الحوارنيوز – صحافة
كتبت صحيفة الأخبار في عددها الصادر اليوم:
منذ ليل الأربعاء الماضي سٌجّل تهافت في السوق على بيع الدولارات مقابل ليرات لبنانية بسعر صرف يبلغ 89500 ليرة وسطياً، وسط انتشار شائعات عن احتمال انخفاض سعر صرف الليرة بسبب جلسة قائد الجيش جوزف عون رئيساً للجمهورية في اليوم التالي (أمس الخميس). خلق الأمر موجات من التهافت على أبواب الصرافين للحصول على سعر مناسب للدولارات قبل انخفاضه بسبب الحدث السياسي المقبل. لكن ما فات المتهافتين أن حسابات انخفاض أو ارتفاع سعر الصرف ليست شديدة الحساسية تجاه أحداث سياسية كهذه بمقدار ما ترتبط مباشرة بالتوازنات المالية والنقدية السائدة.
يقول عاملون في السوق المالية، إن الموجة التي نتجت من انتشار معطيات عن حدث سياسي يصنّف «إيجابي»، شملت أفراداً وشركات تجارية ومضاربين على سعر الصرف. أيضاً، سرت شائعات تفيد بأن انخفاض سعر الصرف يمكن أن يتأتى من أن انتخاب جوزف عون رئيساً للجمهورية يعني تدفق أموال من الخارج بهدف تمويل إعادة الإعمار، لكن لم تظهر أي بوادر على هذا الأمر لا قبل جلسة الانتخاب ولا في خطاب القسَم، وهو ما ترك الجموع حائرة في القرار الذي اتخذته بالتخلّي عن دولاراتها. في تلك اللحظة، تبدّد الوهم الذي انقادوا وراءه بشكل أعمى. ويشير العاملون في السوق إلى أن المضاربين نفذوا محاولات لخفض السعر اصطناعياً، كما فعلوا سابقاً، أي في فترات انعدام الاستقرار في سعر الصرف خلال موجات الأزمة، من خلال عرض ليرات بسعر أقلّ من السعر الذي يعلنه مصرف لبنان. وكشفت هذه المحاولات عن رغبة المضاربين في تحقيق أرباح سهلة وسريعة من خلال مضاربات شبه منظمة عملت في البداية على خفض سعر عرض الليرة بنحو 500 ليرة، ثم حاولت أن تضغط لخفضه أكثر، إلا أنها جوبهت بعرض واسع من جهات أخرى محسوبة على مصرف لبنان تعرض شراء الدولارات بالسعر المعلن على المنصّة.
ضخّ مصرف لبنان نحو 10 تريليونات ليرة لكبح التلاعب بأسعار الفائدة
لا يتساوى الأفراد والشركات في خلفية محاولتهم التخلّي عن الدولارات النقدية. يحاول الأفراد بشكل عام التخفّف من أيّ خسائر قد تلحق بمدخراتهم بنتيجة انخفاض سعر الصرف، بينما حاولت الشركات «التشاطر» بهدف زيادة أرباحها، إذ إنها تدرك بأن الليرات تستعمل بشكل شبه حصري من قبلها في تسديد ما يترتّب عليها من ضرائب ورسوم للخزينة، أي أنها كانت تريد تسديد الضرائب بكلفة أقلّ. ويقول أحد المعنيّين من الجهات المحسوبة على مصرف لبنان إنه «لولا تدخّلنا في السوق بشكل مباشر لكانت المضاربات اشتعلت وأدّت إلى خفض السعر اصطناعياً وكبدّت العديد من الأفراد والشركات خسائر ضخمة. وهذه الخسائر لن تظهر في الساعات الأولى على الانتخاب، وإنما ستظهر في الأيام المقبلة، إذ إن خفض سعر الصرف بعد فترة من الاستقرار فيه دامت لأكثر من سنة، هو قرار مرتبط بالموازنة العامة بشكل أساسي لأن تحديد الضرائب والرسوم، ولا سيما ضريبة القيمة المضافة والرسوم الجمركية يتم على اساس سعر الدولار الجمركي، وبالتالي إذا انخفض السعر بقرار اتخذ من السلطتين المالية والنقدية، فسينعكس هذا الأمر سلباً على الإيرادات المحصّلة، وإذا انخفض السعر من دون قرار، فإن تسديد الضرائب والرسوم يبقى وفق السعر المقرّر مسبقاً في الموازنة، أي أن الانخفاض سيكون مؤقتاً ولفترة وجيزة بفعل المضاربات فقط».
وينقل هؤلاء عن حاكم مصرف لبنان بالإنابة، وسيم منصوري، أن قرار خفض سعر الصرف مرتبط بتوازنات سوقية في كميات النقد المتداولة في السوق والتدفقات الآتية والخارجة، وأيّ اختلال في هذه التوازنات ستكون له مفاعيل في بنية احتساب سعر الصرف». ويستدلّ هؤلاء على هذا الأمر بالإشارة إلى ما حصل في الفترة الأخيرة من ارتفاع في أسعار الفوائد على الليرة إلى 45% بين المصارف وزبائنها، وإلى 150% بين مصرف وآخر ليوم واحد (فائدة الأنتربنك)، فقد اندفع مصرف لبنان سريعاً نحو السيطرة على هذه الظاهرة من خلال ضخّ 10 تريليونات ليرة في السوق من أجل خفض أسعار الفائدة وكبح أيّ تأثير ممكن على سعر الصرف. وهذا له معنى واضح، إذ إن الاختلال في التوازنات السوقية المحدّدة منذ أكثر من سنة، سيصيب سعر الصرف مباشرة ما ينعكس بشكل مباشر على كل الأسعار، وبالتالي يعيد فتح جرح انهيار سعر الصرف. حالياً، سعر الصرف يتوازن باستقرار هشّ، إذ لا توجد احتياطات بالعملة الأجنبية لدى مصرف بما يكفي للسيطرة على سعر الصرف لفترة طويلة عند حصول اهتزازات عنيفة في سوق القطع، ولولا التدفقات الآتية من الخارج بوتيرة متسارعة وكبيرة، سواء قبل الحرب أو أثناءها أو بعدها، لكان سعر الصرف تعرّض لاهتزاز كبير. وبحسب المعطيات، فإن تحويلات المغتربين تمثّل القسم الأهم من هذه التدفقات، تليها ما يضخّه حزب الله في سبيل إعادة الإعمار والإيواء، بالإضافة إلى رواتب العاملين لديه ونفقاته التشغيلية، ثم تأتي المساعدات الأجنبية من منظمات ودول مانحة.