“القوات اللبنانية” والترسيم: “عنزة ولو طارت”!(أكرم بزي)

كتب أكرم بزي

لعل الأكثر واقعية وموضوعية في التعليق على ردود الأفعال التي صدرت بعد تسليم “مسودة الإتفاق” بين لبنان و”إسرائيل”، كان للوزير والنائب السابق وليد جنبلاط، والذي كان يُعتبر من أبرز قادة قوى 14 آذار إضافة إلى قائد القوات اللبنانية سمير جعجع ورئيس الوزراء السابق سعد الحريري.

ردا على سؤال من الـ LBCI  حول ملف الترسيم أجاب: “بشأن رضوخ إسرائيل تحت ضغط “حزب الله”، انه “طبعًا، مسيرات حزب الله نفعت وأيضًا حاجة أوروبا للغاز”، مشيرًا إلى أنّ “لبنان بحاجة لقوة حزب الله دفاعيًا ،ولكن المطلوب أن تبقى المنظومة الدفاعية تحت رعاية الدولة اللبنانية”، مشددًا على أنّ ” حزب الله أثبت أنه بارع في الدبلوماسية من خلال تجربة الترسيم البحري”.

مسؤول الإعلام في القوات اللبنانية شارل جبور قال لمحطة تلفزيونية:” إن عملية استخراج الغاز والترسيم تعتبر خيانة للبنان، ولا يمكن وصف ما يحصل سوى كونه مؤامرة متجدِّدة على اللبنانيين الذين قدرهم ان يُحكموا من قِبل النظام السوري مقابل انخراطه في عملية السلام والحرب ضد صدام العراق، ومن قِبل النظام الإيراني مقابل الغاز الإسرائيلي وحاجة أميركا للترسيم وأوروبا لهذا الغاز”.

على هذا المنطق وبحسب استنتاجات السيد جبور كان يجب على المناطق التي احتلت في لبنان في العام 1982 ان تبقى تحت الاحتلال “الإسرائيلي”، وأيضا المناطق التي احتلت من قبل الجماعات التكفيرية كان يجب أن تبقى تحت سيطرتهم حتى ولو قاموا بإنشاء إمارة لهم، كي لا تعتبر إنجازاً لحزب الله.

رئيس “القوات” سمير جعجع، يعتبر أن لا “منّة” لحزب الله في إنجاز “اتفاقية الترسيم”، ويعتبر أن “الحزب” استثمر في هذا الملف بعدما قارب على الانتهاء في دوائر القرار الأميركي و”إسرائيل”، وأراد أن يقطف ثمرة هذا الإنجار”.

حزب الله لم يمّنّن أحدا، بل قال وعلى لسان أمينه العام “يا أخي استفيدوا من قوة المقاومة واستغلوا قوتها ليستفيد كل اللبنانيين”.

كعادتهم، المتألمون من هذا الإنجاز (إذا تم التوقيع عليه)، لا يستطيعون كبح مشاعرهم أو اخفاءها حتى ولو من باب تقديم صورة “موحدة على الأقل” للرأي العام اللبناني والعالمي حول ملف شائك من هذا النوع ووطني بامتياز وفيه مصلحة لكل اللبنانيين، فهم على الدوام يريدون تقديم صورة المعارض لأي إنجاز ما لم يكن عن طريقهم او طريق أسيادهم إن كان في السفارات الموجودة في لبنان أو الأوامر التي يتلقونها من الخارج. وهذا ما جرى وعبروا عنه بكل صلافة ووقاحة بعد تحرير العام 2000 وانتصار حرب تموز في الـ 2006 والتحرير الثاني في معارك الجرود والبقاع، والانتصار على تنظيم “داعش” في المناطق  اللبنانية والسورية، وخاصة بعد التفجيرات التي حصلت في منطقة رأس بعلبك، والتي كان لحزب الله فضل تقديم السلاح لسكان هذه المناطق والقيام بحمايتها معهم.

وتراهم يزايدون حتى أكثر من العدو الصهيوني بإبراز رفضهم للإتفاق، بل تجاوزوا موقف نتنياهو الأخير في معارضته لأسباب انتخابية هذا الملف.

وللعلم بأن “حزب الله” وعن لسان قائده السيد حسن نصرالله بدأ بالحديث عن ملف الترسيم في شهر تشرين الثاني من العام 2021، وألمح حينها أنه مستعد للذهاب بعيدا في دعم خيارات الدولة لاسترداد كامل حقوقها البحرية والبرية، وكانت مفاوضات الترسيم قد بدأت منذ 15 عاماً تحديداً ،ومن منا لا يذكر الخطأ التاريخي الذي ارتكبته حكومة فؤاد السنيورة آنذاك والذي اعتبره “خطأ تقنيا” (فقط)، كاد أن يخسر لبنان كامل الحقول، اذ ان عملية الترسيم كانت ستبدأ من الخط 1 والذي عدل خلال المفاوضات التي أدارتها الادارة اللبنانية وعلى رأسها الرئيس نبيه بري مع المبعوث الأميركي فريدريك هوف (دبلوماسي مقيم في كلية بارد كولدج في نيويورك)، وسمّي آنذاك بخط هوف. هذا ما كانت الولايات المتحدة والكيان الصهيوني يريدان أن يمنّا على لبنان من حقهّ وبنسبة متفاوتة بين لبنان و”إسرائيل”.. طبعا النسبة الأكبر كانت “لإسرائيل”.

بقيت الامور معلقة طيلة 5 سنوات وأكثر حتى مجيء عاموس هوكشتاين والذي كلف من قبل الإدارة الأميركية بالقيام بالوساطة، وهنا بدأت المفاوضات من جديد، والذي تعاطى فيها بكثير من الخفة وعدم اللباقة مع الإدارة اللبنانية واللبنانيين، وهذا ما ظهر في أكثر من تصريح له في وسائل الإعلام المحلية والعالمية.

ولكن الأمور تغيرت بسرعة بعدما هدد الأمين العام لحزب الله  الكيان الصهيوني من أنه مستعد للذهاب في تدمير منصات “إسرائيل” إلى ما بعد ما بعد “حقل كاريش” المتنازع عليه.

وبالفعل قامت المقاومة بإرسال 4 مسيّرات فوق حقل “كاريش” وما بعده، وكان الهدف من إرسال المسيّرات إرسال رسالة للكيان الصهيوني من أن المقاومة جادة في التهديد، حتى بلغ الأمر بسماحة السيد في خطاباته الأخيرة بالتهديد بالصواريخ. وتم إبلاغ السفارات المعنية بالموضوع وخاصة الفرنسية والأميركية منها عبر موفديها ووكلائها في لبنان (الذين توافدوا وتقاطروا على مكاتب العلاقات الخارجية لحزب الله لتهدئة الأمور)، من أن المنطقة برمتها ستتعرض للخطر وليس لبنان والكيان الصهيوني فقط.

وبعد وصول مسوّدة الإتفاق تبين أن لبنان حصل على حقوقه كاملة في الخط 23 وفي حقل قانا كاملا، أي نسبة ما تحقق كان بحسب السفير الأميركي السابق للكيان الصهيوني ديفيد فريدمان 100% للبنان و0% “لإسرائيل”.

وهذا ما صرح به أيضاً  لقناة i24news “الإسرائيلية”، ديفيد شينكر (مدير برنامج السياسة العربية في معهد واشنطن) إلى أنّ الاقتراح الذي قدّمه كبير مستشاري وزارة الخارجية الأميركية لأمن الطاقة، عاموس هوكشتاين، “لا يفعل شيئًا لخفض أو تخفيف التوترات على طول الخط الأزرق حيث ينقب حزب الله”، معتبراً أنّ “الصفقة قد تؤدي إلى تأجيل الصراع، لكنها لا تضمن أمن إسرائيل”. وقال شينكر إنه “يبدو أن إسرائيل وافقت على منح اللبنانيين 100 في المئة مما يريدون”، مبيّنًا أنّ “حقل قانا الذي سيخضع لسيطرة لبنان يحتوي على احتياطيات قليلة جداً”.

نسب إلى الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام أنه عندما سئل: “كيف نعرف أهل الحق في زمن كثرت في الفتن”، فقال (اتبعوا سهام العدو فإنها ترشدكم الى أهل الحق)، والآن وبعدما تم أو يكاد يتم هذا الإنجاز، فالأولى مشاهدة ما يجري في الكيان الصهيوني والإصغاء الى تصريحات المسؤولين الصهاينة والأميركيين، والذين يعبرون بكل صراحة عما جرى ويجري في هذا الملف.

أما على مستوى الداخل اللبناني، فجوقة الطبالين، ما زالت مستمرة في إبراز مواقف أشد قساوة من العدو الصهيوني تجاه المقاومة والحكومة اللبنانية، لعلها ترضي أسيادها ومن يدفع لها أكثر.

قيل إن لم تستح فافعل ما شئت، والجماعة لا يستحون لا بعمالتهم ولا ببيع ضمائرهم ولا يهمهم سوى مكاسبهم الشخصية والحفاظ على مكتسباتهم ورواتبهم وطبعا “بالفريش دولار”.

باعتقادي حتى لو جرى “الترسيم” بين لبنان و”إسرائيل”، إن كان بحراً أو براً ،فهو لا يتعدى خطوط متاريس مؤقتة، فالمعركة بين محور المقاومة برمته وبين العدو الصهيوني لم تبدأ بعد، وما يجري هو الإعداد للمعركة الكبرى على مستوى المنطقة كلها وليس فقط لبنان ..ولست في وارد الخوض فيها الآن.