إقتصادرأيغير مصنف

هذه هي الشروط الضرورية لوقف الانحدار(عماد عكوش)

د.عماد عكوش_خاص الحوار نيوز

في ظل الأزمة الأقتصادية والمصرفية التي يعاني منها لبنان واللبنانيون جميعا ، وفي ظل التضخم الكبير الذي يأكل كل القدرات الشرائية للمواطن اللبناني ، وفي ظل الأنحدار الكبير في قيمة العملة اللبنانية والذي يؤثر بشكل كبير على قيمة المداخيل الحقيقية للمواطنين اللبنانيين ، يقف المواطن اللبناني عاجزا أمام ما يجري ، فمدخوله لم يعد يتلاءم مع قيمة حاجاته الأساسية التي لا غنى عنها ، ومعظم السلع المدعومة أصبحت مفقودة أو تباع في السوق السوداء بأسعار خيالية ، وقيمة العملة اللبنانية تتدهور باستمرار ولا نرى أي فعل من قبل مصرف لبنان والمفترض أن تكون هذه وظيفته وفقا للمادة 70 من قانون النقد والتسليف للحد من تدهور سعر صرف الليرة .

بالمقابل نرى أن مصرف لبنان يجود بما تبقى لديه من عملات صعبة على التجار من دون أن تكون هناك أي رقابة فعلية وفاعلة على هؤلاء ،مع الأشارة ألى أن هذه العملات المتبقية هي بالأساس ملك المودعين ،وبالتالي فليس من حق مصرف لبنان أستعمال هذه العملات لأي سبب كان ، لكن المصرف أستعملها كما أستعمل من قبل الودائع التي تم أيداعها لديه والبالغة في أخر ميزانية منشورة في نهاية شهر أيار حوالي 91 مليار دولار ،ولم يبق منها ألا حوالي 16.2 مليار دولار .

أنطلاقا من هذه المعطيات نرى أن السبب الأساسي للانخفاض المستمر في سعر صرف الليرة اللبنانية يعود بشكل أساسي الى ثلاثة أسباب :

السبب الأول هو الدعم الكبير والذي أدى الى هدر كبير في أحتياطي العملات الصعبة، والذي كانت نتائجه كارثية على المصارف ، مصرف لبنان ، والودائع ،وأدى الى هدر أكثر من 10 مليار دولار خلال السنتين الماضيتين .

أنخفاض مداخيل الدولة اللبنانية ما زاد العجز وأوقف الكثير من المشاريع التي تم التعاقد عليها بالعملة الصعبة ،أضافة الى توقف الصيانة وعملية شراء المواد اللازمة لتسيير الأعمال في هذه المؤسسات والقطاعات .

عدم أقرار قانون الكابيتال كونترول منذ بداية الأزمة ولغاية اليوم، والذي أدى ألى تهريب جزء كبير من العملات الصعبة من المصارف كما من مصرف لبنان. وقد بلغت قيمة الأنخفاض غير المبرر في أحتياطي العملات الصعبة الموجودة لدى مصرف لبنان وحده حوالي 6 مليار دولار ، كما أدى ألى أنخفاض الودائع لدى المصارف من 177.3 مليار دولار في نهاية أب 2019 ألى 144.4 مليار دولار في نهاية شباط 2021 وفقا للنشرات الدورية الصادرة عن جمعية المصارف اللبنانية، أي بأنخفاض يبلغ 32.9 مليار دولار أميريكي ، ويعود هذا الأنخفاض ألى عدة عوامل منها :

  • أقفال حسابات الضمانات النقدية في حساب التسليفات لبعض العملاء والتي بلغت قيمة أنخفاضها ما بين أب 2019 وشباط 2021 حوالي 16.97 مليار دولار (اب 2019 بلغت 48.56 مليار دولار ، شباط  2021 بلغت 31.59 مليار دولار ).

  • سحب جزء من الودائع وتخزينها في المنازل نتيجة لعدم الثقة بالمصارف في ظل الأزمة، والتي بدأت بشكل أساسي مع أصدار التعميم 151 الصادر في 21 نيسان 2020 أي منذ سنة تقريبا ، فأذا علمنا أن متوسط عدد الحسابات التي أستفادت من التعميم المذكور هو حوالي 700 ألف  حساب وفقا لأخر أحصائية بعدد الحسابات الصادرة في شباط 2020 .وقد بلغ معدل السحب الشهري 1000 دولار بسعر 3900 ليرة للدولار الواحد ، وهذا يعني سحب سنوي حوالي 8.4 مليار دولار أي ما يعادل حوالي 32.76 الف مليار ليرة، وهو رقم قريب من رقم حجم الكتلة النقدية قيد التداول الأضافية والجديدة .

  • تهريب جزء من هذه الودائع للخارج ، ويمكن الوصول الى رقم تقريبي من خلال تنزيل قيمة الأنخفاض في حساب التسليفات والبالغة 16.97 مليار دولار ، وقيمة السحوبات النقدية وفقا للتعميم 151 والبالغة 8.4 مليار دولار ، من الأنخفاض الأجمالي في الودائع والبالغة 32.9 مليار دولار أميركي ، فتكون قيمة ما تم تهريبه مباشرة عبر مصرف لبنان والمصارف التجارية حوالي 7.53 مليار دولار أميريكي منذ بداية الأزمة .

أنطلاقا من هذه الأسباب نرى أن وقف الأنحدار يحتاج الى أمرين :

الأمر الأول هو رفع السعر الرسمي للدولار الى ما لا يقل عن سبعة ألأف ليرة لبنانية ،على أن يتم تطبيق هذا السعر على الدولار الجمركي والقيمة المضافة وعلى كافة العقود الرسمية المسعرة بالدولار الأميركي أو ما يعادلها بأي عملة أجنبية ، وهذا الأمر سيؤدي حكما الى زيادة واردات الخزينة.

رفع الدعم عن كافة السلع التي ما زالت مدعومة لغاية اليوم والتي تبلغ كلفتها السنوية بمعدل وسطي، ومع التقنين القاسي الذي يمارسه مصرف لبنان اليوم ما لا يقل عن ستة مليارات دولار أميركي ، موزعة على الشكل التالي :

  • المحروقات حوالي 3 مليار دولار

  • الدواء 1.2 مليار دولار

  • الطحين 150 مليون دولار

  • سلع أخرى 650 مليون دولار

  • مصارف الحكومة 1 مليار دولار

أن رفع الدعم طبعا سيؤدي ألى أرتفاع الأسعار بشكل جنوني بما يزيد عن ثمانية أضعاف وخاصة بالنسبة للدواء والمحروقات والخبز ، ولتعويض المواطن اللبناني عن الأرتفاع الكبير في أسعاء السلع الأساسية لا بد من أقرار البطاقة التمويلية بأسرع ما يمكن ،ويمكن تمويل هذه البطاقة من خلال الفائض الكبير الممكن تحقيقه من خلال زيادة سعر صرف الدولار الرسمي من جهة ، أضافة الى أمكانية تغطية عجز الضمان الأجتماعي ووزارة الصحة الناتجة عن رفع الدعم .

أقرار قانون الكابيتال كونترول بأسرع ما يمكن لوقف التهريب المنظم من قبل المصارف ووفقا لأستنسابية خاضعة لبعض الضغوط السياسية والحزبية ، فالودائع التي لا زالت باقية ولو دفتريا تستحق الحفاظ عليها ، كما أن العملات الصعبة التي لا زالت موجودة في مصرف لبنان والمصارف التجارية والتي تزيد قيمتها عن 19 مليار دولار، تستحق أيضا أقرار قانون يحميها من التفريط بها ويمنحها الحماية القانونية لمنع الضغوطات السياسية والحزبية عليها .

في النهاية هذه القرارات تحتاج الى حكومة في الأساس فاعلة وأصيلة، كما أن هذه الحكومة يجب أن يكون لديها الجرأة لتقوم باتخاذ هكذا قرارات ، وأي تأخر سواء لناحية تشكيل الحكومة أو لناحية القرارات الجريئة التي يجب أن تتخذها، سيؤدي ألى مزيد من التدهور في سعر صرف الليرة اللبنانية في البداية ، وألى أنهيار في الواقع المعيشي الذي يعيشه اللبنانيون .

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى