سياسةمحليات لبنانية

حالتي بعد إفلاس الدولة !

نزعت حذائي وتركته في السيارة، ارتديت سروالا عتيقاً اسود اللون وكنزة بنية ، ممزقة، متسخة الأطراف، مشيت في الشارع حافي القدمين مهملاً لنظافة وجهي والاسنان وعند زاوية كنيسة الكبوشية قرب سينما السارولا سابقاً ومسرح المدينة حالياً، جلست متربعاً على الرصيف، ضهري يلامس الجدار و وجهي نحو الشارع وصحت بأعلى صوتي:

يااامحسنين…يااامؤمنين…اتقوالله…ساعدوا فقراءكم…رمضااان كريييم…

قرّرت ان أكون شحادًا، ان استبق أحداث السياسة ومخاطر الاقتصاد وتهديدات انهيار الليرة، أن أتمرّن على الاستعطاء، على طلب المساعدة المباشرة، لا احد يدري ربما بعد انهيار الدولة وافلاسها ستكون الشحادة مشروطة بخبرة سابقاً، على الأحوط ان أتمرّن واكتسب الخبرة لوحدي من دون مدرسة وشهادة جامعية، خبرة الشحادة في شارع الحمراء ارقى من اي خبرة في اي جامعة …

مرّت سيّدة، خمسينية العمر، رمقتني بنظرة فيها من الحيرة والسؤال أكثر من الشفقة والعطف، ارتبكت ، لعلّها تعرّفت عليّ، رمت لي 250 ليرة وقالت :

لا تستحقها، بدل ان تعمل، تشحد من الناس.

احنيت رأسي، تأكدت اكثر من هويّتها، إنّها "منيرة "مضطربة، اتابع حالتها منذ سنوات، طلّقت زوجها بعد ان زاد راتبها عن راتبه بثلاثة آلاف ليرة أي دولارين فقط، ما عادت ترى فيه رجلاً مسؤولاً عن عائلته بل تنقصه الرجولة وهي بحسب رأيها لم تتزوج لتعمل ولتصرف على البيت، هذه مسؤولية الرجل…

سررت بأوّل قطعة معدنية اشحدها ، وبكل احترام وضعتها امامي على كرتونة صغيرة صفراء وصرت العب بها…

دقائق قليلة واتعرّض لإعتداء من مجموعة من الأطفال الشحادين، سرقوا ال250 ليرة وكيساً لي وضعت فيه لوح" مارس" وقنينة ماء صغيرة…

وقفوا على بعد امتار منّي وصاحوا ضاحكين:

انت شحاد كسول ،لو عملت بشبابك كما يجب لما اتيت لتضارب علينا، مؤكد انك سارق او شارب خمر  او منافق وقليل الادب ايضا، هذا مكان أم عامر، إرحل!!!…

لم اردّ على الاطفال، تركتهم يشيرون لي بأصابعهم ويشتموني بكلمات نابية لاغادر المكان، لكنّي بقيت وتظاهرت بالخرس، لم يشفقوا عليّ بل قال أصغرهم :

ليس بأخرس لان الاخرس لا يسمع ، انه شحاذ وكذاب، يستحق الضرب والطرد والسحق،  سنعود اليك في الليل ، في العتمة لنقتلك.

و ضحكوا باعلى صوتهم ومضوا خلف سائق سيارة جديدة الصنع يرجونه ليعطيهم الف ليرة…

اوجعني الجلوس على الرصيف، مرّت ساعة من الوقت ولم يلتفت لي أحد، خفت عودة الشحاذين و لكني خفت ايضا من رجال الامن، غريب هذا الشعور، شعور خوف من قانون ومن لا قانون !عنف شرعيّ وعنف غير شرعيّ!!…

لا مكان لي حتى في الفقر والتعتير والشحادة…

لململت حالي، وجدت ان الصراع هنا يشبه صراع السياسيين، تقاسم حصص ونفوذ،تسوية بين عُنفين،  عدت لسيارتي، بدلت ثيابي وعدت لأجلس في الدونتس ،وبعد ان غسلت وجهي في حمامات المقهى،عدت  لألعب الشطرنج، اقترب مني الاطفال انفسهم، تكلموا ببراءة ونعومة ولطف كالسياسيين وموظفي المصارف وكالكهنة في معابدهم تماما،ً سبحان الله، طلبوا ان يشربوا الماء، ناولتهم ثمن قنينة ماء صحّة وناولت كل واحد منهم الف ليرة شرط ان يرحلوا بسرعة اي قبل ان يتذكروني واحنيت رأسي ، خفت ان يعرفوني بما إني زميلهم الجديد في العمل الاضافي…

ليس سهلاً الافلاس وان تشحد بلادك من سيدر وباريس 2 .
تبّا لنا …علينا ان نبحث عن الوطن بما اننا فقدنا الدولة.
 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى