كتب

نحن ايضا وعٌاظ!

 

طلال الامام – السويد_ الحوارنيوز خاص

أبحرت على مدى عدة اسابيع في العمل التوثيقي الهام " وعٌاظ السلاطين " لمؤلفه الدكتور علي الوردي .
يطرح الكتاب العديد من القضايا التراثية الفكرية مع التركيز بشكل خاص على التاريخ الاسلامي منذ بدء الدعوة والصراعات، الخلافات، المؤامرات، الانشقاقات والحروب التي حدثت بدافع السلطة والثروة، يطرحها بإستفاضة مقصودة ربما مع الاشارة الى مصادرها. وقد اشار الكاتب اكثر من مرة الى انه ينقل من هذا المصدر او ذاك دون ان يتبناه.
لماذا؟
اعتقد لان الكثير من الخلافات والصراعات الدينية /الطائفية داخل الدين الاسلامي والتي مر على حدوثها قرون من الزمن مازالت متأججة باشكال مختلفة … ومدمرة حين يتم استغلالها خدمة لأجندات لاعلاقة لها بالدين.
ان ماورد في الكتاب يؤكد مرة اخرى كم من البقع السوداء موجودة في تاريخنا وتحتاج لتصحيح، لإعادة كتابته بأكبر قدر من الحيادية ومن قبل اختصاصين احرار بمعنى ليسوا من وعٌاظ السلطان.
  يتناول المؤلف وعٌاظ السلطان الذين كانوا موجودين على مر العصور تستخدمهم السلطة الدينية مرة، والسياسية مرة اخرى لتقوية سيطرتها على المجتمع والعباد .كم لعبوا دورا كارثيا في تأجيج الخلافات او في تشجيع الحاكم على ممارسة البطش عبر تزيين افعاله انها بطولة ، عبر تصوير الحالة على انها تمام التمام .والسلطان بدوره يشجع الوعاظ ويغدق عليهم العطاءات باشكال مختلفة . مهما كتبنا عن هذا العمل الجاد لن نوفيه حقه ولن تغني اية اضاءة عن قراءته . لذلك ساحاول ابراز بعض الافكار الهامة التي وردت فيه من وجهة نظري . ولكن قبل ذلك بودي الاشارة الى ان الكاتب ركز على وعٌاظ السلاطين ودورهم السلبي التدميري على مستوى الاوطان …سواء كانوا سلاطين في السلطة الدينية او السياسية . وهذا جانب اساسي وهام . لكني اعتقد ان غالبيتنا تُمارس نوعا من انواع الوعظ!
نعم كلنا نمارس دور الوعٌاظ ، وان كانت درجة الوعظ تختلف من مجتمع لاخر ، ومن شخص لاخر . ممارسة الوعظ تكثر في المجتمعات غير الديموقراطية، المجتمعات التي تعاني من الاستبداد الديني او السياسي او المجتمعات الذكورية والتي لاتعرف الحوار . الغالبية في تلك المجتمعات تمارس الوعظ بشكل من الاشكال وبطريقة من الطرق .مثلا : رجل الدين يوعظ رعيته، المثقف يوعظ جمهوره ،السياسي يوعظ رفاقه، ومن حوله الاب /الام يوعظون الابناء ،المعلم /المعلمة توعظ الطلاب ،المدير يوعظ من هم تحت امرته في العمل، الزوج يمارس الوعظ على زوجته ….وهكذا في سلسلة لاتنتهي من الوعظ . طبعا الوعظ ليس دوما سلبيا …ويمكن ان يلعب دورا ايجابيا ، عندها يتحول من الوعظ الى التنوير ونشر ثقافة انسانية تخدم الانسان والتطور …وهو ما قام ويقوم به العديد من الفلاسفة ، المفكرين ورجال التنوير. المسألة الاساسية ابعاد الوعاظ الذين يحولون الاسود ابيض ، الذين يزينون معاناة الناس للحكام مقابل مال او منصب ، الذين يؤججون الصراعات الدينية /الطائفية او الاثنية
. الان سأورد مقتطفات من الكتاب*
* ”الواقع ان الوعاظ والطغاة من نوع واحد .هؤلاء يظلمون الناس بأعمالهم ، وأولئك يظلمونهم بأقوالهم .
* كلما كان الظلم الاجتماعي أشد كان بناء المساجد وتشجيع الوعظ أكثر .
* فالفقير إذا غمز لامرأة في الطريق أقاموا الدنيا عليه وأقعدوها ،أما اذا اشترى الغني مئات الجواري واشبعها غمزا ولمزا كان ذلك عليه حلالا طيبا. *
* ان وجود الغنى الفاحش بجانب الفقر المدقع في مجتمع واحد يؤدي الى الانفجار عاجلا أو أجلا
  * كان أبو ذر يجوب الشوارع صائحا بالاغنياء ان يوزعوا اموالهم كلها على الفقراء ….والظاهر ان أبًا ذر كان ينطح رأسه في جدار .إن ما كان يطلبه أمر عسير المنال ،وكيف يرضى الاغنياء ان يتنازلو عن اموالهم بهذه السهولة.ظل ابو ذر ينادي بمبدأه هذا لايهدأ ولايفتر، وقد نفي من اجل ذلك مرتين ،مرة الى الشام ومرة اخرى الى الربذة حيث مات فيها .كان وعٌاظ السلاطين يعتبرون ابا ذر مغفلا او مهرجا او خارجا على جماعة الاسلام.
* ان دخول قريش الاسلام افاده من ناحية واضر به من ناحية اخرى ، فقريش جعلت من الاسلام دولة فاتحة منتصرة تحنو لها الرقاب ، ولكنها جعلت منه في الوقت ذاته نظاما للطغيان والفتح لايختلف عما شهدناه من قبل في نظام القياصرة والاكاسرة .
* كان الاسلام في بدء امره ثورة كبرى على طغيان قريش كما كانت المسيحية ثورة على طغيان القياصرة .
* حاربت قريش النبي محمدا حربا لاهوادة فيها ، واضطهدت اتباعه اضطهادا قاسيا .
* لايستفيد من الاستعمار إلا اناس قليلون هم القواد والجلاوزة وارباب المصانع والتجار .اما سواد الناس فهم يخسرون .
* ان الحاشية التي تحيط بالحاكم تستطيع ان تجعل الاسود في عينيه ابيض .فاذا هاج الناس يريدون خبزا قالت الحاشية عنهم انهم يريدون البقلاوة .واذا جاءه متظلم يشكو قالت عنه انه زنديق يريد ان يهدم دين الاسلام .
* ويعم البلاء حين يحف بالحاكم مرتزقة من رجال الدين .فهؤلاء يجعلونه ظل الله في ارضه ويأتون بالملائكة والانبياء ليؤيده في حكمه الخبيث .
* كان السلاطين يستخدمون نوعين من الجلاوزة : جلاوزة السيف وجلاوزة القلم .ان الحكم الظالم لايستتب بقوة السيف وحدها ، انه يحتاج الى القصائد والفتاوى والكتب والمواعظ
* لقد آن للعرب اليوم ان يفتحوا عيونهم ويقرأوا تاريخهم في ضوء جديد .لقد ذهب زمان السلاطين ، وآن أوان اليقظة للفكرة التي تستلهم من التاريخ عبرة الانسانية الخالدة ."
* لقد آن الأوان لكي نحدث انقلابا في اسلوب تفكيرنا .

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى