رأي

ترسيم الحدود البحرية : بين التنازلات “الرسمية” والمطلوب وطنيا( ماري الدبس)

 

ماري ناصيف الدبس* – الحوارنيوز – خاص

 

بعد سكوت الطغمة المسيطرة في لبنان عن تسمية “الخط الأزرق” الذي يحاول الكيان الصهيوني المغتصب فرضه، منذ التحرير في العام 2000، حدودا برّية جديدة على وطننا، رغم الهزيمة التي مني بها نتيجة المقاومة الشعبية لاحتلاله، ما كنا نخشى منه في مجال ترسيم الحدود البحرية، وما طرحناه منذ بضعة أيام على شكل تساؤلات، أصبح حقيقة شبه واقعة.

هذه الحقيقة تقول إن الطغمة المسيطرة مستعجلة على توزيع الحصص في ما بين أفرادها؛ وهي، من أجل ذلك، تسعى للتوقيع السريع على ما توصّل إليه “الوسيط الأميركي” عاموس هوكشتين بعد أشهر من الكر والفر والذهاب والإياب، أو بالأحرى ما كان مرسوما منذ البداية في مجال تحديد حدودنا البحرية ضمن الخط 23 الذي يتناسب و”الخط الأزرق” المشار إليه سابقا، بما يعني التنازل عن 30 مترا شمالي رأس الناقورة وعلى طول الحدود الجنوبية مع فلسطين المحتلة، هذا في البر، أما في البحر، فالتنازل أكبر، إذ يشمل 2430 كيلومترا مربعا من مياهنا الاقليمية… وهي المساحة التي تفصل الخط 23 المقترح أميركيا عن الخط 29 الذي يشكّل حسب القانون الدولي حدودنا المائية.

والأنكى في الموضوع أن نائب رئيس المجلس النيابي المكلف من رئيس الجمهورية بملف المفاوضات – والذي تحاشى الرد عن كثير من الأسئلة التي طرحت عليه إبان مؤتمره الصحفي منذ يومين – أتحفنا بالقول إننا لولا “المعادلة الذهبية التي تعني الجيش والشعب والمقاومة” لما كنا توصّلنا إلى الحصول على حقوقنا هذه التي وهبنا إياها هوكشتين… بل، وزاد في “تربيحنا جميلة” بالقول إن هذا الذي يقوله موقف شخصي… واضربي يا مزيكة !

لا نعتقد أن المقاومة في لبنان، على تعدد تسمياتها واختلاف مشاربها، يمكن لها أن تقرّ بالتخلي عن كل هذه الأرض التي دفعنا ثمن حريتها دما غاليا وآلاما ودموعا، ولا أن تكتفي بالقول إن استخراج الغاز يجب أن يتم في آن معا في حقلي “كاريش” و”قانا”. فالمقاومة لا تتخلّى، بل لا يجب أن تتخلّى عن شبر واحد من تراب الوطن أو عن فلس واحد من ثرواته الطبيعية التي تعود، بالأصل، لشعبه، ولأجياله القادمة التي شردها النهب المنظم من قبل الطغمة المالية والمصرفية وممثليها في مؤسسات الحكم.

إذا، ما هي القضية؟ وهل دخلنا في مجاهل التطبيع عبر الترسيم؟

نطرح هذين التساؤلين، خاصة، لأننا سمعنا أجوبة، لم تعجبنا، تتعلق بأن الحديث عن “ترسيم الحدود مع إسرائيل”، والتغاضي عن مصطلح “فلسطين المحتلة”، نابع من المعادلات الدولية ومن تسميات النظام العالمي المتمثل بالأمم المتحدة !… كل ذلك، على وقع تحركات مشبوهة دعت وتدعو، تارة إلى عودة العملاء الفارين “لدواع إنسانية”، وطورا إلى اتفاق صلح مع العدو الذي قتلت عصاباته في العام 1943 المقاوم عساف الصبّاغ، والذي نفّذ مجزرة حولا في العام 1948، والذي لايزال يحتل جزءا عزيزا من لبنان، إن في القرى السبع أم في مزارع شبعا وتلال كفرشوبا وقرية الغجر… ناهيك عما خلفته الاعتداءات والاحتلالات من مجازر أخرى، بدءا بقانا ومرورا ببيروت وانتهاء بالجمالية.

التنازل عن أرض الوطن يعتبر في كل المعاجم الوطنية العالمية خيانة. هكذا تعلمنا منذ الصغر، وعلى هذا الأساس حملنا السلاح ضد المحتلين، وعملنا على طردهم من بيروت، أولا، ومن ثم من أغلبية أرضنا المقدسة.

 

* باحثة اكاديمية وعضو قيادة الحزب الشيوعي اللبناني

 

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى