سياسةمحليات لبنانية

قالت الصحف: لودريان قال كلمته ومشى ..وعاد كما حضر

الحوار نيوز – خاص

أجمعت الصحف الصادرة صباح اليوم على فشل زيارة وزير الخارجية الفرنسية جان أيف لودران ،واتفقت على أنه عاد كما حضر،وأنه نقل الأزمة الى الانتخابات.

  • كتبت “النهار” تقول: ما فعله وما قاله وزير الخارجية الفرنسي جان ايف لودريان الخميس والجمعة في بيروت ينطبق عليه اكثر بكثير من “قال كلمته ومشى”. الى حد بعيد شكلت الزيارة العاصفة، مع ان معظم محطاتها فرضت عليه قيود الابعاد عن الاعلام المباشر، معالم بارزة جدا في دلالاتها لجهة ما يمكن اعتباره تعديلاً في قواعد المبادرة الفرنسية ابنة الثمانية اشهر. لم يكن تطورا نافلاً او عادياً ان يمتنع لودريان بتعمد معاند ومقصود وهادف، عدم التطرق او الغوص او الحديث عن الازمة الحكومية الا من باب حصري واحد هو تقريع المسؤولين اللبنانيين، وتحميلهم تبعة عدم التزام تعهداتهم في اجتماع قصر الصنوبرمع الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون والذي ثبته لودريان مرجعية حصرية لتقويم معايير الحكم على القصور السياسي اللبناني.

    ولعل اللافت هنا ان لودريان لم يأبه للانتقادات الحليفة من أصدقاء فرنسا العريقين، وليس الطارئين، بأنه في تعميمه توجيه الاتهامات بالإخلال بالتزامات اجتماع قصر الصنوبر وأخذ الملتزمين بجريرة معطلي الحل الذي يتجسد في تشكيل الحكومة الجديدة الموعودة، بل مضى رئيس الديبلوماسية الفرنسية في “القصف الانتقادي ” المعمم على جميع الطبقة السياسية دونما تمييز، الامر ألذي شكل احدى الثغرات الموضوعية في مواقفه. كما ان نقطة ثانية اثارت جانباً ساخناً ساخطاً بصمت لدى الحلفاء إياهم، وهي اختيار لائحة المدعوين ممن وصفوا بممثلي “القوى التغييرية ” اذ كانت من بينهم أحزاب تقليدية الى جانب جماعات من انتفاضة 17 تشرين الأول والحراك المدني فيما استبعد لودريان أي لقاء او اتصال مع قوى تقليدية مماثلة، كما لم يكن مستساغا تجاهله زيارة بكركي خصوصا. ومع ذلك لم تقلل الثغرات أهمية “التبديل” الواضح في أولويات المبادرة الفرنسية التي قال لودريان انها باقية ومستمرة على الطاولة. هذا الامر ترجم أولا في رفع لودريان بقوة لائحة الإجراءات العقابية التي باشرت فرنسا وضعها موضع التنفيذ ضد شخصيات لبنانية تتهمها بإعاقة الحل وبالفساد كهدف اول لزيارته. اما الهدف الثاني البارز أيضا فكان في تعمد لودريان عقد أطول اجتماعاته خلال الزيارة مع ممثلي “القوى التغييرية” والاستماع المطول الى رؤاهم واتجاهاتهم وحضهم بقوة لافتة على خوض الانتخابات النيابية المقبلة “في موعدها” بلوائح متضامنة ومتحالفة وموحدة مطلقاً نفير التغيير الانتخابي الديموقراطي في مواجهة الطبقة السياسية.

    وإذ تشير مجمل المعطيات السياسية موضوعيا الى ان ما بعد زيارة لودريان سيبقى كما قبله على مستوى الازمة الحكومية، فان ذلك لا يخفف وطأة الاندفاع الفرنسي لترسيخ الية عقوبات للمرة الأولى حول لبنان، وهي الالية التي ستبحث مجدداً على المستوى الأوروبي الأشمل في اجتماع جديد لوزراء خارجية الاتحاد الأوروبي في بروكسيل الاثنين المقبل.

    “الحاجة الى التجديد”

    وتشاؤم لودريان من امكان تحقيق اختراق في الازمة برز في كلامه في اللقاء الإعلامي المحدود الذي عقده صباح امس في قصر الصنوبر قبيل مغادرته، اذ اعتبر انه “بعد 8 أشهر من الجمود وانسداد الأفق، يبدو أن لبنان بحاجة الى تجديد حقيقي لممارساته السياسية والمؤسساتية، والمجتمع اللبناني بغناه وتنوعه حاضر لذلك، ويمكنه أن ينهل من التعدد الديموقراطي الذي يشكل قوة له”. ورأى لودريان أنه “بعد 9 أشهر من التعطيل، ثمة حاجة الى تجديد الممارسة السياسية والدستورية”، محيّياً المجتمع المدني الذي استمع الى عدد من شخصيات مجموعاته خلال زيارته.

    ولفت الى ان “فرنسا ترى أن استحقاق الانتخابات النيابية المقبلة، يجب أن يكون فرصة لنقاش ديموقراطي حول مستقبل لبنان”، وحذّر من ان “أي محاولة لتأجيل الاستحقاق الديموقراطي ستواجه باجراءت مناسبة من باريس والمجتمع الدولي”.

    وروى لودريان أنه أمضى يومين ونصف اليوم في لندن خلال مشاركته في مجموعة السبع، والتقى وزير الخارجية الأميركي انتوني بلينكن ووزراء خارجية الدول السبع، و”أذكر أيضاً بأن فرنسا عضو في مجلس الأمن الدولي للأمم المتحدة الذي سأتولى رئاسته بعد أسابيع. من جهة أخرى، إنني ألتقي نظرائي في الاتحاد الأوروبي وأقول لهم جميعاً وأقولها أيضاً في بيروت، بأن احترام المواقيت الديموقراطية في لبنان أمر لا مفر منه، ومحاولات تأجيل الانتخابات أمر لن تقبل به المجموعة الدولية وحتماً فرنسا، وكل مرة تطرح فيها المسألة اللبنانية في الهيئات الدولية الثلاث التي ذكرت، تسأل فرنسا عن رأيها، وما قلته في هذا المجال نتشاطره جميعا”. وتناول لقاءاته مع رئيس الجمهورية ورئيس مجلس النواب والرئيس المكلف موضحاً ان رسالته الحاسمة اليهم كانت بضرورة الخروج من دائرة التعطيل. واستنتج أن “اللاعبين السياسيين لم يتحملوا مسؤولياتهم ولم يعملوا بجدية، ” أنا هنا من أجل تلافي هذا النوع من الانتحار الجماعي”.

    وقال: “إذا لم يتحركوا من اليوم للخروج من التعطيل، فعليهم تحمّل مسؤولية الأمر وتبعاته. ونحن لن نبقى مكتوفي اليدين، وستكون للأمر تبعات، وقد بدأنا اجراءات مشدّدة تجاه شخصيات مسؤولة عن التعطيل والفساد، وليس الأمر سوى البداية، وهناك أدوات ضغط مطروحة من ضمن الاتحاد الأوروبي وبدأنا التداول بأفكار متصلة مع شركائنا”.

    انطلاق الية العقوبات

    واذا كان غضب لودريان لم يفاجئ أحدا، فان باريس حرصت على إضفاء الجدية التامة على مسألة العقوبات ضد شخصيات لبنانية من خلال بيان رسمي أصدرته وزارة الخارجية الفرنسية من باريس خلال وجود الوزير في بيروت. واعلنت الناطقة الرسمية باسم الخارجية الفرنسية انياس فان دير مول “تم بالفعل اتخاذ إجراءات على الصعيد الوطني بهدف منع دخول الأراضي الفرنسية للشخصيات اللبنانية المتورطة في العرقلة السياسية والفساد. نحتفظ بالحق في اتخاذ تدابير إضافية إذا استمر التعطيل. وقد بدأنا مناقشات مع شركائنا الأوروبيين حول التدابير المتاحة للاتحاد الأوروبي لزيادة الضغط من أجل الخروج من الأزمة. فالوزير موجود حاليا في لبنان ليعبر كما قال عن رسالة حزم كبيرة للقادة السياسيين ورسالة تضامن كامل مع اللبنانيين”.

    اما اللقاء الذي عقده لودريان في قصر الصنوبر تحت عنوان “القوى السياسية التغييرية” فضمّ ممثلين لتجمعات من انتفاضة 17 تشرين وحزب الكتائب وحركة الاستقلال وشارك فيه رئيس حزب الكتائب سامي الجميل والنائب المستقيل ميشال معوض والنائب المستقيل نعمة افرام. وجاء اللقاء انطلاقاً من أنّ لو دريان “رفض الإجتماع مع الأحزاب التي لم تحترم التزاماتها منذ زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى بيروت وإطلاقه المبادرة الفرنسيّة لتأليف الحكومة”.

    وابلغ لودريان المجتمعين ان فرنسا على استعداد لمساعدة الشعب وتوفير الدعم له وكل ما هو بحاجة اليه عبر المنظمات غير الحكومية، فيما دعا المعارضة الى توحيد صفوفها مع الحراك وعودة التحرك لتحقيق المطالب. واذا لم تشكل الحكومة خلال ايام فان فرنسا ستبدأ مطلع الاسبوع المقبل بسلسلة تدابير واجراءات عقابية بصورة تصاعدية في حق عدد من المسؤولين والسياسيين اللبنانيين.

    كما نقل مشاركون في اللقاء عنه تشديده على “أولويّة عدم المسّ بتوقيت الإنتخابات النيابيّة المقبلة، وتحذيره من مغبّة تطييرها، وأنّه سأل الحاضرين عن المسار الذي سيتّخذونه بغية إحداث التغيير المطلوب لتغيير السلطة الحاليّة”.

  • صحيفة “الأخبار” عنونت :لودريان في بيروت: «إقرار» بالفشل الفرنسي،وكتبت تقول:أكثر من حجمِها، أُعطِيت زيارة وزير الخارجية الفرنسي الأخيرة إلى لبنان. في الشكل، صُوّرت حدثاً ذا تداعيات سياسية، وكأن لبنان أمام عبء انتظار ردّ الفعل الفرنسي على فشل مسؤوليه في تحقيق ما هو مطلوب منهم. تضخيم الصورة، ارتبطَ بكلام سابِق لجان إيف – لودريان هدّد فيه «بالتعامل بحزم مع الذين يعطّلون تشكيل الحكومة»، وكتب على «تويتر»: «لقد اتّخذنا تدابير وطنية، وهذه ليست سوى البداية». وعزّز ذلك أسلوب حديث الزائر الفرنسي مع من التقاهم مِن السلطة، أو المجموعات المُعارضة.

«أسمَعَ لودريان كلاً من الرؤساء ميشال عون ونبيه بري وسعد الحريري رسالة بلاده، ولم يستَمِع منهم».صحيح أن النبرة اختلفت، لكن الخلاصة واحدة «قدمنا لكم مبادرة، وأنتم لم تتلقفوها. فشلتم في تحمّل المسؤولية، ولم نعُد معنيين بتأليف الحكومة. ألفوا حكومة وسنرى إن كنا نساعدكم أم لا، هناك إجراءات أخذنا قراراً بها وسنبدأ بتطبيقها».
ساعات قضاها لودريان في بيروت، توزعت بين بعبدا وعين التينة وقصر الصنوبر حيث التقى الحريري ومجموعات الحراك الشعبي وممن يطلقون على أنفسهم لقب معارضين، من بينهم رئيس حزب «الكتائب» سامي الجميل، «بيروت مدينتي»، «تحالف وطني»، مجموعة «منتشرين»، «عامية 17 تشرين»، «تيار مسيرة وطن»، حزب «تقدم»، «الكتلة الوطنية»، رئيس «حركة الاستقلال» ميشال معوض، والنائب المستقيل نعمة أفرام.
لم تبقَ «عنتريات» الوزير الفرنسي سراً أمام من اعتبرهم «القوى البديلة»، طالباً منهم التحضر للانتخابات المقبلة، متّهماً السياسيين في لبنان بأنهم لا يحترمون تعهداتهم ولا وعودهم، ولهذا اقتصرت لقاءاته على رئيس الجمهورية ورئيس المجلس النيابي، مكرراً الدعوة إلى تأليف حكومة أخصائيين ومستقلين، وهو ما يتعارض مع توجّه رئيس بلاده الذي طالب سابقاً بحكومة وحدة وطنية.

لم يدخُل وزير الخارجية الفرنسي في تفاصيل المخاض الحكومي

تقريباً، لم يقُل لودريان في الكواليس أكثر مما أعلنه، فهو لم يحمِل مبادرة جديدة، ولم يناقش مبادرة بلاده السابقة، ولم يدخل في تفاصيل المخاض الحكومي. بلّغ الرسالة – التهديد، ومضى. وقبل مغادرته، اكتفى بحديث مقتضب مع بعض وسائل الإعلام، بدلاً من عقد مؤتمر صحافي، فاعتبر أنه «حتى اليوم، لم يرتقِ اللاعبون السياسيون إلى مستوى مسؤولياتهم ولم يبدأوا العمل جديّاً لتعافي البلاد بسرعة»، مُحذراً من أنه «ما لم يتحركوا الآن بمسؤولية، فعليهم أن يتحملوا عواقب هذا الفشل».
أينَ يُصرف هذا الكلام؟ وأينَ تُصرف الزيارة؟ مِن لحظة الإعلان عنها حتى الآن، ليسَ هناك من تفسير واقعي لأسبابها ولا أهدافها. يُمكن القول، ببساطة، إن زيارة لودريان إلى بيروت هي زيارة «إبلاغ موقف»، وحسب. أما ضمنياً، فهي اعتراف بفشل فرنسا في إدارة الملف اللبناني مع استخدام ورقة أخيرة، هي ورقة العقوبات علّها تكون آخر «نقطة» أوكسجين لإحياء المبادرة التي لا ترى فيها باريس خلاصاً للبنان، بقدر ما تعتبرها عنوان انتصار خارجي يُستثمر في الانتخابات الفرنسية المقبلة.
مصادِر على اتصال بالفرنسيين، سبَق أن تحدثت قبل مجيء لودريان عن «مشاكل بينَ أعضاء خلية الإليزيه المعنية بالملف اللبناني، وتبادل اتهامات بضرب المبادرة الفرنسية وضعف التنسيق وعدم القدرة على تحقيق أي تقدم أو فرض ما تريده فرنسا». وفي هذا الإطار، أفرغت المصادر الزيارة من مضمونها، معتبرة أن «وزير خارجية يأتي ويفشل في جمع شخصيتين لبنانيتين، خير دليل على ضعف الدور الفرنسي في لبنان، إذ أن هذه مهمة كانَ ينجحَ بها وسيط برتبة ضابط»!
تبدو فرنسا دولة بلا أظافر. لعلّ ذلِك أكثر ما يزعجها، ويدفعها إلى التهديد، رداً على عدم تجاوب القوى السياسية مع مشروعها، وإلى التسرّع في اتخاذ خطوات لها انعكاسات سلبية على مبادرتها ودورها.
أوساط سياسية بارزة اعتبرت أن «العصا التي رفعها لودريان، هي تعبير عن غضب من الفشل الذاتي في إنجاح المبادرة الفرنسية قبل إفشالها من الداخل، بعدَ أن شكل انفجار المرفأ في آب الماضي لحظة فريدة لتعزيز نفوذ فرنسا المتراجع في شرق البحر الأبيض المتوسط». واعتبرت الأوساط أن من المهم الالتفات إلى توقيت الزيارة، الذي دفع بغالبية القوى السياسية إلى عدم التعويل عليها أو الأخذ بالتهويل على اعتبار أن «أنا الغريق فما خوفي من البلل». فلبنان الذي يتعرّض للحصار من الدول العربية ومن الولايات المتحدة الأميركية، عينه ليست على باريس، بل «على طاولات فيينا وبغداد»، وهذه الغالبية تنتظر ما سينتج عن المفاوضات والحوارات بين الدول الأساسية، ومدى انعكاسها على الداخل اللبناني، وبالتالي تعتبر أن دور فرنسا صارَ هامشياً أكثر من أي وقت مضى.

  • كتبت “الجمهورية” تقول:حضر وزير الخارجية الفرنسية جان إيف لودريان الى بيروت وغادر، وبقي سرّ حضوره إلى لبنان غامضاً. والسؤال المطروح على طول المشهد السياسي وعرضه: ماذا فعل لودريان في زيارة اليومين؟ وماذا طرح او قدّم أكثر من التوعّد بفرض مزيد من الضغوط على معرقلي الحل في لبنان؟ وماذا أخذ ممن التقاهم؟

    يأتي ذلك، في وقت لفتت الانتباه فيه تغريدة اطلقها حساب البطريركية المارونية نقلاً عن البطريرك مار بشارة بطرس الراعي على موقع “تويتر” جاء فيها : “إنَّ ميثاقَ الأمم المتّحدة ونظامَها الداخليَّ مليئان بالموادِّ التي تُجيز عقدَ مؤتمرٍ أمميٍّ لحل هذه القضايا… فلا بدّ من الإسراعِ في عقدِ هذا المؤتمر لأنَّ التأخّرَ بات يُشكِّل خطرًا على لبنان الذي بَنياه معًا نموذجَ الدولةِ الحضاريّة في هذا الشرق، ويَستحقُّ الحياة”.

    منذ لحظة وصوله، ذاب الثلج عن زيارة لودريان؛ تبيّن انّه لم يحمل معه آلية تطبيقية للمبادرة الفرنسية المعطّلة منذ آب من العام الماضي.. كما انّه لم يأتِ بحّل، بل لم يطرح فكرة حل، ولم يقدّم اضافة عمّا سبق لفرنسا ان قدّمته منذ بداية الأزمة الحكومية، فقط كرّر الدعوة الفرنسية المتكرّرة بأنّ الحكومة في لبنان يجب ان تتشكّل. كما لم يقدّم اي اضافة على الغضب الفرنسي من المعطّلين سوى التلويح بالتشدّد بالضغوط والإجراءات على معطّلي الحل.

    المتتبع لمجريات الزيارة وما رافقها، يتبيّن له انّ مستويات سياسية وغير سياسية عوّلت على الزيارة، وانّ لودريان لا يمكن ان يأتي الى بيروت في زيارة فارغة، بل على الاقل يحمل افكاراً تسرّع في العثور على مفتاح القفل الحكومي. ومع مغادرة لودريان – دون أن يبدّل في واقع الحال شيئاً ايجابياً لا على مستوى اعطاء دفع للمبادرة الفرنسية، ولا على مستوى تذليل العِقَد المانعة لتشكيل الحكومة – تفشّت “الخيبة” لدى من عوّل على ايجابيات وهمية، فلا حُقنت المبادرة بقوة دفع لها الى الأمام، ولا تحرّك الملف الحكومي من نقطة الصفر العالق فيها.

    التناقضات

    في اللقاءات التي اجراها مع رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري والرئيس المكلّف سعد الحريري، سمع التناقضات ذاتها – وخصوصاً بين الشريكين في عملية التأليف؛ رئيس الجمهورية والرئيس المكلّف – ولم يتفهمها.

    وفي مجالسه، وبحسب الأجواء التي وقفت عليها “الجمهورية”، توصيف قاتم للأزمة، وقال ما سبق له أن قاله حول الوضع اللبناني وقلّة مسؤولية القادة السياسيين وعدم ايفائهم بالتزاماتهم. القى اللوم على المعطّلين، وتوعّد بمزيد من “الخطوات الوطنية”.

    مع الرؤساء

    في كل اللقاءات الرسمية التي اجراها لودريان، لم يجازف أي معني بما دار فيها، في الحديث عن ايجابيات، فالأمور محلّها، ولم يستطع لودريان دفعها الى الأمام. في اللقاء مع رئيس الجمهورية، لم يكن ثمة انسجام في المواقف. كان الرئيس عون حريصاً على التذكير باستعجاله تشكيل حكومة وفق ما يسمّيها المعايير والاصول، لكن المشكلة هي لدى الرئيس المكلّف الذي يريد فرض معايير واصول واعراف جديدة في تشكيل الحكومات.

    وفي اللقاء مع رئيس المجلس النيابي، كان نقاش صريح، وتأكيد على انّ المبادرة الفرنسية تبقى هي فرصة الحل، كذلك كان الرأي مشتركاً في توصيف واقع الحال المتردّي في لبنان، والعمق الخطير الذي انحدرت اليه الأزمة، مع التشديد على الحاجة الملحّة على تشكيل حكومة فوراً.

    وفي اللقاء مع الرئيس المكلّف كانت الصورة معاكسة تماماً، عرض لودريان موقف بلاده، وغضبها من المعطّلين (لم يُشعر لودريان الحريري بأنّه خارج هؤلاء)، وقد سمع من الرئيس المكلّف نقيض ما سمعه في بعبدا، لجهة التزامه، اي الحريري بتشكيل حكومة اختصاصيين من غير الحزبيين، وفق المبادرة الفرنسية بشكل فوري، الّا انّ العِقَد المعطلة هي لدى رئيس الجمهورية والنائب جبران باسيل.

    واللافت في هذا السياق، ما تردّد في بعض الصالونات السياسية، عن انّ اللقاء بين الحريري ولودريان، كاد الّا يُعقد، لتباين في الرأي حول مكان حصوله. فالجانب الفرنسي كان رافضاً من الأساس ان يقوم لودريان بزيارة الحريري في “بيت الوسط”، فيما كانت رغبة الحريري في ان يتمّ اللقاء في “بيت الوسط”. وثمة من تحدث في هذا السياق عن انّ الحريري كاد في ظلّ هذا الإصرار، ان يصل الى قرار بألّا يذهب. وحالت دون هذا القرار حركة اتصالات مكثفة جرت في الساعات السابقة لهذا اللقاء، واقنعت الحريري بقبول الدعوة الى زيارة لودريان في قصر الصنوبر بعد الافطار.

    الأحزاب والجمعيات

    اما في اللقاء بين لودريان وبعض الاحزاب المسيحية وممثلين عن المجتمع المدني، فبحسب معلومات “الجمهورية”، فقد أُحيط بتساؤلات حول الغاية من عقد هذا الاجتماع، ولماذا الاكتفاء بمن تمّت دعوتهم الى هذا اللقاء، واي رسالة اراد لودريان توجيهها خلف هذا اللقاء ولمن؟

    امام هؤلاء، وعلى ما نقل بعض المشاركين في اللقاء، كان لودريان صريحاً ومقدّراً للجهود التي تُبذل من قِبل الحاضرين لإحداث تغيير في الواقع اللبناني. قدّم لودريان توصيفاً مأساوياً للوضع في لبنان، وقلقاً من مخاطر اضافية ستلحق به إن بقي الحال على ما هو عليه من تعقيد وتعطيل.

    وبالتوازي، تحدث بلوم شديد جداً على الطبقة السياسية، التي لا تعمل لمصلحة لبنان بل للإضرار به وفق التجربة التي مرّت منذ بداية الازمة. بعض الحاضرين نقل ما مفاده، انّ الجانب الفرنسي وصل الى اليأس من الطبقة الحاكمة في لبنان، وانّ العالم فقد ثقته نهائياً بهذه النوعية من السياسيين، لعدم شعورهم بحراجة الأزمة، وعملهم لغير مصلحة لبنان.

    ماذا قال لودريان؟

    مصادر واسعة الإطلاع كشفت لـ”الجمهورية” ما ابلغه الوزير الفرنسي لمن التقاهم، كما يلي:

    اولاً، حرص الوزير الفرنسي على إظهار جديّة في حديثه، وإبقاء ملامح الغضب قائمة على وجهه، خصوصاً حينما قارب موضوع العقوبات الفرنسية، حيث اكّد انّ الإجراءات والخطوات الوطنية التي اتخذتها فرنسا بحق معطّلي الحل في لبنان، كان لا بدّ من اتخاذها، وهي ستستمر بوتيرة اسرع وأشدّ بحق هؤلاء، الذين يعطّلون بلدهم. تجدر الاشارة هنا الى انّ لودريان لم يسمّ احداً ممن شملتهم الإجراءات الفرنسية، كما لم يوضح ماهية هذه الإجراءات. مع انّ كل من التقاهم كانوا ينتظرون منه ان يصرّح ولو بإسم واحد. وخلاصة ما تمّ استنتاجه مما قاله لودريان، هو انّ باريس على دراية تامة بوقائع لبنان وحقائق ما يجري فيه، لا يستطيع اي معطّل ان يخفي وجهه، ولا تنفع مع باريس اي محاولات من المعطّلين لحجب ادوارهم ومواقفهم والتنصّل من مسؤوليتهم التعطيلية التي تراكمت منذ اطلاق الرئيس ايمانويل ماكرون لمبادرته.

    ثانياً، قال لودريان خلال لقاءاته: “فرنسا متضامنة الى أبعد الحدود مع الشعب اللبناني.. نحن حزينون عليكم، ولا نفهم لماذا لم تبادروا حتى الآن الى انقاذ بلدكم”.

    ثالثاً، لعلّ الأهم في ما حمله لودريان هو ابلاغه من التقاهم بصورة حاسمة وجازمة، بأنّ الازمة في لبنان داخلية. وفي هذا المجال، نُقل عنه قوله ما مفاده: “المشكلة القائمة في لبنان هي مشكلة داخلية مئة في المئة، وهي متأتية من أحقاد شخصية، فلا وجود لأي عامل خارجي يمنع الحل في لبنان ويعطل تشكيل الحكومة فيه، ولدينا تأكيدات على ذلك. وعلى انّ المجتمع الدولي يريد ان يرى حكومة في لبنان، تشرع في مهمة الإنقاذ وإجراء اصلاحات”. (هذا الكلام ينفي ما تردّد في لبنان أخيراً عن عقبة سعودية امام الحكومة، و”فيتو” من المملكة على الحريري).

    رابعاً، أوحى لودريان لمن التقاهم، انّ على لبنان ان يسارع الى تشكيل حكومة، ولا ينتظر اي تطورات او متغيّرات خارجية دولية او اقليمية. بمعنى انّه حمل نصيحة فرنسية بفصل لبنان عن التطورات المتسارعة في المنطقة والإسراع في تشكيل حكومة تعيد ضبط الوضع اللبناني.

    مشكلتكم داخلية

    الى ذلك، قالت مصادر موثوقة لـ”الجمهورية”، انّها لم تلمس من زيارة لودريان اي إيجابية يُبنى عليها. بل هي لم تؤسس لأي شيء، وخصوصاً انّها لم تبدّل في واقع الحال اللبناني شيئاً، حيث انّ لودريان لم يأتِ لا بعصا ولا بجزرة، بل جاء ليرى ما سبق ان رآه، ويسمع ما سبق ان سمعه، وليقل ما سبق له ان قاله لناحية انّ عليكم ان تشكّلوا حكومة مهمّة سريعاً. مضيفاً على ذلك ما يمكن اعتباره تطميناً لبعض القلقين في الداخل، حينما قال، مشكلتكم داخلية. وفي هذا الكلام دعوة فرنسية متجددة لوقف التذرّع بالخارج، فذريعة التلطّي بالخارج واتهامه بالتعطيل، اصبحت فارغة وبلا أي معنى.

    وبحسب المصادر، انّ خلاصة زيارة لودريان انّه أزال العامل الخارجي كذريعة وكعنصر معطّل، وهي رسالة لعلّ اللبنانيين يفهمونها لوقف هذه المعزوفة، والانصراف الى تشكيل حكومة، تنظّم حال البلد المقبل على استحقاقات داهمة اقتصادية ومالية وانتخابية، وخصوصاً انّ الوقت اصبح قاتلاً، وكل تأخير له أثمان كبرى على لبنان ومصاعب اشدّ وأكلاف اضافية على اللبنانيين.

    3 خطوط

    مصدر سياسي رفيع تابع أجواء زيارة لودريان قال لـ”الجمهورية”، انّ الدور الفرنسي في لبنان يسير على ثلاثة خطوط: الاول مع “سيدر”، حيث تمّ توقيفه حالياً الى حين حل الأزمة السياسية، والثاني بدأ بعد انفجار المرفأ، ويتضمن شرط الإصلاحات، والثالث تأليف الحكومة. ونستطيع القول حالياً بعد زيارة وزير الخارجية الفرنسي، انّ المسار الثالث سقط بالضربة القاضية، يعني أُفرغت المبادرة الفرنسية من الهدف القريب المدى.

    وتابع المصدر: “صحيح انّ الطبقة السياسية في لبنان مسؤولة عن التدهور الحاصل، إلّا أنّ فرنسا تتحمّل جزءاً من هذا الفشل، بتراجعها عن بنود عدة في المبادرة، اولاً عندما طلبت ان لا تتضمن المفاوضات بيان الحكومة الوزاري القضايا السياسية الخلافية، ثم عدلت عن هذا القرار، وتراجعت بعدها عن طلب حكومة اختصاصيين الى القبول بحكومة يشرف السياسيون على تشكيلها من دون ان تكون حزبية، كذلك قبلت بتعديل حجم الحكومة وعدد وزرائها، ما يعني انّ اداءها خلال الاشهر الثمانية الماضية كان مربكاً واحياناً لا قرار حتى لا نقول شيئاً آخر. هذا كله ينهي دورها في الشق الحكومي”.

    وذهب المصدر أبعد بتقديره، انّ السياسة اليمينية لماكرون اصطدمت مع المستشارين اليساريين العقائديين، وهذا خلق تناقضاً في تقويم الوضع اللبناني وسلوك خط سير لا يؤدي الى حل او تسوية. ولفت المصدر، الى انّ مجموعة لبنانية قريبة من الاليزيه متمولة، صديقة لماكرون منذ ايام الجامعة، انشأت صندوق دعم لحملة ماكرون الانتخابية، وهذا حقها، لأنّ القانون يسمح لها، كون أفرادها يحملون الجنسية الفرنسية، لكنهم يستعملون موقعهم لتوجيه فرنسا في لبنان باتجاه معين، نحو اطراف وجماعات ومجموعات لا صفة تمثيلية لهم. والكل يعلم انّ هذه المجموعة لا تستطيع ان تنتج طبقة حاكمة جديدة او نظام جديد.

    لقاء صحافي

    وكان لودريان عقد لقاء مع الصحافة المكتوبة في قصر الصنوبر قبل مغادرته لبنان صباح امس، اعلن خلاله انّ “فرنسا كانت دوماً الى جانب الشعب اللبناني وستبقى مجنّدة من اجل مساندته ودعمه”.

    واعتبر “انّ الاستحقاقات الانتخابية سنة 2022 هي استحقاقات أساسية، ويجب ان تشكّل فرصة لنقاش ديموقراطي حول مستقبل لبنان”. وقال: “من الملح ان يخرج لبنان من المأزق السياسي الحالي. وهذه رسالتي الثالثة. ولقد عبّرت صراحة عن هذ الأمر خلال لقاءاتي مع الرؤساء الذين قابلتهم، من منطلق أنّهم معنيون دستورياً بالاتفاق على حكومة، ولاحظت أنّ الفاعلين السياسيين لم يتحمّلوا لغاية الآن مسؤوليتهم، ولم ينكبّوا على العمل بجدّية من اجل إعادة نهوض البلد”.

    اضاف: “انا هنا من أجل تلافي هذا النوع من الانتحار الجماعي، واذا لم يتحركوا منذ اليوم بمسؤولية، فعليهم تحمّل نتائج هذا الفشل ونتائج التنكر للتعهدات التي قطعوها. نحن نرفض ان نبقى مكتوفي الأيدي امام التعطيل الحاصل، ولقد بدأنا باتخاذ خطوات تمنع دخول المسؤولين السياسيين المعطّلين والضالعين بالفساد الى الأراضي الفرنسية. وهذه ليست سوى البداية. واذا استمر الأمر، فإنّ هذه الخطوات ستزداد حدّة وستُعمّم وستُكمل بأدوات ضغط يمتلكها الاتحاد الاوروبي وبدأنا بالتفكير فيها معه”.

    وتابع: “على الجميع تحمّل مسؤولياتهم، وبدورنا نتحمّل مسؤولياتنا. وعلى المسؤولين اللبنانيين ان يقرّروا اذا ما كانوا يريدون الخروج من التعطيل والمأزق الذي أوجدوه، وأعتقد أنّ الأمر ممكن اذا رغبوا في ذلك” وقال: “لقد قرّرنا زيادة الضغوط على المعرقلين، ولا يمكننا ان نبقى مكتوفي الأيدي امام كل ما يحصل، بدأنا باتخاذ قرارات تمنع دخولهم الى الأراضي الفرنسية وهذا ليس الّا بداية”.

    وحول الانتخابات النيابية، قال: “احترام المواقيت الديموقراطية في لبنان امرٌ لا مفرّ منه، ومحاولات تأجيل الانتخابات أمرٌ لن تقبل به المجموعة الدولية وحتماً فرنسا. وكل مرة تُطرح فيها المسألة اللبنانية في الهيئات الدولية الثلاث التي ذكرت، تُسأل فرنسا عن رأيها. وما قلته في هذا المجال نتشاطره جميعاً”.

    ولفت إلى أنّ “من التقاهم من المجتمع المدني والمعارضة امس عبّروا عن ارادة للنهوض، وأنّ الشعب اللبناني يعتز بنفسه ولا يريد ان يتورط مع قياداته والمسؤولين عنه”.

    ماذا بعد؟

    الى ذلك، اكّدت مصادر معنية بالملف الحكومي لـ”الجمهورية”، انّ زيارة لودريان، وبمعزل عمّا اذا كانت قد حققت نتائج ايجابية او سلبية، هي دافع للبنانيين لكي ينظروا اليها كفرصة استُجدت لتحريك مياه التأليف الراكدة. ويبدو انّ الامور ستسير في هذا الاتجاه، مع الحديث عن تحضير جدّي لحراك مكثف حول هذا الملف، وينبغي في هذا السياق رصد عين التينة وما قد يقوم به الرئيس نبيه بري في هذا الاتجاه.

    واستفسرت “الجمهورية” عمّا يمكن ان يقوم به الرئيس بري في هذا المجال، فتلقت تأكيدات بأنّ حركة رئيس المجلس مستمرة ولم تتوقف، وسبق له ان طرح مبادرة تُعتبر الطريق الأسلم لبلوغ حلول وتخطّي الازمة، وبالتالي وعلى الرغم من التشنجات والتعقيدات الراهنة، ما زال يعتبر انّ الباب لم يُغلق بعد على إمكان الولوج منه الى حل وتوافق، وهو يقوم بما عليه، لا يستطيع ان يكون مكتوف الايدي حيال مسألة خطيرة ترتبط بوجود لبنان، ويبقى المهم والاساس هو تجاوب الاطراف والتسليم بأنّ مصلحة لبنان تتطلب التعجيل بتشكيل حكومة.

    الإحتياط والدعم

    من جهة ثانية، وفي الوجه الآخر للأزمة، علمت “الجمهورية”، انّ كتاباً وصل الى وزارة الاقتصاد والتجارة ظهر امس الجمعة، يطلب فيه حاكم مصرف لبنان رياض سلامة وقف العمل بالدعم بالآلية الموجودة الى حين وضع آلية جديدة. والكتاب نفسه وصل الى كل الوزارات المعنية بالسلع المدعومة أسوة بوزارة الاقتصاد. وكشف مصدر حكومي لـ”الجمهورية”، أنّ الحاكم بصدد مراجعة حساباته لمعرفة ما هو متوفر لديه بعد، لأنّه اصبح قريباً جداً من الاحتياط. وطلب من رئيس حكومة تصريف الاعمال حسان دياب كتاباً رسمياً يسمح له بصرف الاحتياط، في حال اصرّ دياب على صرفه، لتغطيته قانونياً، وإلاّ لن يمسّ بقرش واحد منه.

    وعلمت “الجمهورية” في هذا الصدد، انّ المجلس المركزي بإجماع جميع اعضائه، وافق على قرار الحاكم بعدم المسّ بالاحتياط. وقال المصدر، انّ المواد الاستهلاكية اصبحت مكشوفة من الدعم، والمواطن يلمس هذا الامر من خلال ارتفاع اسعارها. كاشفاً انّ القمح والدواء المزمن سيستمر دعمهما، انما المشكل الكبير هو في الفيول، فلا تصور حتى الآن لآلية دعمه، وما اذا تقرّر ان تكون بنسب ام كلياً، خصوصاً انّ وضع الكهرباء حالياً “مكركب” الى أقصى الحدود.

    وفي معلومات “الجمهورية”، أنّه وفي خلال اجتماع اللجنة الوزارية المختصة مناقشة مشروع البطاقة التمويلية عصر أمس الاول، نقل مدير عام رئاسة الجمهورية انطوان شقير رسالة من الرئيس عون، يطلب فيها عقد جلسة لمجلس الوزراء لإقرار البطاقة التمويلية، يُدعى اليها حاكم مصرف لبنان، فتكون بحضوره فيُلزم تنفيذ قرار الحكومة.

  • كتبت “الأنباء” تقول:لبنان قبل زيارة وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان، كما بعدها، لا خرق جدّي في ملف تشكيل الحكومة، ولا أي تطور مختلف. صحيح أن فرنسا قامت بما ليس من حجة للبنانيين عليها بل وأكدت أنها ستستمر في تقديم المساعدات الإنسانية والغذائية والطبية، لكن حركتها لم تثمر نتيجة إيجابية، بل وأكثر من ذلك انتهت إلى تعميم غير منطقي في رمي مسؤوليات التعطيل وقد ساوى بصمته بين المعرقلين وأولئك الذين سهّلوا لأقصى الحدود، وهذا التعميم لا يقتنع به أحد بعدما علم القاصي والداني حقيقةً مَن كان مِن الأطراف معرقلاً، ومن عمل ولا يزال كل المستطاع لتوفير فرصة لولادة الحكومة.

    غادر لودريان، وبقي اللبنانيون إلى قدرهم، فيما القوى الممعنة في تعطيل البلاد تمكث في كهوف الصنمية لا تبحث هناك عن بدائل. وكما أجهضت مزايدات المعنيين كل مساعي التأليفؤط، أجهضوا أيضا مفاوضات ترسيم الحدود البحرية.

    أوساط سياسية علّقت عبر جريدة “الأنباء” الالكترونية على تطورات الأيام الأخيرة، بالقول: “بذلك سيصبح لبنان إحدى الأوراق المتطايرة تعاني من الشرور المستطيرة بدلاً من أن يكون قد وضع على سكة الحلّ”، معتبرة ان “طريقة مغادرة الوزير الفرنسي، ومواقفه المتصلبة في لقاءاته السياسية، تشي بالخطورة التي وصل إليها البلد، خصوصاً أن لحظة انتهاء القدرة على الدعم تقترب، ما ينذر بانفجار إجتماعي لن يكون بعيداً هذه المرة عن احتمالات التفجر الأمني أو التوتر بالحدّ الأدنى”.

    وفيما كان الرئيس المكلف تشكيل الحكومة سعد الحريري يلوح باحتمال الإعتذار قبيل وصول لودريان، تؤكد معلومات جريدة “الأنباء” الالكترونية أنه “عزف عن تلك الخطوة حالياً، وقد تلقى نصائح عديدة حول ضرورة الإقدام على إنجاز التسوية لحماية الموقع ومؤسسة رئاسة الحكومة، وعدم ترك الرئيس ميشال عون يتفرد بالسلطة والحكم، بالإضافة إلى مواكبة تطورات الأوضاع في المنطقة”، ولكن تشير المعلومات إلى أن “الحريري قد يبادر بالتحرك باتجاه البطريرك الماروني بشارة الراعي لتنسيق المواقف، والتفكير في إعادة تحريك عجلة تشكيل الحكومة، كذلك قد يتحرك الحريري باتجاه رئيس مجلس النواب نبيه بري لإعادة البحث في إمكانية تشكيل حكومة من 24 وزيراً”.

    حركة لا بد انها تنتظر موقف رئيس الجمهورية الذي تشير المصادر القريبة منه إلى أنه “لا يزال يدرس تداعيات مواقف وزير الخارجية الفرنسي لبناء على الشيء مقتضاه”.

    في هذه الأثناء، لا صوت يعلو على الهمّ المعيشي في ظل الخوف من اقتراب رفع الدعم والذي بدأت مؤشراته في العديد من القطاعات الأساسية.

    وفي هذا السياق، رأى عضو مجلس القيادة في الحزب التقدمي الاشتراكي المهندس محمد بصبوص أن “قرار رفع الدعم لم يبدأ بعد، أو قرار الترشيد القاسي للدعم، لكن كما تعودنا بالبلد لا يوجد أي خطة قبل الوصول الى المشكلة، فالامور كما هي واضحة وصلت الى المسّ بالاحتياط، إذا لم نقل أن مسار الدعم الذي اتخذ بالسابق كان يمس بالاحتياط”.

    ولفت بصبوص في حديث لجريدة “الأنباء” الإلكترونية الى ان “المسّ بالاحتياط ليس بالأمر السهل، فهناك حديث عن أن المودعين يتحضرون لتقديم دعاوى، وكذلك نقابة المحامين’.

    وأشار بصبوص الى أن “غياب سياسة نقدية واضحة لتفادي قرار رفع الدعم سيؤدي الى كارثة، وأصبحنا اليوم أمام فاصل زمني قصير جدا لا يتعدى الأسابيع”، لافتاً الى “تحذير مصرف لبنان من الوصول الى المسّ بالاحتياطي، وهذا يعتبر حكماً انه سيعلن عن توقف الدعم، والمشكلة الكبيرة انه إذا توقف الدعم بهذه الطريقة من دون تأمين بديل كالبطاقة التمويلية هذا يعني الوصول الى الكارثة”، مشيرا الى ان “الحزب التقدمي الاشتراكي كان حذّر مراراً من الوصول الى هذه اللحظة ودعا الى ترشيد الدعم والعمل من أجل إصدار بطاقة تمويلية، لكن على ما يبدو ان التأخير بإصدار البطاقة كأنه إما انهم سيصلون الى رفع الدعم او الذهاب الى بديل عبر مجلس النواب بتعديل قانون النقد والتسليف ليتسنى لهم الصرف من الاحتياطي، لأنه لا يمكن الذهاب لقرار رفع الدعم من دون تأمين البديل، والبديل الوحيد هو البطاقة التمويلية”.

    وشدد بصبوص على “ضرورة تحمّل حكومة تصريف الاعمال مسؤوليتها فهي التي بدأت بسياسة الدعم، وزارة الطاقة دعمت المحروقات، والاقتصاد هي من قام بوضع السلة الغدائية، وعليهم الآن تحمل مسؤولياتهم، ووضع سياسة دعم واضحة من الحكومة وليس مصرف لبنان، والحكومة بالتالي عليها أن تأخد المبادرة”.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى