ثقافةفنون

رحلتي مع روميو لحود (مارسيل خليفة)

 

بقلم مارسيل خليفة -الحوارنيوز – خاص

روميو لحّود في “حارة” عمشيت.
مازال في وسع الذاكرة أن تشير إلى تاريخ بعيد. إلى “حارة” تفيض عن الطريق. إلى مضائق رائحة أشمها من النوافذ المفتوحة على الحديقة لأقيس المدى المفتوح بوتر العود.
كنت برفقة أبي وبحضرة الأستاذ أعزف تقاسيم على مقام الصَبا. في بياض لقاء لا ينتهي. كأنّه سفر العدم! لأقوم بعدها بأول رحلة فنيّة إلى فرنسا مع فرقة روميو لحود بدعوة من الشبيبة الموسيقية الفرنسية. والفرقة عرفها البيروتيون بين شباط ١٩٦٥ وحزيران ١٩٦٧ على خشبة مسرح فينيسيا، عندما قَدَمَتْ ثلاث برامج فنيّة “ميجانا”، “موّال”، “عتابا ” من نوع الاستعراض الموسيقي الغنائي. وقد اختير استعراض “ميجانا” ليقدّم في أربع عشَرة مدينة فرنسيّة مختلفة. كان عبد الحليم كركلاّ المدير الفني للفرقة وعصام رجّي نجم الاستعراض يصدح بألحان زكي ناصيف وكان دوري تقديم وصلتين منفردتين على العود.

السَّمْت الذي يَسْمِت به ويتفرَّد روميو لحود: الشغف بالجمال والولع بفن التعبير وشق الطريق الذاهب نحو تنمية لغة خاصة في المسرح، عبر التخوم المتنقلة بين أجناس ابداعيّة، من غير اغتراب أو انشراخ أو ازدواجيّة فِصاميّة في الذات.

هذا الفيض المتكثّر من الصُوَرْ والخيالات المنهمرة، هذا الزاد الثّرُ في الشفاف، هذه الحساسية الجمالية العالية للطاقات الغميسة في أكنافها، هذا الانجذاب الجنوني إلى الاستعراض والحوك ، الى تدفق التعبير في هدأته وصخبه، هذا الانخراط المتمادي بالخشبة، هذه الالفة الدائبة في الأعمال دون انقطاع. هذه جميعها عدّة الرجل وعتاده يكتشفها وتصطحبه في الخسارة والربح.

أعود اليوم إلى بياض لقاء أول لا ينتهي. كأنّه سفر العدم. ربما نعثر على جدوى هذا العبث.
ما سر انبثاق هذا البعيد؟
أهو البحث عن طفولة المكان؟
أم هو الاقتراب من سؤال: ما البداية؟ ما النهاية؟
نسيطر على الغياب ونستولي على البعيد إلى سفر لا نعرف حدّاً له بحثاً عمّا يؤجل أولاً قداسة المكان وليس آخرها سخرية الزمان.
المسافر هو العائد إلى مكان الخطوة الأولى.
المسافر هو العائد إلى العتبة الأولى.
المسافر هو العائد.
الحياة تجري بنا ولذاتها تنسانا على مهل على ضفاف لم نحلم بها .. قويّة إلى حد النسيان.

أسألك : هل ما زالت أشجار حديقتك العالية تمتلأ بالعصافير التي تأتي لا لترحل بل لترتديها الشجرة؟
أعرف بأنك تحّن إلى حديقة آمنة لتهرب من قلق يتوتّر إلى حد التساؤل عمّا فعلت في هذا العمر السريع.
كم كان الوطن أغنيتك المنشودة وجنتك المفقودة.
صباحاً كان يطفو على سطح مخيلتي الصغيرة (نشيد وديع صبرا) الذي طالما رددناه في عيد الاستقلال. وترحل اليوم في العيد لتزور في البياض أنقاض ضيعتك: زيتونها، تينها، صبّارها.

هل حاولت إشغال نفسك بأمر الغياب حتّى تنفض الحلم؟

روميو لحود، شكراً لك!

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى