إقتصادمصارف

أعادة الودائع ليست حلما (عماد عكوش)

 

بقلم الدكتور عماد عكوش – الحوار نيوز

مر اكثر من اربع سنوات على الازمة المالية والنقدية والاقتصادية غير المسبوقة التي يعانيها لبنان ، من دون ان يظهر بصيص امل في كيفية استعادة اموال المودعين ، وخصوصاً ان حكومة الرئيس نجيب ميقاتي لا تزال تتخبط ، ولم تتوصل إلى خطة ناجزة للتعافي ، وتحاول تلافي الاصلاحات المطلوبة من قبل صندوق النقد الدولي لانقاذ الوضع الاقتصادي ، كونها موجعة للشعب اللبناني ، وهذا امر لا يريد المسؤولون السياسيون وحاشيتهم تحمل تبعاته الشعبية وبنفس الوقت هم لا يريدون المشاركة في تحمل المسؤولية من أموالهم الخاصة .

ان ما يحصل عليه المودعون اللبنانيون من ودائعهم منذ بداية الأزمة ، هو بضع مئات من الدولارات نتيجة تعاميم مصرف لبنان التي تسمح لهم بأخذ جزء من ودائعهم ، إما بالدولار الـ Fresh   كمبلغ محدود أو بالليرة اللبنانية على سعر 15 ألف ليرة للدولار الواحد ، وبمبلغ محدود أيضاً . ويبدو أن هذه الاجراءات ستستمر.

هذه الاجراءات هي جريمة منظمة بالتوافق ما بين الدولة اللبنانية ممثلة بمصرف لبنان والمصارف اللبنانية ، والمؤسف ان المجلس النيابي يشاهد كل هذا الظلم ويجلس متفرجا كأنه لا علاقة له بما يحصل ، وكأنه لم يكن شاهد زور على كل السرقات التي حصلت عبر الموازنات التي أقرها ، أو عبر تشريع الاقتراض بالدولار الاميركي والذي أدى بشكل كبير الى خروج الدولار من لبنان ، أو عبر تمويل عجز مؤسسة كهرباء لبنان من أموال المودعين .

ولتحديد المسؤوليات كان لا بد من تحديد حجم الخسائر الحقيقية للودائع من واقع البيانات المالية الاخيرة للمصارف ، فحجم الودائع الحقيقية لدى المصارف في نهاية ايلول من السنة الحالية كانت تبلغ حوالي 92.28 مليار دولار وهي مدولرة بنسبة حوالي 99.37 بالمئة ،اي ان الودائع بالدولار تبلغ حوالي 91.70 مليار دولار ، وتبلغ الاموال الخاصة للمصارف حوالي 15 مليار دولار أذا ما تمت المحافظة على موجودات المصارف وخاصة العقارية والمالية ولم يتم تهريبها ، كما تبلغ التسليفات والتي بمعظمها مقابل رهونات عقارية وبالدولار الاميركي ، حوالي 8.04 مليار دولار ، كما يبلغ حجم الاحتياطي الحر لدى مصرف لبنان حوالي 7.5 مليار دولار ، وموجودات خارجية 2.79 مليار دولار ، بالتالي فحجم الفجوة لدى المصارف اليوم بالدولار الاميركي دون الاخذ بالاعتبار الاموال الخاصة والودائع بالليرة اللبنانية ، تبلغ حوالي 58.37 مليار دولار ، ويمكن ان تنخفض هذه الفجوة الى أقل من ذلك في حال التدقيق في البيانات المالية وحسابات المصارف للتأكد من حجم الموجودات الخارجية والتي يتم تهريبها بشكل دائم أيضا وقد بلغ هذا التهريب أكثر من 12.89 مليار دولار خلال الفترة الماضية .

يضاف الى هذه الفجوة طبعا قيمة سندات اليوروبوند التي يملكها المستثمرون من خارج مصرف لبنان والمصارف التجارية، والتي تبلغ قيمتها حوالي 16.5 مليار دولار وديون حكومية ومؤسسات دولية 2.1 مليار دولار ، وبالتالي يصبح حجم الفجوة الاجمالية حوالي 76.97 مليار دولار، علما أنه خلال هذه الفترة تم اقتطاع نسبة لا بأس بها من ودائع المودعين عبر دفعها بموجب التعميمين 151 و 158 ،ومع ذلك لم تنخفض حجم هذه الفجوة نظرا لتلاعب السلطة والمصارف واستفادتهم مما يجري في المصارف ومصرف لبنان، ولا سيما في موضوعي الفوائد التي تتقاضاها المصارف دون ان تدفعها للمودعين ، ومن موضوع الدعم ومنصة صيرفة والتي استفادت منه الكارتيلات وحاشية السلطة .

نعود الى من استفاد من هذه الفجوة والخسائر بحسب الاحداث التي سبقت الانهيار او التي تبعت الانهيار . ان من استفاد من الودائع التي أودعت لدى المصارف التجارية، وجزء أساسي منها تم أيداعه لدى مصرف لبنان ،هم على الشكل الآتي :

-     مصرف لبنان والذي حقق خسائر كبيرة خلال ثلاثين عاما نتيجة لقروض الدعم التي تم توزيعها على المحاسيب من شركات ومؤسسات وأفراد ومصارف وموظفين .

-     المصارف التجارية والتي حققت أرباحا طائلة من الهندسات المالية ومن الفوائد المرتفعة التي حصلتها على حساباتها لدى مصرف لبنان ،وتم توزيع هذه الارباح على المساهمين ومجالس الادارة والمدراء التنفيذيين كحصة من الارباح المحققة .

-     مؤسسة كهرباء لبنان والتي نالت حصة كبيرة من السلف بالعملات الصعبة لشراء الفيول على مدى ثلاثين عاما وصلت الى أكثر من عشرين مليار دولار، واذا ما اضيفت اليها الفوائد فقد تصل الى حدود الاربعين مليار دولار .

-     الشركات ، المؤسسات ، والافراد الذين استفادو من سياسة الدعم التي اتبعها مصرف لبنان خلال الثلاث سنوات السابقة، وكلفت المودعين أكثر من عشرة مليارات دولار من الاحتياطي الذي كان موجودا لدى مصرف لبنان .

انطلاقا من هذه الحقائق لا بد من توزيع هذه الخسائر بشكل عادل، لكن بعد استعادة التحويلات  للخارج منذ بداية العام 2018 كاملة ، أو بالحد الادنى دفع ضريبة عليها بنسبة عشرين بالمئة في حال اختار المودع عدم أعادتها لصالح صندوق خاص يتم تأسيسه لمصلحة المودعين .

هنا نشير أيضا الى أمر مهم وأساسي، وهو أنه خلال فترة الاربع سنوات السابقة ،قامت المصارف بتجميد الودائع بشكل شبه كلي دون دفع الفوائد المحققة عليها وفقا للنسب التي كان معمولا بها سابقا ، أو حتى بما يتلاءم مع نسب الفوائد التي تتقاضاها المصارف من مصرف لبنان والحكومة اللبنانية ، وبما ان أصحاب الودائع قاموا بسحب جزء من ودائعهم وفقا لتعاميم أدت الى أقتطاع جزء أساسي من السحوبات ، فإن أصحاب الودائع الكبيرة والتي ما زالت لدى المصارف ، يكونون قد تحملوا حصتهم من الخسائر بشكل غير مباشر وبالتالي لا يجب تحميلهم أي جزء من الخسارة شرط أثبات عدم تحويلهم لاي مبلغ الى الخارج بشكل غير مبرر أخلاقيا أو بشكل مخالف للتعميم 154 .

وبما أن مصرف لبنان ومؤسسة كهرباء لبنان تملكهما الدولة اللبنانية فيكون المسؤول الاساسي عن الخسارة التي تسببت بهما هاتان المؤسستان هي الدولة اللبنانية .

وبما أن الشعب اللبناني استفاد من هذه الخسائر بالنسبة والتناسب، فالغني استفاد أكثر من الفقير، لذلك لا بد لهذا الشعب ان يشارك في تحمل الخسارة وخاصة الطبقة الغنية من خلال اقرار بعض القوانين .

من هنا نقول إن الخسارة يجب ان يتحملها ثلاثة أطراف هم الدولة اللبنانية ، المصارف التجارية ، والشركات والمؤسسات التي استفادت من ملف دعم القروض ودعم السلع لغاية اليوم .

ان استعادة الودائع ممكنة من خلال إقرار بعض القوانين والتشريعات التي تسمح بأنشاء صندوق خاص لصالح المودعين، ويكون الهدف الاساسي منه هو أعادة هذه الودائع النظيفة بعد التحقق من سلامة الودائع الكبيرة عبر تدقيق خاص يشمل التأكد من قانونيتها وعدم وجود اي شوائب عليها .

هذا الصندوق المقترح يمكن ان يتضمن ويشمل ما يلي :

-     حاصلات واردات الدولة من الضريبة على من استفاد من تسديد قروضه على السعر الرسمي من الشركات والمكلفين التجار ،وعلى القروض التي تجازت المئة الف دولار اميركي ، علما ان هذه الضريبة وردت ضمن مشروع قانون خاص على الا تقل الضريبة عن عشرين بالمئة .

-     حاصلات واردات الضريبة على أرباح عمليات صيرفة والمحددة ب 17% والتي حققها التجار والمكلفون والتي أيضا وردت في المادة 125 من مشروع موازنة العام 2024 .

-     ضريبة الثروة او ما أطلق عليه بضريبة التضامن الوطني ،والتي يمكن تطبيقها على الثروات التي تتجاوز قيمتها مليوني دولار وتشمل الاموال المنقولة وغير المنقولة الموجودة في لبنان في لبنان وتلك التي جرى تهريبها قبل بداية الازمة بسنة .

-     تأجير واستثمار موجودات الدولة العقارية وغير العقارية لمصلحة هذا الصندوق .

-     ما تبقى من احتياطي حر ما زال موجودا لدى مصرف لبنان .

-     الاموال الخاصة للمصارف والموجودات سواء كانت الداخلية او الخارجية ،على ألا تقل مساهمات المصارف عن 15 مليار دولار .

-     ما يتم اعادته من الاموال المحولة للخارج وفقا للتعميم 154 .

-     ما يتم اعادته سواء من الخارج او من داخل لبنان من الاموال غير المشروعة ،والتي يمكن ان تكون موضع مقاضاة بين الدولة والاشخاص الطبيعيين والمعنويين .

-     فرض 5 بالمئة جمارك أضافية على السلع الكمالية لصالح هذا الصندوق ينتهي مفعولها مع تسديد أخر دولار لأصحاب الودائع .

ما نحن بحاجة اليه اليوم هو قرار جريء من السلطتين التشريعية والتنفيذية لمعالجة هذه المعضلة ،والتي اذا لم تتم معالجتها فلن يكون هناك قطاع مصرفي سليم في لبنان، ولن يكون هناك ثقة بهذا القطاع ولمدة قد تزيد عن العشرين سنة ، فهل سيكون هناك تحرك جدي ؟

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى