تربية وتعليمثقافة

جولة في هموم الجامعة اللبنانية(غدي صالح)

كتب غدي صالح – الحوارنيوز خاص

شكّلت الجامعة اللبنانية منذ تأسيسها في العام 1955، أساس التعليم العالي في لبنان. كان طبيعياً، مع مرور الوقت، ومع توسّعها وتفريعها، أن تتعرض لمختلف أنواع الضغوط السياسية والطائفية، إلى أن تحوّلت، وبحسب أهل الجامعة أنفسهم، إلى ساحة للتوظيف السياسي والطائفي والمذهبي، أي أن صورتها باتت جزءاً من صورة البلد غير الجميلة.

يُجمع أهل الجامعة على وجود تدخل سياسي في الشؤون الداخلية لهذا الصرح التعليمي، ويتخذ أشكالاً متعدّدة، لكنهم يختلفون في ما بينهم حول حجم هذا التدخل، علماً أن التدخل يمتد من تعيين رئيس الجامعة والعمداء، مروراً بمديري الفروع والكليات، وإمتحانات الدخول، بهدف السيطرة على كليات الجامعة. إذا يجد الشباب اللبناني نفسه محاصراً، لا ينفكّ عن التفكير في مشكلةٍ حتى يقع في مشكلة أخرى، ففي ظلّ هذا الإنهيار يُحرم الآلاف من الشباب من التعليم الجامعي وخاصةً بعد لفظ الجامعة اللبنانية أنفاسها الأخيرة.

إن أبسط المستلزمات المطلوبة للتعليم غير متوافرة، “وفي حال افترضنا أنها متوافرة فهل الطلاب يستطيعون النزول من قراهم للعيش قرب جامعاتهم؟ والجواب طبعاً لا، إضافة إلى كون العديد  من الطلاب غير قادرين على الوصول إلى قاعات التدريس، وبأن السكن الطلابي غير متوافر لجميع الطلاب. 
فالوصول إلى الجامعة بات يشكل عبئاً على الطلاب والأساتذة، لأن معاشات الأساتذة على حالها وأهالي الطلاب غير قادرين على تحمّل هذه الكلفة. وبالمناسبة فإن التعليم عن بعد في ظلّ أزمة الكهرباء التي باتت معضلة تواجه المواطنين كلّ يوم، في ما المولدات البديلة شبه متوقفة.  وبعد، هناك ضرورة تعديل المناهج بما يتلاءم مع حاجاتنا اليوم لتقديم شيء منتج في هذا البلد، إذ تختلف المناهج في الجامعة اللبنانية بين كلية وأخرى، وذلك نظراً لغياب التنسيق، فكل كلية تعتمد المرجع الذي يحدّده أستاذ المادة، ما يسبب إختلافات كبيرة بين ما يتلقاه الطلاب من مضمون تعليمي بين فرع وآخر. إضافة إلى هذه المشكلة، الجامعة تتعاطى بشكل تجاري مع التعليم، بعيداً عن دورها الأكاديمي أو التربوي. فتعديل المواد هو فقط بتغيّر الغلاف الخارجي، وليس إلّا أداة يستخدمونها من أجل بيع الكتب للطلاب من جديد. وأغلب طلاب الجامعة اللبنانية من الطبقات الفقيرة أو المتوسطة، فالطالب يتكلف ما يقارب ٣٠٠ ألف ليرة ثمن كتب مصوّرة وهشّة.

إن طالب الجامعة اللبنانية قد انتسب إليها بسبب تواضع حالته المادية، والتعاطي معه وفق أسس تجارية هو أمر غير مهني وغير إنساني.  وهناك العديد من الطلاب الذين يتقاسمون شراء الكتب ويشترون نسخة واحدة لعدم قدرتهم على شراء نسخ خاصة بهم. هؤلاء الطلاب آتون غالباً من مناطق بعيدة، ويقضون يومهم على الطرقات في الحافلات وفي زحمة السير، ويبقون طوال يومهم دون شراء أي لقمة كي يوفّروا المال اللازم ثمّ يأتي من يتاجر بهم…!!

وأيضاً، مثلما نعلم جميعاً فإن موازنة الجامعة اللبنانية ضئيلة جداً نسبةً لعدد الطلّاب المسجّل فيها ولدورها الريادي المفترض أن تلعبه. فنقص التجهيزات اللوجستية التي تحتاجها العملية التعليمية، هي شكوى تجتاح أغلب فروع الجامعة اللبنانية، فالموازنة غير كافية لتجهيز الجامعة بالأساسيات التي يحتاجها الطلاب، مثل الكراسي وقلة عددها وقاعات الدروس وصغر حجمها. وهناك تفاوت وتمييز بين ما يخصص من موازنات لكلّ فرع من فروع الجامعة اللبنانية. وذلك يدخل ضمن تقسيم الجامعة على أساسٍ طائفي- مناطقي.

 إضافة إلى ذلك، يشير بعض الطلاب إلى عدم توفّر دورات مياه لائقة للاستخدام. حدث ذات يوم أن اضطرّ البعض إلى حلّ امتحان على الأرض، وذلك بسبب نقص الكراسي، إزاء هذا الواقع المؤلم والمؤسف، نرفض نحن – طلاب الجامعة اللبنانية- الوضع الذي أوصلتنا إليه السلطة السياسية، من تقشّف في الموازنة وهدر للمال العام لصالح متعهدي القطاع الخاص وصولاً الى واقع البنية التحتية المتردّي. ونطالب السلطة ببناء مجمّعات لائقة وتوحيد الفروع بعد أن قامت بتوزيعها طائفيّاً ومناطقيّاً على أحزاب السلطة.

 هناك تعطيل واضح لقيام انتخابات لتفعيل المجالس الطلابية منذ أكثر من 10 سنوات. تتحمل مسؤولية هذا التعطيل الأحزاب السياسية (فهي المسيطر الأول والأخير على هذه المجالس)، كما يتحمل جزءاً من المسؤولية الطلاب أنفسهم الموالون للأحزاب السياسية والطائفية، ما أدّى إلى غياب تمثيل الطلاب والدفاع عن مطالبهم أمام إدارة الجامعة. وللمجالس الطلابية إمتيازات، ووفقاً لنظام الجامعة يحق لهذه المجالس الإشراف على سير العملية التعليمية، وهوما يتعذّر هذا الإمتياز على الأفراد. وفي النظام التعليمي، هناك آلية لتقييم أساتذة الجامعة من قبل الطلاب، وهناك ضرورة لإعادة تفعيله، فهناك عشرات الشكاوى بحق عدد من الأساتذة، دون أي إمكانية لمساءلتهم فعلياً أو فتح تحقيق حول تهم تتعلق بمصير الطلاب.

إذاً، نحن اليوم بأمسّ الحاجة لانتخابات طلابية عادلة، تنبثق عنها مجالس طلابية كفيلة بتمثيل جميع الطلاب، وليس مجالس طلابية تابعة لأحزاب طائفية. هؤلاء طلاب لا يمتلكون امتيازات طلاب مجالس الفروع، الذين يُمنحون شهادات من دون حضور المحاضرات أحياناً، ويُفتح لهم المجال لإكمال دراساتهم العليا من دون وجه حق على حساب الطلاب الأكفأ، وتُؤمن لهم وظيفة في الجامعة من دون الخضوع لأي معايير. هؤلاء لن يسألوا عن سوء حال المختبرات، فهم قد لا يحتاجونها أصلاً. إذ لا يطلب منهم مقابل الشهادة الجامعية أو الوظيفة سوى الارتهان للجهة التي عينتهم. ولن تعنيهم المباني السيئة التجهيز التي يعاني الطلاب فيها، إما من الحر أو من البرد، ومن عدم توفر الحمامات الصالحة للاستخدام. فعلى الطالب أحياناً البقاء يوماً كاملاً في مبان لا تتوفر فيها المقومات اللازمة لذلك.

 هي نفسها المباني التي تحدث عنها منذ حوالى خمس سنوات رئيس الجامعة السابق عدنان السيد حسين في حفلة تخرج طلاب كلية العلوم، يومها ألقى السيد حسين خطاباً يهاجم فيه الهدر والفساد. وقال حينها أن كلفة استئجار بعض مباني الجامعة تبلغ 12 مليون دولار سنوياً، وأنه مبلغ كاف لإنشاء مبنى بتجهيزات حديثة كل عام. ورغم مرور السنوات والحديث عن رغبة بمكافحة الهدر، إلا أن أحداً لم يقرر بعد التخلي عن المباني المهترئة وتجهيز مبان حديثة، ربما لغاية في نفس منتفع. وما يزيد الأمر سوءاً تركيب البرامج والدوام بما يتناسب وأوقات الأساتذة، الذين لديهم الكثير من الانشغالات خارج الجامعة، وإن كانوا متفرغين، ليرمى الطلاب ببرنامج قد يتضمن خلال اليوم الواحد أربع ساعات فراغ أو أكثر، وهو ما يستهلك طاقة الطلاب، كما يحرمهم من فرصة العمل أثناء الدراسة.

لم تترك سياسات السلطة بحق الجامعة الوطنية سوى خيار مواصلة النضال النقابي، من أجل جامعةٍ وطنية مستقلّة، و”انتظام الطلاب من مختلف الجامعات تحت لواء اتّحادٍ طلابيّ جامع يكون منصّةً نقابيّة تنتزع حقّنا اليوم في تعليمٍ لائق على الصعد كافّة”، فإن جامعتنا التي استُشهد لأجلها من سبقنا إلى الحركة الطلابية التحرّرية ما زالت منذ مطلع القرن الجاري أسيرة أنظمة وإجراءات عنصرية إقصائية.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى