رأي

غزّة بين مسار الضمانات ومسار الجزائر (جواد الهنداوي)

 

   د.جواد الهنداوي – الحوار نيوز

 

  الجميع يبحثُ عن وقف إطلاق النار في غزّة ، او بالأحرى وقف الابادة الجماعية والحرب ضّدَ الإنسانية في غزّة ، والتي شبّهها الرئيس لولا دا سيلفا ،رئيس البرازيل ،بمحرقة النازية                ( ٢٠٢٤/٢/١٨ ) ،و اعتبرها  رئيس فنزويلاً بهولوكست ثاني       ( ٢٠٢٤/١/٣ ) ، وسبقهم الرئيس التركي اوردغان بهذا التوصيف لجرائم غزّة ،حين وصفَ علناً و بوضوح ، وبتاريخ ٢٠٢٣/١٢/٢٧، ” نتنياهو بهتلر ،وإسرائيل دولة ارهابية ،والجرائم المُرتكبه من قبل إسرائيل في غزّة تماثلُ جرائم النازية ” ( انظر في ذلك ، صحيفة رأي اليوم الإلكترونيّة  ، بتاريخ ٢٠٢٣/١٢/٢٣ ) . كذلك مقالنا وبعنوان ، موقف اوردغان تجاه غزّة : سياسي ام إنساني ، بتاريخ ٢٠٢٣/١٢/٢٩ ، صحيفة “الحوار نيوز” الإلكترونية اللبنانية .

الجميع يريد ايقاف الحرب ،و اقصد بالجميع محور الإبادة ،وفي مقدمتهم الكيان المحتل وامريكا ،ومحور المقاومة ،وفي مقدمتهم حماس والمقاومة في جنوب لبنان ، وكّلُ محور يريد ايقاف الحرب وفق شروطه . فالكيان المحتل يبحث عن نصر ،ليكون هذا النصر حُجّة لقبوله وقف الحرب ،نصرٌ يحفظُ ماء الوجه . ومحور المقاومة لا يُفرّطُ بما حقّقه من انتصارات في ٧ اكتوبر وفي صموده الأسطوري في المقاومة وتكبيده العدو خسائر في المعدات والأرواح .

وفي مقال للكاتب ديفيد هيرست ، في ميدل إست آي ،مترجم ومنشور في صحيفة “الحوار نيوز” الالكترونيةاللبنانية بتاريخ ٢٠٢٤/٢/٢٠ ، عن الحرب في غزّة ، يقول فيه ” استغرق الجيش الاسرائيلي اربعة اشهر لشق طريقه إلى قطعة ارض طولها 41 كيلومترا وعرضها 12 كيلومترا، وفي المقابل ،استغرق الأمر خمسة اسابيع كي يتمكن التحالف الدولي بقيادة امريكا للاستيلاء على بغداد عام ٢٠٠٣ …” (انتهى الاقتباس) . ويضيف الكاتب ايضاً ” استخدمت اسرائيل ذخيرة نفس ما استخدمته امريكا سبع سنوات في العراق …” انتهى الأقتباس.

استعنّا بهذه المقتبسات من مقال الكاتب ،كي نُظهر حجم الاستثمار الإجرامي لمحور الابادة في غزّة ، ومع ذلك لم يحقّق هذا المحور الاهداف السياسية والعسكرية المطلوبة .

صمدت المقاومة عسكرياً في غزّة ،ولكن هل ستصمد سياسياً ؟ واقصد هل ستقاوم طلبات وإلحاحات وضغوط الوسطاء العرب الساعين لانجاح صفقة تبادل الاسرى ووقف الحرب في عزّة ؟

ما يجري اليوم ،هو في الحقيقة سباق بين مسار وقف الحرب ،عبرَ اتفاق بين المقاومة في غزة والكيان المحتل وبوساطات وضمانات  قطرية و مصرية وتركية ، ومسار لوقف إطلاق النار عبر قرار لمجلس الامن الدولي ،بموجبه يفرض المجلس على إسرائيل وقف أطلاق النار .

فرق كبير بين المسارين . محور الابادة مُستقتل من اجل ابرام اتفاق ثنائي غير مباشر بين حماس والكيان ، وبموجب الاتفاق يتم ايقاف الحرب ،و سيتضمن الاتفاق حتماً إطلاق سراح الاسرى لدى حماس ، بينما محور المقاومة يسعى إلى وقف الحرب بقرار يصدره مجلس الامن الدولي ،و قد تبنّت الجزائر  طرح مشروع امام مجلس الامن الدولي لوقف حرب الابادة في غزّة ، بتاريخ ٢٠٢٤/٢/٢٠ ، وصوتت ١٣ دولة لصالح المشروع وأمتنعت بريطانيا عن التصويت ، واستخدمت ،كما هو متوقع ،امريكا حق النقض ( الفيتو ) ضدَ القرار . وهذا الفيتو الثالث الذي استخدمته امريكا ضد مشاريع وقف الحرب في غزّة ،الأمر الذي يجعل امريكا مُشاركاً فاعلاً في صناعة الموت والمجاعة والإبادة في غزّة .

المقاومة في غزّة امام موقف سياسي صعب و تاريخي ، واصبحت امام معركة سياسية لا تقلُ ألماً من معركتها العسكرية ،فهي إما ان تصمد وتتمسك بشروطها في المفاوضات  ،التي تراها منطقية وتضمن مصالحها وتعزّز صمودها وانتصارها العسكري ، و إمّا ان ترضخ لضغوط الوساطات التركية والمصرية والقطرية ؛ وساطات وبتنسيق مع امريكا وإسرائيل ، و بضمانات وتعهدات مصرية وتركية على التزام إسرائيل بما يتم الاتفاق عليه .

لا نشكُ في النيات الحسنة للوساطات المصرية والقطرية والتركية ،ولكن نشكُ في الارادة السيئة لإسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية،والمآلات التي ستصلُ اليها تعهدات اسرائيل والتزاماتها بأي اتفاق يُبرمْ بين المقاومة الفلسطينية في غزّة واسرائيل . ولنا في اتفاقيات اوسلوا المُبرمة بين السلطة الفلسطينية و اسرائيل في عام ١٩٩٣ خير شاهد على تنصّل اسرائيل والذين ضمنوها لتنفيذ ما اتفقت عليه إسرائيل .

مِنْ بين اهداف التحركات السياسية والدبلوماسية و المصالحات التي تتم بين دول المنطقة هو هدف وقف إطلاق النار في غزّة ،وبما يحفظ ماء وجه ومصلحة الكيان الاسرائيلي ،وبناء على ارادة أمريكية ،وتحت يافطة أمن واستقرار و ازدهار المنطقة .

 * سفير عراقي سابق.رئيس المركز العربي الأوربي للسياسات وتعزيز القدرات /بروكسل / ٢٠٢٤/٢/٢٢

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى