رأي

النظام العام والنظام الدولي وسيادة وسياسة الدول (جواد الهنداوي)

 

د.جواد الهنداوي* – الحوار نيوز

 

 

            بين النظاميّن تداخل وأكثر من علاقة ؛ علاقة تعاون وتوظيف وأحياناً علاقة تنافر وتعامل بالاكراه ، وهذه العلاقة (تعاون)  او تلك ( تنافر ) ، وفقاً لنظام ولسياسة الدولة .

           ولكن قبل توضيح وشرح ما تقّدمْ ، نعرّفُ النظام العام ( Ordre publique) ، و النظام الدولي ( Ordre international)   . النظام العام هو مجموعة التشريعات والقيم والاعراف التي تحكم المجتمع والفرد والدولة ،و يختلف بطبيعة الحال من دولة الى أخرى ،و على ضوء النظام العام تُرسمْ سياسة الدولة ومصالحها ، مع الأخذ بعين الاعتبار مُحدّدات وفروض النظام الدولي .

أمّا النظام الدولي فهو مجموعة التشريعات والمواثيق والقرارات الامميّة  والدوليّة ( ميثاق الامم المتحدة مثلا) ، وكذلك مواقف وسياسات الدول العظمى ،جميعها تؤلّف النظام الدولي .

اذاً  هناك مصدران للنظام الدولي : مصدر رسمي مُعترف به من قبل جميع الدول الاعضاء في الامم المتحدة ،و عناصر هذا المصدر ،مثلما ذكرنا التشريعات والمواثيق الدولية و الاممّية والتي حَظيّت بموافقة ومصادقة كافة او اغلب الدول ، ومصدر آخر شبه رسمي وعناصر هذا المصدر هي مواقف وسياسات الدول العظمى ، وهم الاعضاء الدائمون في مجلس الامن ، والذين يمتلكون حق الفيتو وحق تطبيق او عدم تطبيق المصدر الرسمي للنظام الدولي ،يعني بعبارة أخرى، حق اصدار او منع اصدار قرار اممي بخصوص حدث دولي ما .

   أصبحَ النظام الدولي ، ومنذ تسعينيات القرن الماضي ، محكوماً ، وبصورة مطلقة و مؤلمة للوعي الانساني والقيم الانسانيّة ، ليس بميثاق الامم المتحدة ، و انما بمواقف ومصالح الدول الخمس العظمى، وخاصة الولايات المتحدة الامريكية . الامر الذي تركَ اثراً سلبياً كبيراً على النظام العام للدول ،وخاصة دول الجنوب ، وعلى سيادة وسياسة الدول .

اصبحت الدول و شعوبها ، وخاصة دول الجنوب او دول العالم الثالث ، امام طريقين او مسارين : إما حماية نظامها العام وسيادتها وسياستها ، و بوسائل الصبر و الصمود وتعزيز القدرات ، و بتضحيات و مواجهة تحديات ،وإما تكييف نظامها العام و المضي مع تيّار النظام الدولي ، ورهن سيادتها وسياستها لمصالح النظام الدولي السائد .

   أصبحَ النظام الدولي ( Ordre publique  ) مُنحرفا ، وعنواناً للظلم و الاستبداد ،ليس فقط في نظر شعوب و دول العالم الثالث او دول الجنوب ، و انما ايضاً في نظر شعوب الدول ،التي تطّبق و تدعم النظام الدولي الظالم و المُستبدْ ، وكشفت جرائم الابادة في غزّة ، والتي نُفّذت بإرادة و دعم اغلب الدول العظمى الراعية للنظام الدولي ، هذه الحقيقة ؛ حقيقة كانت في سُبات في وعي شعوب العالم ، و استيقظت على أنين الاطفال وبريق دمائهم البريئة ،التي سُفِكتْ في غزّة .

  لم يعُدْ الصراع في منطقتنا ، والذي له صفة العولمة ، صراعاً فلسطينياً اسرائيلياً او صراعاً عربياً ( على الصعيد الشعبي ) اسرائيلياً ، و إنّما صراع تقوده دول و حركات على مستوى المنطقة ،وشعوب حرّة على مستوى العالم، ضدَ نظام دولي موبوء بالظلم والاستبداد و العنصرية .

سبب هذا الانحدار في النظام الدولي هو قيادته من قبل الصهيونية العالمية ،لذلك تظهر عورات هذا النظام ،وبصورة جليّة في قبحها ، في منطقتنا حيث يعشعشُ ” بيت العنكبوت ” اسرائيل ،نواة و اداة الصهيونية . و ما هو برهان و حُجّة على قولنا ، الحروب التي شهدتها منطقتنا ،والحصار والعقوبات وكل ممارسات خرق القانون الدولي و ميثاق الأمم المتحدة التي واجهتها شعوب و دول المنطقة .

امتدّت تداعيات خراب واستبداد النظام الدولي إلى سيادة وسياسات الدول ،وخاصة دول المنطقة ،التي واجهته و تواجه ،و ترفض الانصياع لارادة دولية تتعارض مع النظام العام لتلك الدول المواجهة ،وسيادتها وسياساتها . و لتعزيز هذه المواجهة ، تأسّست منظمات و حركات  ذات طابع اقتصادي (منظمة شنغهاي مثلاً ) ، وسياسي و عسكري ( حركة الحوثيين ، والحشد الشعبي مثلا ) ، و محاور ،كمحور المقاومة في المنطقة ،والذي له بعد سياسي وعسكري ودبلوماسي، يتجاوز حدود المنطقة ،ويحتمي برعاية سياسية دوليه ،و دول عظمى كروسيا و الصين .

 * رئيس المركز العربي الاوربي للسياسات وتعزيز القدرات /بروكسل / ٢٠٢٣/١٢/١.

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى