ثقافةفي مثل هذا اليوم

في مثل هذا اليوم:وفاة جورج حبش.. “حكيم الثورة” وملهم القوميين العرب وقائد الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين

 

الحوار نيوز – خاص

(“في مثل هذا اليوم ” هو عنوان فقرة يومية جديدة تستحدثها “الحوار نيوز” ، بهدف ثقافي بحت يرمي الى توسيع دائرة المعلومات لدى القراء.نأمل أن تلقى رواجا لدى عامة الناس .والله ولي التوفيق).

             جورج حبش

في مثل هذا اليوم من العام 2008 توفي الدكتورجورج حبش السياسي والطبيب الفلسطيني وأحد كبار مؤسسي حركة القوميين العرب وملهمها ، والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين،والقيادي البارزفي منظمة التحرير الفلسطينية. شغل منصب الأمين العام في الجبهة الشعبية منذ تأسيسها عام 1967 حتى عام 2000.

 

ولد “الحكيم” (كما كان لقبه) في مدينة اللد في فلسطين  في أول آب/أغسطس عام  1926  لعائلة مسيحية أرثوذكسية ثرية من ملاك الأراضي. والده التاجر نيقولا حبش، وله ستة إخوة. تلقى تعليمه الابتدائي في اللد والإعدادي في الكلية الأرثوذكسية في يافا، ونال شهادة الثانوية من كلية “الأرض المقدسة  في القدس، ثم عمل لعامين مدرّسا في يافا. في عام 1944 انتقل لدراسة الطب في الجامعة الأميركية في بيروت،وتخرج منها في عام 1951 متخصصا في طب الأطفال.

 

مع نشوب حرب 1948 عاد حبش إلى فلسطين وتطوع للعمل في الإسعاف في مستشفى اللد. تعرض حبش للتهجير مع عائلته التي غادرت يافا بعد سقوطها إلى اللد، ثم أجبرت على الرحيل مع أهالي المدينة الذين طردوا بعد سقوطها في 11 يوليو 1948 وأجبروا على المسير إلى القدس، وكان لهذه التجربة حسب حبش (الذي دفن أخته فوتين في حديقة المنزل قبيل الرحيل) أثرا نفسيا عميقا وخلّفت مشاعر غضب ورغبة في الرد على الظلم الواقع والعمل على استرجاع فلسطين.

تعرف حبش على قسطنطين زريق في بيروت عام 1948 حيث كان يلقي محاضرات عن القومية والأمة العربية ونشط في جمعية “العروة الوثقى” في الجامعة الأمريكية في بيروت، وهي منتدى يهتم باللغة والآداب حوله حبش وزملاؤه إلى منتدى للنشاط السياسي والفكري، وترأسها في الأعوام 1949-1951. وكان قسطنطين زريق بمثابة زعيمها الروحي واستضافت في حواراتها متحدثين مهمين مثل الزعيم السياسي كمال جنبلاط والشاعر عمر أبو ريشة. شكلت العروة الوثقى التي زامله فيها وديع حداد ومحمد الهندي وأحمد الخطيب وحامد الجبوري النواة الأولى لتأسيس منظمة سياسية لاحقا.تعرض حبش في هذه المرحلة للاعتقال والمطاردة من قبل السلطات اللبنانية.

  عمل حبش بعد تخرجه أستاذا مساعدا في قسم علم الأنسجة في الجامعة الأمريكية إلى أن اضطر للاستقالة بعد صدام مع إدارة الجامعة على خلفية تظاهرة سياسية نظمها حبش ورفاقه رغم المنع الذي حاولت إدارة الجامعة فرضه بإغلاق بوابات الجامعة بالسلاسل، حيث كسرها حبش وزملاؤه وخرجوا بالتظاهرة.

.عام 1952 انتقل حبش إلى عمان وافتتح عيادة طبية في شارع الملك طلال، ولحق به بعد فترة وديع حداد، وقدمت العيادة أرضية للتواصل مع اللاجئين الفلسطينيين حيث قدمت لفقرائهم خدمات طبية وأدوية مجانية، كما افتتحا مدرسة لمحو الأمية في “النادي العربي”. وفر ذلك غطاءً للعمل السياسي وساعد في اجتذاب ناشطين سياسيين من أوساط المخيمات فانضم إليهما في تلك الفترة ناشطون  سياسيون لعبوا دورًا مهما فيما بعد، مثل حمدي مطر ومصطفى الزبري(أبو علي مصطفى)، كما أصدر حبش وحداد مجلة “الرأي” التي تولى إدارتها أحمد طوالبة، وتعاون مع مثقفين وطنيين مثل مقبل مومني و سالم النحاس وغيرهم، في الوقت الذي أشرف فيه على النشاطات الأخرى في لبنان والكويت وسوريا والعراق .

  في عام 1945 اعتقل حبش لمدة وجيزة وأغلقت السلطات صحيفة الرأي، فانتقل حبش بالصحيفة إلى دمشق وهناك تعرف بغسان كنفاني وفضل النقيب وأحمد خليفة وبلال الحسن الذين شاركوا في تأسيس حركة القوميين العرب التي بدأت تتشكل ألويتها (الشباب القومي العربي) في لبنان وسوريا والخليج والعراق.

 

بعد تعريب الجيش الأردني عام 1956 عاد حبش إلى الأردن حيث عُقد سرا مؤتمر حركة القوميين العرب التأسيسي الذي حضره مندوبون من عدة دول عربية. في الأردن شارك حبش الانتخابات النيابية مع ثلاثة مرشحين آخرين، وعلى الرغم من عدم فوز أي منهم اعتبر حبش التجربة أول اختبارا لتأثير حركته السياسية حيث نال 3000 صوت. ومن الأردن عمل حبش ورفاقه على تأسيس فروع للحركة في مختلف الدول العربية.

في دمشق، وفي النقاش النظري حول مبرر استمرار الحركة بعد قيام الوحدة بين مصر وسوريا والتفاف الجماهير العربية حول قيادة عبد الناصر، وأمام مطالب جناح محسن إبراهيم بحل الحركة والانضمام إلى الاتحاد الاشتراكي، تمسك حبش بضرورة وأهمية وجود تنظيم شعبي يجسد القيادة الشعبية لحركة الجماهير إلى جوار دولة عبد الناصر التي تمثل قيادتها الرسمية.

بنظر حبش كانت مهمة الحركة “تنظيم وتعبئة هذه الجماهير للنضال من أجل تحقيق الشعارات التي رفعها عبد الناصر”. تحالف حبش ورفاقه مع دولة الوحدة وربطتهم علاقات حسنة بعبد الحميد السراج الذي وفر للحركة معسكرات للتدريب، ومع تصاعد الانتقادات ضد ممارسات الدولة تجاه الأحزاب والحركات السياسية الأخرى فضل حبش عدم انتقاد دولة الوحدة في العلن، ووزع اهتمامه بين المجهود الفلسطيني والنضال ضد الاحتلال البريطاني في جنوب اليمن. بعد الانفصال عام 1961 شارك حبش في تنظيم الاحتجاجات ضد الانفصال وإلغاء الاجراءات الاشتراكية واعتقل لشهرين في سجن المزة، وأعيد اعتقاله عام 1962 بتهمة قيادة تنظيم يطالب بالعودة إلى الجمهورية العربية المتحدة.

 اتخذ حبش ورفاقه موقفا إيجابيا من انقلاب البعث في مارس 1963 وتولى أعضاء في حركة القوميين مناصب وزارية في الحكومة التي شكلها. في يوليو من نفس العام حاولت مجموعة من الضباط الناصريين بقيادة انقلاب جاسم علوان تنفيذ انقلاب يستهدف إعادة الوحدة الفورية مع مصر، واتهم حبش والقوميين بالمشاركة في التخطيط لهذا الانقلاب، وهو اتهام أنكره حبش. ظهر اسم حبش على قائمة من خمسين متهما محكومين بالإعدام، ولوحق واختفى لمدة تسعة شهور، ثم غادر سورية إلى لبنان.

في بداية عام 1964 توجه حبش إلى القاهرة والتقى عبد الناصر لأول مرة وطرح عليه مسألة دعم الكفاح المسلح في جنوب اليمن وفلسطين، وهو ما أيده عبد الناصر بتحفظ ووافق على تدريب عسكري لمقاتلين فلسطينيين وكذلك منح دراسية في مصر. تكرر اللقاء في نفس العام وتمكن حبش من الحصول على الدعم المصري السياسي والعسكري للجبهة القومية في جنوب اليمن.  

تأسيس وانشقاق الجبهة الشعبية

بعد حرب عام 1967 انتقل حبش ورفاقه ( وديع حداد وأبوعلي مصطفى وآخرون) إلى العمل المسلح وفق نظريات حرب العصابات وأعلنوا في 11 ديسمبر من العام 1967 عن تأسيس الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين التي شغل حبش منصب أمينها العام ونشطت في العمل العسكري على حدود فلسطين وفي الأرض المحتلة. اعتقل حبش في سورية في مارس 1968 وسجن في سجن الشيخ حسين في زنزانة انفرادية إلى أن تمكن رفاقه من تهريبه في نوفمبر من نفس العام. سجن حبش غيّبه عن مرحلة حرجة في تطور العمل الفدائي في الأردن الذي شهد معركة الكرامة وصعود حركة فتح التي تحول إليها جزء مهم من الدعم السياسي والعسكري الذي قدمه جمال عبد الناصر.كذلك جاء غياب حبش عن الساحة وسط أزمة داخلية تعرضت لها الجبهة، ففي أكتوبر من نفس العام انفصلت مجموعة أحمد جبريل لتؤسس الجبهة الشعبية-القيادة العامة، ثم تصاعدت الأزمة داخل صفوف المؤسسين القادمين من حركة القوميين العرب مع نشوء مجموعة داخل الجبهة حول نايف حواتمة وياسر عبد ربه طالبت في مؤتمر الجبهة الأول في أغسطس بتبني الماركسية اللينينية الفوري والقطع مع البرجوازيات العربية ،وهاجمت بالفعل نظام عبد الناصر في صحيفة الحرية، في حين مال التيار العام في قيادة الجبهة (ومنهم حبش الذي حسم الأمر لدى عودته إلى الأردن في مطلع 1969) إلى التروي في هذا الطرح، ما دفع خصومه باتهامه باليمينية والانفصال ليؤسسوا ما عرف لاحقا بالجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين. فيما بعد تبنت الجبهة الشعبية في مؤتمرها الثاني عام 1969 الماركسية اللينينية.

.

مرحلة الأردن – العمل الفدائي والعمليات الخارجية

لم يعرف حبش نفسه قائدا عسكريا للجبهة واكتفى برسم خطها السياسي وتحديد أهدافها الإستراتيجية، وارتأى ورفاقه فاعلية أكبر في تنفيذ هجمات على مصالح غربية حساسة (مثل خط أنابيب التابلاين الناقل للنفط) أو مهاجمة أهداف معادية في الخارج، وعمليات ذات صدى إعلامي مثل اختطاف الطائرات واحتجاز الرهائن التي بلغت ذروتها في خطف عدد من الطائرات إلى مطار صحراوي في الأردن عام 1970 قبيل اندلاع حرب أيلول الأسود بين الفدائيين والجيش الأردني.

  في صيف 1970 سافر حبش في أول جولة له في دول المعسكر الاشتراكي حيث زار الصين الشعبية وكوريا الشمالية، وكان هناك لدى اندلاع اشتباكات أيلول في عمّان، فقطع زيارته ليعود عبر موسكو إلى بيروت التي بلغها بعد توقف الاشتباكات. عاد حبش إلى عجلون التي انسحب إليها الفدائيون بعد أحداث عمان وحاول تنظيم مقاومة مسلحة لحصار الجيش الأردني للفدائيين، ثم غادر الأردن في أبريل 1971 وانتقل إلى بيروت.

 

مرحلة لبنان

 في آب 1972 أسس جورج حبش بالتنسيق مع هاشم علي محسن حزب العمل الاشتراكي العربي.وفي 12آب من العام نفسه انعقد المؤتمر التأسيسي الأول للحزب في بيروت، واختتم جلساته في 14آب وصدر عنه التقرير السياسي المتضمن النهج الفكري والسياسي للحزب والمتضمن شعاراته الاستراتيجية.

 

 

بعد حرب 1973 عارض حبش التوجهات العربية نحو حل تفاوضي مع إسرائيل وكذلك المبادرة السياسية التي قدمتها الجبهة الديمقراطية وفتح للتعامل مع المستجدات، القائم على ” حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني، ورفض عودة الحكم الأردني إلى الضفة الغربية” ورفض مشاركة الفلسطينيين في المفاوضات على أرضية قرار مجلس الأمن 242 الذي يعني التنازل عن فلسطين التاريخية.

بعد حالة شد وجذب وافق حبش في المجلس الوطني الفلسطيني الذي عقد في الجزائر في أكتوبر 1974 على مقترح “قيام سلطة وطنية على كل جزء يتم تحريره.. مع مواصلة النضال انطلاقا منه”، إلا إنه اعلن بعد شهرين انسحاب الجبهة الشعبية من لجنة منظمة التحرير التنفيذية ومجلسها المركزي بسبب ما رأوه انحرافا من جانب قيادة منظمة التحرير نحو المشاركة في الحل التفاوضي وتخوفا من تحول الحل “المؤقت” إلى حل دائم، وبعدها لعب حبش دورا مهما في” جبهة الرفضوهي تحالف شكلته الجبهة الشعبية مع منظمات الجبهة الشعبية-القيادة العامة، وجبهة النضال الشعبي والصاعقة الرافضين للحل السلمي.

بعد زيارة أنور السادات القدس عاد حبش إلى التقارب مع قيادة منظمة التحرير والدول العربية التي اتخذت موقفا نقديا من خطوة السادات، ووافق على حل جبهة الرفض من أجل تشكيل جبهة الصمود والتصدي في اجتماع طرابلس الذي حضرته بالإضافة إلى فصائل جبهة الرفض فتح والجبهة الديمقراطية، مع قادة سورية وليبيا والجزائر واليمن الديمقراطي، ولعب حبش وصلاح خلف دورا مهما في انهاء حالة التجاذب بين المشاركين وخرج الاجتماع ببرنامج يرفض الاعتراف باسرائيل ويقاطع نظام السادات.

 

حرب 1982 والخروج من بيروت

 

شاركت الجبهة الشعبية في الدفاع عن لبنان أمام الاجتياح الاسرائيلي عام 1982، وكان حبش جزءا من القيادة الفلسطينية التي أدارت مقاومة الحصار وظهر في عدة مؤتمرات صحفية، وواظب على التواجد على محاور القتال. رفض التوجه مع عرفات إلى تونس واستقر في دمشق مفضلا البقاء في دول جوار فلسطين.

 

في الثمانينيات لعب حبش دورا مهما في التيار الفلسطيني المعارض لتوجهات القيادة الفلسطينية نحو مفاوضات قائمة على حل الدولتين. وجه حبش بعد زيارة عرفات للقاهرة في 1983 خطابا حادا يتهم قيادة عرفات بالتفريط ويصفها باليمين المنحرف ويطالب بإصلاحات في منظمة التحرير.  

أوقف اندلاع الانتفاضة الفلسطينية عام 1987 حالة الشد والجذب بين القيادة الفلسطينية والمعارضة وشاركت الجبهة الشعبية في القيادة الوطنية الموحدة، وأيد حبش بتحفظ إعلان الاستقلال الذي خرج عن المجلس الوطني الفلسطيني في الجزائر في نوفمبر 1988 الذي صيغ بطريقة فضفاضة تتيح قبولها .

عارض حبش إتفاق أوسلو بين منظمة التحرير إسرائيل ورأى أن نتائج أوسلو رجحت لمصلحة إسرائيل بشكل حاسم. رفض حبش العودة مع القيادات الفلسطينية التي عادت إلى الضفة الغربية وقطاع غزة بعد قيام سلطة الحكم الذاتي الفلسطينية.

في عام 2000، وفي مؤتمر الجبهة الشعبية السادس، استقال حبش من موقع الأمين العام ليخلفه في هذا الموقع مصطفى الزبري المعروف بأبي علي مصطفى والذي اغتالته قوات الاحتلال الإسرائيلي في 27 أغسطس 2001.

في ذلك الوقت أصيب حبش بنكسة صحية أدت الى فالج في جانبه الأيمن فمكث في دمشق.ومنذ العام 2003 إتخذ حبش من الأردن مكانا لإقامته وذلك بعد المشاكل الصحية التي عانى منها، وفي 26 يناير/كانون الثاني 2008 توفي في العاصمة الأردنية عمان بسبب جلطة قلبية. وكان حبش قد أدخل مستشفى الأردن بالعاصمة الأردنية أسبوعا قبل وفاته عقب تدهور صحته، ودفن في عمان.

في آخر أيامه مع طلال سلمان

 تعرض حبش لأكثر من محاولة إغتيال،كانت الأولى في 1969  في الأردن حين حاول أحد العملاء اغتياله في جنازة والده في عمان.

عام 1973 اختطفت طائرات إسرائيلية طائرة تابعة لشركة طيران الشرق الأوسط كانت متجهة من بيروت إلى بغداد كان من المفترض أن يكون حبش على متنها إلا انه قد ألغى السفر في آخر لحظة.

 

في عام 1982 تعرض بيته في بيروت إلى قصف إسرائيلي شديد نجا منه بالصدفة. كذلك في عام 1986 اختطفت طائرات إسرائيلية طائرة ليبية خاصة وأجبروها على الهبوط في مطار عسكري ظنا منهم بوجوده على متنها، فيما كان قد أجل سفره من ليبيا في آخر لحظة للقاء العقيد معمر القذافي، بينما كان على متن الطائرة مسؤولون فلسطينيون وعرب آخرون.

مع زوجته هيلدا

تزوج حبش في عام 1961  من ابنة عمه هيلدا حبش وأنجبا ابنتين.

 

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى