرالي ولكن "على أنظف".
٣/فريق "المضطربون " الذي لا يعرف كوعه من بوعه (حتى لا نقول اكثر ونجرح أحبة)
بقيت قلة، حتى الان،ترى في ما حصل تغيرا نوعيا يكشف انكفاء سلطويا مشحونا بالرغبة باستعادة الموقع الذي سقط.
إزاء هذا الواقع افتقد الرئيس المكلف، وهو العارف موقعه، للسند الشعبي الذي يمكن الاتكاء عليه لموازنة الحرم الطائفي الذي وقع فيه. وهذا السند، هو نفسه، قادر على دعم مساعيه لتشكيل حكومة ترضى الشارع اكثر مما ترضى السلطة.
وهكذا انتجت "الثورة"، بعين متشدديها ،واقعا سورياليا يختزل خواء الحياة السياسية في لبنان عام ٢٠٢٠.
رئيس حكومة مكلف ،من خارج نادي الحكم، يتلو بيان "الثورة" أثر تكليفه فلا يبتهج به احد كما ولو ان "الثورة" بلا عقل.
رئيس مكلف، تنتقد قوى السلطة عناده في عملية التشكيل، لا تخرج تظاهرة تؤيد مسعاه وتحميه من الضغوط، بل يعتصم شتامون أمام منزله لافشال مهمته.
شخصيا، لا أثق بعقل الرجل وتوجهاته طالما لم يفصح، فلعله يذهب إلى نفس الخيارات النيوليبرالية اياها؛ لكني احلل الامر بمنطق أصحابه، وادفعه حتى النهاية :"الثورة" لا تنجح، كما تبين من موقف هؤلاء،اذا اتتنا حكومة تكنوقراط ورئيسها تكنوقراط من خارج المنظومة ويشتبك مع اركانها ليتحرر خلال تشكيله لحكومته ،هو.
صحيح ان هذه هي مطالب "الثورة" المرفوعة، لكن الحقيقة ان المطلوب فعليا هو امر آخر لا يراه هؤلاء قد تحقق ولذلك تراهم يعترضون بصراخ عال.
حسنا، ما يضر "المضطربون" اذا اعادوا فهم المشهد واستطلعوه عن قرب، لا استنادا الى همسات "الأصدقاء" المغرضة، وقرروا ان يختبروا قدرة "الثورة" على التقدم نحو موقع، ولو بواسطة انتحاري؟
قناعتي اننا امام لحظة غير مسبوقة، فلا تجربة مماثلة نعود إليها ؛وفي مثل هذه اللحظات يبرز، عادة، القادة القادرون على المبادرة والابداع لكنهم غالبا لا يكونون في المواقع المقررة، وهذا من سخرية التاريخ بطبيعة الحال.
نصيحتي لمن يريد أن يكون جديا:قريبا سوف يذهب الرئيس المكلف بتشكيلته عند رئيس الجمهورية، وهذه محطة هامة لا ينبغي تفويتها كما حصل لحظة تكليفه. فإذا عبر عن تطلعات الانتفاضة وخذلتموه، فاعلموا ان الآتي أعظم مما تتخيلون. اما اذا كان غير ذلك، فاستعدوا لمرحلة صعبة تتطلب قيادة واضحة ومعلنة ولو على حساب "وحدة الشارع".