ثقافةفنون

“حيث تختبئ النجوم”.. معرض الفنان الياباني ميزوكامي في إيطاليا

الشاهد الأبرز في المعالجة المعاصرة للطين

 

هدى سويد ـ إيطاليا- الحوار نيوز

 

تجول أعماله الفنيّة ما بين المناطق الإيطاليّة، وكان آخرها في توسكانا الواقعة في الوسط الإيطالي، وإن كانت ميلانو الواقعة في إقليم لومبارديا  الشمالي مقره الدائم منذ سنوات.

هوالفنّان الياباني العالمي “كازوماسا ميزوكامي*” ومعرضه الذي دام خمسة أشهرحمل عنوان مضمونه الساحر “حيث تختبئ النجوم”، واختار مكانا له متحف لأبرشية ، محاورا مجموعتها التي نفّذها فيما مضى فنانون مشهورون أمثال “جاكوبو ديلاكويرشا”،”فيليشه بالما” و”دومينيكو فيازيلا” ،ولعلّ اختياره للأبرشية ربما يعود لسكونها القادر على بثّ واستكمال المناخ المطلوب لأعماله النحتيّة ، التي بلغت حوالي 46 تم تحقيقها واختيارها ما بين 2016 لغاية اليوم ، بالتالي يمكن القول إنها إن جاز التعبير بمثابة سفرالسنوات الأخيرة، أما مادتها النحتيّة فهي مكوّنة باختصار من الطين واللون ، الظل والضوء .

لا يُمكن قراءة أعمال ميزوكامي (مواليد آريتا 1958)  دون الإشارة سريعا إلى سيرته ونشأته ، التي انطلقت بمعايشته منذ طفولته، إن جاز التعبير، من فرن فني إلى جانب والديه ، اللذين يمتهنان صقل الفخار في مدينة مشهورة بصناعة السيراميك المُسمّى “أيماري” المُتخذ من اسم مرفأ إيماري الياباني الذي كانت تنطلق منه قديما بواخر السيراميك التي تنتجها مدينة آريتا ، وهو فن يعود إلى ما بين القرن السادس والتاسع عشر،غني بخصائص تزينيية لمواضيع الطبيعة، المميزة باللون الأزرق تحت التزجيج، والأحمر الحديدي المؤكسد فوق خلفيّة بيضاء .

حواء يوم تحولات آدم
تنهد الطبيعة
اللانهائي

منذ طفولته امتص ميزوكامي الفن هذا واستوعب ثقافة معالجة الطين، إلاّ أنه لم يرغب البقاء حرفيّا وإنما فنان ، لذا ساقه حلمه إلى الطيران خارج آريتا متوجها إلى المكسيك حيث عكف على دراسة فن النحت ،كما كانت له دراسات واهتمامات مماثلة ومختلفة فنيّا في اسبانيا، انتقل بعدها الى ميلانو وفيها إقامته الدائمة ، مترددا على أكاديميّة “بريرا*” حيث تلقى الدبلوم سنة 1992  إثر ذلك، ومع صقل تجربته الفنيّة أقيم له أكثر من معرض فني منها إيطاليا ، المكسيك ، سويسرا ، أسبانيا إلخ..

لا يُمكن تناول أعمال الفنان في معرضه الأخير بمعزل عن تأثره بجذور الفن الياباني ، التي استمدها من الثقافة اليابانيّة ذات الصلة الوطيدة بالطبيعة وما يحيط بها من أشجار، زهور، صخور، حيوانات وعلاقتها بالعنصر البشري والروحانيات.

هي ثقافة “الشنتوية”، الدين الأصلي في اليابان، وما يؤول إليه من تطهير العيوب البشرية ، وهي أيضا ثقافة الجبل الملاذ لممارسة الروحانيّات، التي تشهد معابد قديمة تعود إلى ما قبل القرنين الثالث والرابع ، لذا لا يصبح المعبد مكانا للصلاة ، بقدر ما هو ملاذ لتنقية الروح بواسطة ما يحيط  به من طبيعة ،بالتالي فإن الطبيعة اليابانية ليست سوى فنّ تناغم وقوة روحانيّة ، تدخل هكذا دون رادع في ثقافة أل “زن” ،التي تأثرت كما تأثر الفن الياباني بالدين والفن الصيني اللذين وصلا اليابان عبر الرحلات التبشيرية الصينية .

زهور وفراشات
الفصول
القمر

من هذا المنطلق يمكننا قراءة أعمال الفنان من خلال تجربته كأحد أبرز فناني معالجة الطين المُعاصرة ، وشاهدا على عمل تقني ونقي مرهف للطبيعة بكل عناصرها من ورود ، أشجار ، طيور، أجساد، فضاء ومساحات ، ناسين من شدة إتقانها عند رؤيتها أن مادتها الطين وليست المائيات أو الزيتيات (أحيانا تقنيّة مختلطة).

تنساب أشكال ميزوكامي التي تغدق فرحا تترجمها فعلا أعماله ، ورودا ملونة بالأزرق والأحمر القاني  والزهري والأخضر، نلمح فيها كافة الفصول ،أو أشكالا مختلفة إنسانيا بحضورها، قادر من خلالها على إيصال روحه وأسلوبه فيما يُشبه الحوار بينه وبينها النابع من المعالجة الشرقية ، ومن احترامه للغة تقنيته ومن قدرة خفيّة في انسجام العمل فكرة ، شكلا ولونا وضوءا وهذا ما يميزه ، بالأسماء التي يطلقها على لوحاته فيشعر المرء أنه أصاب ونقل إلينا ما أراده من خلال اللون والمادة ، ك” تنهد الطبيعة” ، يوم تحولات آدم ، حواء والتفاحة ، “اللانهائي” (2019) حيث الورود تسبح بخفة في الفضاء، الأزرق الغامق للزهور المُسمّاة  ب “الليل الذي يراقص النجوم” (2014)، أو “رقصة المطر” (2016) وأخيرا “وضوح القمر”(2016) .

 

*Kazumasa Mizokami   

*هدى سويد صحافيّة وكاتبة لبنانية تعيش في إيطاليا.     

  

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى