سياسةمحليات لبنانية

قالت الصحف:الجلسة النيابية اليوم بين الاحتقان والتبريد

الحوار نيوز – خاص

ركزت الصحف الصادرة اليوم اهتمامها المحلي على جلسة مجلس النواب التي تم ترحيلها الى اليوم لمناقشة رسالة رئيس الجمهورية بعد تلاوتها في جلسة الأمس ،وتخوفت من انفجار الاحتقان النيابي في هذه الجلسة في وقت يسعى رئيس المجلس نبيه بري الى تبريد الأجواء.

  • وكتبت “النهار” تقول: بدا واضحا ان ترحيل ” النقاش” في الرسالة التي وجهها رئيس الجمهورية العماد ميشال عون الى مجلس النواب بواسطة رئيس المجلس نبيه بري حول التأخير في تشكيل الحكومة وموقف عون منه من البارحة الى اليوم استبطن خشية لدى بري وكثيرين سواه في الكتل النيابية والقوى السياسية من انفجار الاحتقان المتراكم حول الازمة الحكومية . ومع ان حصر بري جلسة مجلس النواب الخاطفة التي عقدت امس في قصر الاونيسكو لدقائق بتلاوة رسالة عون وتحديد جلسة النقاش في الثانية بعد ظهر اليوم كان متوقعا على نطاق واسع فان ثمة من تحدث عن إدارة محركات عين التينة في اليومين السابقين في كل الاتجاهات ومع سائر الكتل النيابية ورؤسائها سعيا الى عدم تحول اجراء فرض على المجلس وكان بري حذر رئيس الجمهورية من مزالقه الى تفجير اشتباك سياسي ودستوري سرعان ما قد ينحو في اتجاه طائفي اذا لم يستبق بإقامة “موانع الصدمات” او اقله تخفيف الاحتقانات ومحاولة حصر النقاش الذي لا بد منه بعد تلاوة الرسالة في بعده السياسي الدستوري المباشر من غير توغل نحو معركة تصفية حسابات قد تشهدها الجلسة اليوم . وتتمركز محاولات تبريد الأجواء ، ولو ان أي ضمانات ليس ثابتة حيال نجاحها ، على الحؤول دون مبارزة سياسية قد تتخذ طابعا حادا بين رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري ورئيس “تكتل لبنان القوي” النائب جبران باسيل اللذين اعدا للمناسبة عدتها الكافية برفع سخونة النقاش والجلسة عموما اليوم الى درجات عالية . وثمة ما تحدث عن تكثيف بري وآخرين من الدائرة النيابية كما من خارجها مساعيهم بعد جلسة تلاوة رسالة عون امس من اجل تجنب الاشتباك السياسي الحاد في جلسة اليوم وان معالم نتائج هذه المساعي لم تكن سلبية ولكن مع ذلك فان ثمة اوساطا موصوفة غالبا بسعة الاطلاع لم تُبْد ارتياحا كافيا الى ما يسبق أجواء الجلسة اذ يبدو ان تحطم عامل الثقة تماما بين العهد والرئيس الحريري في الفترة الطويلة التي أعقبت آخر اجتماع فاشل عقد بينهما جعل من الاستحالة تقريبا تجنب صدام حاد بينهما .

    ذلك ان المعطيات تشير الى تحفز الحريري الى الرد المفند التفصيلي على رسالة عون من خلال بسط كل الوقائع التي يستند اليها الحريري لإثبات الخط المنهجي للعهد وتياره السياسي في توسل كل الوسائل للحصول على الثلث المعطل في الحكومة وتحوير المفهوم الدستوري لصلاحيات الرئيس المكلف بما يتماهى تماما مع المضمون الانقلابي للرسالة الرئاسية التي تهدف على نحو واضح الى تجاوز سافر للدستور والنيل من صلاحيات المجلس تمام كما من رئيس الحكومة المكلف . وفي المقابل فان باسيل كما تقول المعطيات ، اعد هجوما حادا بالأصالة والنيابة عن رئاسة الجمهورية و”التيار الوطني الحر” على الحريري استكمالا للمضامين الاتهامية التي وردت في رسالة عون الى المجلس .

    غير ان النقطة البارزة الأخرى التي دارت حولها الاتصالات والمشاورات النيابية والسياسية تمثلت في ما يمكن ان تنهي اليه الجلسة بعد ظهر اليوم واي موقف يمكن ان يصدر باسم المجلس ردا على رسالة عون . وإذ تحدث نواب من كتل مختلفة عن موقف حازم للمجلس لا بد من صدوره في شان رفض أي إيحاء بإمكان تجاوز الأطر الدستورية الواضحة للتكليف والتأليف لم يستبعدوا ان يتضمن الموقف أيضا مطالبة صارمة بتحريك جمود المساعي لتشكيل الحكومة نظرا الى الاخطار المتعاظمة التي لم يعد ممكنا الاستسلام للازمة امام تصاعدها .وعلم ليلا ان بري سيصدر بيانا في خلاصة النقاش يضمنه موقفامتوازنا بين رئيس الجمهورية والرئيس المكلف ويشدد على المضي في المساعي التوفيقية لتشكيل الحكومة .

    وفي هذا السياق اعلن معاون الرئيس بري، النائب علي حسن خليل ان “اتصالات التهدئة لم تفشل”، متوقّعا “صدور موقف من مجلس النواب غدا وليس قرارا او توصية”. وقال عضو كتلة “المستقبل” النائب محمد الحجار “غداً (اليوم) ستكون هناك كلمة للحريري، ورئيسُ مجلس النواب يلعب دور الاطفائي ودوراً مهماً في احتواء التشنّج والتعنت من قبل فريق رئيس الجمهورية. وما حصل اليوم هو في صلب النظام الداخلي للمجلس” .

    التأييد المصري

    واللافت في الملف الحكومي ان الرئيس بري تبلغ مجددا تأييدَ مصر لمبادرته لحل الازمة الحكومية خلال استقباله في عين التينة، سفيرَ مصر ياسر علوي الذي اوضح “ان الرئيس بري هو العنوان الضروري والممر الالزامي للخروج من أي مأزق كبر أو صغر في لبنان، وهو الممر الاساسي للحلول ولديه القدرة على احتواء الازمات وايجاد المخارج منها، وصيانة الدستور الذي هو الشرط الضروري للخروج من هذه الازمة”. وشدد على “اننا كلنا ثقة بأن لبنان سيخرج من هذه الازمة وستتألف الحكومة وفقا للاصول الدستورية، بطريقة تسمح ان يكون هناك طرف محاور للمجتمع العربي والدولي، كي يستأنف الدعم لهذا البلد للوصول الى المستقبل الذي يليق به والذي يستحقه “.

    تسعير الدولار

    في غضون ذلك وبينما تعدّ القطاعات العمالية والنقابية لتحركات تصعيدية احتجاجا على تردي الاوضاع الاقتصادية والمعيشية، اعلن حاكم مصرف لبنان رياض سلامة تسعير الدولار ب 12ألف ليرة عبر المنصّة الإلكترونية “صيرفة”، الامر الذي ترك ارتياحاً لدى الأوساط المالية والمصرفية والاقتصادية على امل ان يصب هذا الإعلان في ضبط السوق المتفلتة من أي ضوابط والتي تتحكّم بها مواقع إلكترونية محلية وخارجية بحسب مصادر مصرفية . وأوضحت المصادر أن إعلان سلامة تسعير صرف الدولار بـ??ألف ليرة هو بمثابة خطوة أولى لاستيعاب التغيّرات الطارئة لافتة إلى أن سعره لا بد أن يتراجع بعدما تم وضع الآلية اللازمة لهذه المنصّة شاركت فيها المصارف والصيارفة، حيث سجّلت تعاملات خفيفة في انتظار تلبية ما طلبه مصرف لبنان من المصارف والصيارفة الذين تقدموا بطلبات للحصول على العملات إن كانت بالليرة اللبنانية أو بالدولار الأميركي أو العملات الأجنبية الأخرى على أن تتم تسوية هذه الطلبات الخميس المقبل. في المقابل أكدت المصادر استعداد المصارف الكبيرة للتعاون مع هذه المنصّة وإنجاحها لكنها أرادت الاستيضاح من مصرف لبنان عن بعض الأمور التي بقيت مبهمة إلى أن صدر البيان ليردّ على هذه الاستفسارات واعتبرت أن المصارف ومصرف لبنان هما في خندق واحد لمواجهة التحديات وبالتالي فإن نجاح المنصّة هو نجاح للمصارف أيضاً . ورجحت هذه المصادر معرفة المسار والاتجاه الذي ستسلكه هذه المنصّة الأسبوع المقبل، ومدى تجاوب المعنيين معها ولا سيما التجار والمستوردين.

  • وكتبت “الاخبار” تقول: دخل تعطيل تأليف الحكومة اليوم شهره الثامن، فيما الأزمة تهرول الى الوراء، وتراكم أسباباً بعد أخرى لاستمراره، واستبعاد الاتفاق عليها الى أمد غير معلوم. مع ان الجولة الجديدة في البرلمان، الا ان المشكلة تبقى اولاً واخيراً بين الرئيسين

    مذ التأمت جلسة الهيئة العمومية لمجلس النواب لتلاوة رسالة رئيس الجمهورية ميشال عون، بدت الكتل كأنها على رؤوسها الطير: الكبرى منها اتت بنوابها جميعاً تقريباً ككتل رئيس المجلس نبيه برّي والرئيس المكلف سعد الحريري والنائب جبران باسيل ووليد جنبلاط، وبلغ النواب الحاضرون 82 نائباً. اضف انها استنفرت نفسها سلفاً لطلب الكلام والدخول في اشتباك، بعضها مع بعض على مضمون الرسالة. قبيل انعقاد الجلسة، كان معوّلاً على عقد لقاء بين برّي والحريري العائد الى بيروت في وقت متأخر من ليل الخميس، في محاولة لتجنيبها اي تشنج طائفي يتحضّر له الطرفان المتقابلان. بيد ان اللقاء لم يحصل الا بعد رفع الجلسة، بعدما حسم رئيس المجلس خيار تأجيل المناقشة الى اليوم.

    اولها، تحديد موعد التئامها البارحة، في اليوم الثالث لتلقي رئيس البرلمان رسالة رئيس الجمهورية بعد ظهر 18 ايار. بذلك التزم انعقادها ما نصّت عليه المادة 145 من النظام الداخلي للمجلس، خصوصاً فقرتها الثالثة التي تتحدّث عن آلية تعامل المجلس مع رسالة يوجهها رئيس الجمهورية اليه بواسطة رئيسه، المختلفة عن تلك التي ترعى الرسالة التي يدلي بها رئيس الجمهورية بنفسه امام البرلمان تبعاً للفقرتين الاولى والثانية. ما حدث انها انعقدت في اليوم الثالث، من غير ان تعتمد على الفقرة الثالثة التي تربط تلاوة الرسالة بمناقشتها في الجلسة نفسها. جزّأ برّي تلاوة الرسالة عن مناقشتها، مع انهما متلازمتان في الجلسة ذاتها، كون الرسالة غير مباشرة. ارتأى الفصل ما بين بينهما 24 الساعة على نحو ما نصت عليه الفقرتان الاولى والثانية، المتحدثتين عن الرسالة المباشرة التي يتلوها رئيس الجمهورية بنفسه. ليست المخالفة جسيمة وتستحق، الا انها توخت تغليب الجانب السياسي على الجانب القانوني في مقاربة المشكلة المتفجرة التي تحملها الرسالة.

    ثانيها، لا مناص من الاشتباك اليوم بين الحريري وباسيل، كما بين نواب كتلتيهما، من غير استبعاد دخول كتل اخرى عليهما. ليس في الامكان تجاهل مناقشة الرسالة المنصوص عليها في المادة 145 او تعمّد اهمالها، وليس ثمة ما يشير الى استعداد طرفي التناحر لتخليهما عن نقل المشكلة ما بين رئيس الجمهورية والرئيس المكلف الى داخل مجلس النواب.

    ثالثها، مع ان الطابع المرتقب للسجال سياسي دستوري في ظاهره، الا انه سيحجب لوقت قصير طابعاً طائفياً محضاً في تناوله الصلاحيات الدستورية لكل من رئيس الجمهورية والرئيس المكلف. مع ذلك، لا يقل الشق الدستوري اهمية عن الاشتباك الطائفي، وهو سيمسي الملاذ الوحيد للمجلس كي ينجو بنفسه من مشكلة غير قادر على حلها. الا انه – بسبب غياب النص الصريح المكتوب – سيحتمي بالمخرج الذي يعزّز حجة الحريري، وهو ان الدستور لا ينص على سحب التكليف على نحو نصّه على التكليف. بذلك، لأن لا نص مقيِّداً، لا يسعه الخوض في ما لا يدخل في صلاحيته: ما طلبه منه الدستور تسمية رئيس الحكومة المكلف فحسب.

    رابعها، يسري جدل دستوري في البرلمان يرمي الى تنصّله من اي مسؤولية عن حل مشكلة، يعتبر نفسه غير معني مباشر بها بعدما انجز المنوط به، وهو التسمية. غير انه بات شاهداً على نزاع دائر بين رئيس الجمهورية والرئيس المكلف عطّل تأليف الحكومة ولا يزال. فحوى الجدل الدستوري الجديد، ان المجلس الملتئم كهيئة عمومية لم يكن هو المعني بتسمية الرئيس المكلف، وليس ثمة اكثرية قانونية ملزمة للتسمية ينص عليها الدستور. تالياً، فإن تسمية الرئيس المكلف منبثقة من اكثرية نيابية، وليس من الاكثرية النيابية المنصوص عليها في المادة 34 من الدستور الملزمة لانعقاد المجلس وهي الغالبية المطلقة، وليس ايضاً من الاكثرية الموصوفة كالثلثين المنصوص عليها في المادة 49 لنصاب جلسة انتخاب رئيس الجمهورية.

    اي اكثرية تنشأ، اياً بلغ عدد المنضوين فيها، تسمح بترشيح احد ما لرئاسة الحكومة، ما لم يكن قبالته منافس حظي بعدد اكبر من الاصوات. في اولى حكوماته عام 1990، نال الرئيس عمر كرامي 31 صوتاً، وكانت المرة الاولى تطبق الاستشارات النيابية الملزمة بعد اتفاق الطائف، في مجلس لم يزد عدد اعضائه على 67 نائباً من جراء تناقصه ابان سني الحرب. بدوره الرئيس نجيب ميقاتي في اولى حكوماته عام 2005، نال 57 صوتاً رشحته لترؤس الحكومة، وهو رقم دون نصاب الاكثرية المطلقة.

    بإسم ذريعة “اكثرية نيابية” وليس “الاكثرية النيابية”، يقارب البرلمان مشكلة التكليف على ان المعني بها كتله جميعها وليس الهيئة العامة التي تتألف منه منعقداً تبعاً للاصول الواردة في المادة 34، وليست هي مَن تسمي الرئيس المكلف. الامر الذي لا ينطبق على جلسة منح الحكومة الجديدة الثقة، بكل المواصفات والشروط الدستورية المرافقة لانعقادها قانوناً.

    خامسها، ان السجالات الدائرة، بتشنجها السياسي والمذهبي والطائفي، في غياب النص الدستوري الصريح الذي يتسلّح به احد فريقي النزاع، تفسح الباب عريضاً على اجتهادات وتأويلات يختلط الدستوري فيها بالسياسي. فكيف الحري بواقع كالذي يشهده لبنان، كل ما يتصل به يدور في فلك الانقسام والصراع السياسي اللذين لا يلبثان ان يعدما الاجتهاد ويعطبانه، ويجردانه من اي جدوى او حل. في ظل الانقسام والصراع السياسي، كل اجتهاد من حيث اتى، في رأي صاحبه وهو يدافع عن وجهة نظر فريقه وطائفته، مصيب ومحق، ما يجعل مقارعته متعذرة ان لم تكن مستحيلة، واقناعه عبثياً. بذلك يتعذر ايجاد مرجعية الاحتكام.

    ما قاله رئيس الجمهورية في رسالته الى البرلمان صائب، وهو ان التكليف غير المقيَّد يؤبد هذه الصلاحية لدى صاحبها، ويعطل تأليف الحكومة وانتظام عمل المؤسسات الدستورية ويعرّض الاستقرار للاخطار. لكن ما يفترض ان يقوله الرئيس المكلف اليوم، سيكون بدوره صحيحاً وحقاً انطلاقاً من ان في الدستور جهتين تنيطان به منصبه: النواب الذين يرشحونه، ورئيس الجمهورية الذي يكلفه، دونما ان يكون ثمة مَن يسعه ان يفرض عليه تجريده مما بين يديه الى ما شاء الله، الا اذا اراد هو التنحي.

    سادسها، ان انتهاء الجلسة المقررة اليوم، بعد مناقشة الرسالة، امام خيار توصية ليس الا يصدرها المجلس، يحض فيها على استعجال تأليف الحكومة، دونما تمكّنه من تأكيد صلاحيته الدستورية في استعادة المبادرة حيال تكليف الحريري. للاسباب السياسية والمذهبية والطائفية، لا يسعه الاقرار بأن له صلاحية تجريده من التكليف، ولا كذلك اعتباره هو بهيئته العامة مَن رشح الحريري لتأليف الحكومة. لا يسعه ايضاً للاسباب نفسها تأكيد تمسكه به. اذذاك تصبح التوصية باب نجاة.

    قد يستعيد ما يُفترض ان يحدث اليوم حالاً مماثلة سابقة، عندما وجّه عون رسالة الى المجلس في 24 تشرين الثاني 2020، طالباً تدخّله لفرض التحقيق الجنائي، شاكياً من عدم تعاون حاكم مصرف لبنان رياض سلامة الذي يعارضه ويمتنع عن تزويد السلطات ملفات المصرف. في جلسته لمناقشة الرسالة في اليوم الثالث 27 تشرين الثاني، انتهى البرلمان الى توصية قضت بطلب اجراء تحقيق جنائي اوسع من المطلوب، في كل وزارات الدولة واداراتها ومؤسساتها بما فيها مصرف لبنان المشكو منه. يومذاك قال النائب جميل السيّد ان المجلس غير معني برسالة يشكو فيها رئيس الجمهورية على موظف يقتضي التزام قرارات مجلس الوزراء الا انه يمتنع عن تنفيذها، ما يجعل المشكلة داخل السلطة الاجرائية، لا علاقة لمجلس النواب بها.

    على نحو مشابه ربما، يقتضي ان يُفهم من مغزى جلسة المناقشة اليوم ان مشكلة جحا مع خالته فقط.

  • وكتبت “الجمهورية” تقول: كما كان متوقعاً، أخرج رئيس المجلس النيابي نبيه بري من كمِّه أرنب التبريد، لصبّ المياه الباردة على الأجواء الساخنة التي طوّقت جلسة تلاوة الرسالة الرئاسية قبل انعقادها، ورحّل النقاش حولها الى اليوم.

    بهذا الترحيل، وإن كان لأربع وعشرين ساعة، أراد رئيس المجلس كما هو واضح، الاستفادة من عامل الوقت حتى ولو كان قصيراً، لتمرير قطوع الرسالة بأقل الارتدادات والخسائر، ومنح فرصة اضافية للمساعي الرامية الى سحب فتيل التشنج والاحتقان بين الطرفين المعنيَّين بهذه الرسالة، اي رئيس الجمهورية العماد ميشال عون والرئيس المكلّف سعد الحريري والفريق السياسي لكل منهما، لعلها تنجح في إطفاء حريق السجال قبل اشتعاله بينهما.

    وكانت جلسة تلاوة الرسالة الرئاسية قد انعقدت بعد ظهر امس في قصر الاونيسكو برئاسة الرئيس بري، وبرز في الجلسة حضور الرئيس المكلّف سعد الحريري، الذي اشاعت اوساطه انّه حضّر رداً مفصّلاً على رسالة رئيس الجمهورية، وكذلك حضور رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل، الذي عكس نواب من “التيار” الى تجهيزه كلمة نارية. ولفت انتباه الحاضرين انّ الحريري وباسيل لم يتبادلا التحية، فيما عُقد لقاء جانبي بين الرئيسين بري والحريري.

    انتهت الجلسة سريعاً، واقتصرت وقائعها على تلاوة رسالة رئيس الجمهورية، حيث عمد رئيس المجلس بعد التلاوة الى رفع الجلسة وتأجيلها الى الثانية بعد ظهر اليوم، ولم يستجب الى مطالبات العديد من النواب ببدء النقاش حول الرسالة في جلسة الامس.

    وعكست مواقف النواب منحى تبريدياً، حيث قال المعاون السياسي لرئيس مجلس النواب النائب علي حسن خليل، انّ “اتصالات التهدئة لم تفشل”، مشيرا الى انّ مجلس النواب سيصدر في ختام جلسة النقاش موقفاً حيال هذا الامر، مستبعداً صدور اي توصية او قرار في هذا الشأن.

    كلمة الحريري

    وبانتظار ما ستشهده جلسة اليوم النيابية، كشفت مصادر “بيت الوسط “، انّه ستكون للحريري كلمة تشرّح رسالة الرئيس عون بالتفصيل وتكشف الكثير مما لم يُنشر من قبل.

    ووصفت المصادر كلمة الحريري بأنّها ستكون شاملة، تحيط بالتطورات كافة وتتحدث عن الكثير من الحقائق التي تجاهلتها الرسالة الرئاسية والوقائع التي يصرّ البعض على تجاهلها او نفيها.

    لا غداء ولا عشاء

    الى ذلك، وتعليقاً على الروايات التي تحدثت عن مشاريع عشاء او غداء بين الحريري وباسيل، غرّد المستشار الاعلامي للرئيس سعد الحريري حسين الوجه فقال: “ما يتم تداوله من اخبار تتعلق بالرئيس سعد الحريري هي شائعات كاذبة ولا تمت للحقيقة بأي صلة”.

    بعبدا تنتظر

    وفي الوقت الذي تابع فيه رئيس الجمهورية مجموعة الاتصالات التي سبقت وتلت جلسة تلاوة الرسالة التي وجّهها الى المجلس النيابي، قالت مصادر مطلعة على اجواء بعبدا، انّه ينتظر جلسة اليوم لمعرفة الاتجاهات التي ستسلكها الامور، وللتثبت من إمكان ان تؤدي الرسالة غايتها، بعيداً من مسلسل الملاحظات والتعليقات التي لم تقارب الأزمة بمظاهرها المختلفة وتأثيراتها السلبية على الوضع الداخلي وموقع لبنان في المنطقة.

    الجمر تحت الرماد

    الى ذلك، تبقى جلسة اليوم محل ترقب عام لمجرياتها، ومضمون النقاشات التي سيتمّ تبادلها بين نواب عون والحريري، وتحاط بمخاوف جدّية من ان ينحدر النقاش الى سجال وربما اكثر من ذلك، بما لا يبقي هذا السجال محصوراً ضمن الرقعة البرلمانية، بل يُخشى ان يتمدّد الى الشارع بتوترات تلقي على المشهد الداخلي جمرات حارقة سياسية وطائفية.

    وما يعزز تلك المخاوف، هو انّ هذا الترحيل قام على ارض ساخنة، ذلك انّ الجمر ما زال تحت رماد العلاقة المتفجّرة بين رئيس الجمهورية والرئيس المكلّف ومن خلفهما تيار “المستقبل” و”التيار الوطني الحر”، ما يُبقي الاحتمالات مفتوحة على مصراعيها. ويشي ذلك بأنّ اتصالات التبريد ليست سهلة امام مستوى التوتر العالي والمشاعر المحتقنة سياسياً وعلى المستوى الشخصي بين الطرفين.

    اولويات

    وبحسب معلومات “الجمهورية” من مصادر موثوقة، فإنّ رئيس المجلس تحرّك منذ تسلّمه الرسالة الرئاسية ضمن اولويتين، الأولى، الحؤول دون نقل المشكلة الى مجلس النواب، الذي مارس الدور المطلوب منه كاملاً سواء في استشارات التكليف التي اجراها رئيس الجمهورية، وكذلك في استشارات التأليف التي اجراها الرئيس المكلّف مع النواب. والثانية، إخماد نار الاحتقان المتورّم بين شريكي التأليف، وتجنيب البلد اي تصدّعات او إرباكات اضافية، وتفكيك اي عبوة سياسية ناسفة للاستقرار الداخلي. وهما اولويتان تضافان الى اولوية دائمة لديه، وهي الأهم، وخلاصتها إشعار كل الاطراف بأنّ لبنان يُحتضر ويوشك ان يغرق بالكامل، وآن الأوان للتخلّي عن كل الشروط من هنا وهناك، والذهاب فوراً الى تشكيل حكومة وفق مندرجات المبادرة الفرنسية من اختصاصيين من غير الحزبيين ولا ثلث معطلاً فيها لأي طرف.

    وتشير المعلومات، انّ حركة الاتصالات التي كثّفها الرئيس بري في الساعات السابقة لانعقاد جلسة الامس، وتوزّعت في مختلف الاتجاهات السياسية والنيابية لإخراج جلسة هادئة ومضبوطة الى الحدّ الاعلى، لقيت تجاوباً من غالبية الكتل النيابية، التي قرّرت ان تنأى بنفسها عن اي سجال اشتباكي يمكن ان يندلع بين “التيار الوطني الحر” و”تيار المستقبل”، وخصوصاً في ظلّ توجّه أكيد لدى “التيار الوطني” في أن ينبري في موقع التبرير والدفاع عن الرسالة الرئاسية، في مقابل توجّه معلن لدى “تيار المستقبل” بعدم تمرير رسالة عون ومضمونها الاتهامي المباشر للرئيس المكلّف بتعطيل تشكيل الحكومة، وبالتالي مواجهتها بمضبطة اتهامية شاملة كل التفاصيل التعطيلية التي اقدم عليها رئيس الجمهورية ومعه النائب جبران باسيل.

    24 ساعة حاسمة

    تشي تلك الصورة، انّ الكتل النيابية قد قرّرت ان تبقى على الحياد وانكفأت عن المشاركة مع عون والحريري في الصراع المستمر بينهما منذ تكليف الحريري تشكيل الحكومة، ما يعني انّ الطرفين، وتياريهما السياسيَّين، وحدهما في ميدان اشتباك، يُجمع مختلف القراءات السياسية على ان لا طائل منه سوى اضافة المزيد من التأزّم والتوتر على المشهد السياسي المعتلّ اصلاً بأزمة خانقة.

    وفي هذا المجال، تؤكّد مصادر مجلسية مسؤولة لـ”الجمهورية”، انّ الرهان يبقى على فرصة الـ”24 ساعة” الفاصلة عن موعد مناقشة الرسالة الرئاسية في الجزء الثاني من الجلسة المحدّدة في الثانية بعد ظهر اليوم، حيث يقود رئيس المجلس خلال هذه الفرصة ما تُسمّى اتصالات الفرصة الاخيرة للتبريد، وسط اصراره على ضبط ايقاع النقاش بين النقيضين في الاتجاه الذي يعبّر فيه كل طرف عن موقفه، ويحول في الوقت نفسه دون انفلاته الى ما لا تُحمد عقباه. وهو الامر الذي يعني إن انفلت، فتح البلد على توتر قد لا يكون في الإمكان احتواؤه، يُضاف الى الأزمة القاتلة التي تقود لبنان نحو الدمار الاقتصادي والاجتماعي والمعيشي الشامل.

    على انّ الخلاصة الاساس التي يُعمل في اتجاه بلوغها في نهاية جلسة اليوم، كما تشير المصادر، هي ردّ المجلس النيابي الكرة الى ملعب الرئيسين عون والحريري، والتأكيد عليهما عدم الاستمرار في اهدار الوقت، والارتفاع الى مستوى المسؤولية الوطنية التي تمليها حال البلد، والانتقال من موقع التصادم وآثاره السلبية على البلد، الى التفاهم على تشكيل حكومة تباشر ما هو مطلوب منها على طريق اخراج البلد من ازمته.

    نصائح صديقة

    وبحسب معلومات “الجمهورية”، فإنّ الجهود التبريدية التي يبذلها رئيس المجلس، تلاقت مع “نصائح صديقة” عاجلة الى القادة السياسيين، وعلى وجه الخصوص الى المعنيين بالملف الحكومي، بالحفاظ على الاستقرار في لبنان.

    وفي هذا السياق، قال مصدر ديبلوماسي عربي لـ”الجمهورية”: “انّ مصلحة الاشقاء في لبنان اولاً واخيراً تكمن في التفاهم بصورة فورية وعاجلة على تشكيل حكومة، وفي عدم الدخول في توترات تهدّد امن واستقرار لبنان، وتزيد من معاناة الشعب اللبناني”.

    مصر: مبادرة بري

    وفيما أدرج مواكبون لحركة الاتصالات زيارة السفير المصري في لبنان ياسر علوي الى عين التينة امس، في السياق التبريدي للواقع المتأزم، علمت “الجمهورية” انّ الاتصالات الديبلوماسية شملت “بيت الوسط”، واكّدت على اعتماد خيار التهدئة، وتزامنت مع اتصالات بين عين التينة و”بيت الوسط”، في وقت كان التواصل مفتوحاً لهذه الغاية بين “حزب الله” و”التيار الوطني الحر”.

    على انّ اللافت في هذا السياق، ما عكسه السفير علوي من عين التينة، لناحية الدخول المصري المتجدّد كحاضن لمبادرة الحل التي طرحها الرئيس بري، حيث شدّد السفير المصري على انّ هذه المبادرة تشكّل السبيل المتاح والامثل لمعالجة الازمة. وقال: “كلنا ثقة أنّ لبنان سيخرج من هذه الازمة و ستتشكّل الحكومة وفقاً للاصول الدستورية، بطريقة تسمح ان يكون هناك طرف محاور للمجتمع العربي والدولي كي يُستأنف الدعم لهذا البلد للوصول الى المستقبل الذي يليق به، والذي يستحقه هذا البلد الراسخ الذي أسهم في الحضارة العربية. فهو لا يستحق ان يُترك انما يستحق الوقوف الى جانبه”.

    اضاف علوي: “نحن نجدّد تأييدنا للمبادرة التي تقدّم بها الرئيس بري، والتي أيّدها وزير خارجية جمهورية مصر العربية سامح شكري في زيارته الاخيرة الى لبنان. وأنا هنا اليوم لأجدّد تأييدنا لهذه المبادرة لحل الازمة الحكومية. ونتمنى ان تتشكّل وفقها الحكومة في أقرب وقت ممكن، لكي يتسنى العمل الفوري للمهمة الإنقاذيه بكل الدعم العربي. وقد أكّدت لدولة الرئيس على تجديد دعم مصر المستمر لجهوده تشكيل هذه الحكومة وفقاً للاصول الدستورية، وبما يحفظ الاستقرار لهذا البلد ويجنّبه أي منزلقات غير دستورية أو أي مساس باستقراره”.

    لا مستقبل للبنان!

    وفي السياق نفسه، كشفت مصادر نيابية في لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب لـ”الجمهورية”، انّها تبلّغت من ديبلوماسيين غربيين قلقاً متزايداً حيال الوضع في لبنان وخشية بالغة من تردّي الاوضاع اكثر فيه.

    ونقلت عن احد السفراء قوله: “نحن حزينون على لبنان، هذا هو الشعور العام لدى كل اصدقاء لبنان في دول الاتحاد الاوروبي”.

    اضاف: “لبنان، كما نرى وترون بات على منعطف خطير جداً، قلنا لكم ذلك مرات عديدة في السابق، ونعود ونكرّر الآن ونقول، انتم تتجهون بسرعة الى احتمالات صعبة ومؤلمة للشعب اللبناني. هل تعلمون الى اي مستوى انحدر تصنيف لبنان؟”.

    ولفتت المصادر، الى انّ السفير المذكور عكس الغضب الفرنسي وسائر دول الاتحاد الاوروبي ممن سماّهم ” القادة غير الموثوقين”، في اشارة مباشرة الى الممسكين بزمام الملف الحكومي، حيث قال: “لسنا نتفهم هذا التعطيل وتقاذف المسؤولية حياله (بين عون والحريري)، وعدم الاستجابة لكل النصائح والتمنيات عليهم بتجاوز حزبياتهم والتفاعل ايجاباً مع مبادرات الحل، وآخرها ما اكّدت عليه بالامس، مجموعة الدعم الدولية للبنان”.

    ونقلت المصادر في لجنة الشؤون الخارجية، انّ سفير الدولة الاوروبية الكبرى انتهى في كلامه الى خلاصة شديدة التشاؤم والخطورة، حيث قال: “لبنان مع الاسف ينهار امام اعين قادته، ولقد بتنا على يقين من انّ ثمة قراراً واضحاً لدى هؤلاء القادة بإبقاء الوضع على ما هو عليه من فراغ ، فعدم تشكيل حكومة يعجّل بالانهيار، وهذا معناه انّ لبنان لن يكون بخير، واكثر من ذلك، نحن ننقل اليكم خوفنا من الّا يكون هناك مستقبل للبنان”.

    تحذيرات مالية

    هذه الصورة السوداوية تتقاطع، مع تحذيرات وصفت بالاكثر من جدّية، تلقتها مراجع اقتصادية من مسؤولين كبار في المؤسسات المالية الدولية، خلاصتها ان لا سبيل امام لبنان سوى تنظيم واقعه السياسي، والانتقال فوراً الى بناء قاعدة اصلاحية يرتكز عليها في المفاوضات التي ينبغي ان تبدأ بصورة عاجلة بينه وبين المؤسسات المالية الدولية وفي مقدمتها صندوق النقد الدولي.

    وبحسب ما تبلّغت تلك المراجع، فإنّ المؤسسات المالية الدولية باتت تصنّف لبنان في مرتبة ما دون الصفر بدرجات عميقة جداً مالياً واقتصادياً، وهذا يعني انّ انهياره حتمي ولن يطول الوقت لذلك، في غياب حكومة تسارع الى اتخاذ خطوات وقرارات نوعية تحول دون هذا الانهيار.

    هل ستبقى الرواتب؟

    وبناءً على هذه الصورة السوداوية التي رسمتها المراجع المالية الدولية، دقت مصادر اقتصادية مسؤولة، ناقوس الخطر عبر “الجمهورية” وقالت: “القطاع المصرفي انهار، والمؤسسات الخاصة صارت مشلولة او مقفلة في غالبيتها، والموظفون والعاملون صاروا في الشارع، والدولة بلا حكومة ولا قرار، وفي حال اهتراء في كل قطاعاتها، والآتي اعظم مع ليرة فقدت قيمتها نهائياً، وخزينة فارغة قد تصل في وقت ليس بعيداً الى وضع تصبح فيه عاجزة تماماً عن دفع رواتب الموظفين في القطاع العام.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى