رأي

النظام العالمي الجديد يحوّل العالم “شربة ماء”(ناجي أمهز)

بقلم ناجي امهز

المشكلة في غالبية الشعوب العربية والإسلامية هي عدم المعرفة، وعدم المعرفة ليس وليدة الأمية بل وليدة عدم التعلم من التجارب.

النظام العميق الذي يحكم العالم محكوم بالتجارب، والتجارب حكما تضيف التطور ،والتطور محكوم بأنه حتما سيحكم ويسود.

   والنظام العالمي عام ٢٠٢٢ هو نظام معقد للغاية اجتماعيا واقتصاديا، ونحن لا نملك رؤية واضحة عنه، الا ما يمكن تلمسه او استنتاجه. والنظام العالمي وضع ليلتهم العالم الثالث بكل مكوناته وتاريخه وحتى اديانه، ونحن للأسف نعيش وكأن لا شيء يحصل حولنا.

واول تجارب النظام العالمي هي على لبنان،لأن الدين الإبراهيمي قبل أن يتحول إلى مادة للتطبيق في أيامنا هذه، بدأ في لبنان، ولذلك تقرأون في التاريخ عن لبنان الغني بطوائفه، الذي ذكر بالعهد القديم والعهد الجديد، بينما لم يذكر بالقرآن، وكأن لبنان هو المقياس، (ربما صدفة)، فهل ينجح التعايش بين الأديان؟

وان تأملت وفكرت للحظة أنه قبل سبعمائة عام كيف كانت تعيش هذه الطوائف وكيف كانت تتبادل تجاريا وتتعارف وتتزاوج وتمارس عملها الإداري، وما هي القوة التي كانت قادرة على جمع كل هذه المتناقضات الدينية المختلفة في بقعة جغرافية صغيرة، وحولها امبراطوريات شاسعة من مذهب واحد وحكم واحد ودين واحد، منذ عصر الأمويين حتى العثمانيين، وكيف استمرت ليومنا هذا، ولماذا صمد التعايش بين الطوائف تاريخيا في لبنان باحلك الظروف ولماذا انهار اليوم؟.

وكما كان لبنان حقل تجارب تاريخيا منذ ايام قدموس، هو اليوم حقل تجارب، واخطر هذه التجارب، هو تحذير الادارة الامريكية للكيان الإسرائيلي بان عليه الانتباه من موجة نزوح للشعب اللبناني الى داخل الكيان هربا من الازمة المعيشية.

ربما البعض قد يرفض الفكرة، ولكن اليوم وصلنا إلى مكان أصبحت كل قرية، وليس كل محافظة او مدينة بل كل قرية ،هي دولة قائمة بحد ذاتها، وما تشاهدونه من محاولة للسطو على صهاريج المازوت من أجل تأمين الكهرباء للبلدة، قد يتحول إلى سطو اكبر على الطحين والمواد الغذائية وحتى الادوية.وأيضا يمكن أن يتحول إلى قتال عنيف بين قرية وقرية، وحتى ضمن القرية بين عائلة وعائلة على بقعة زرع او نبع ماء، وهذا المشهد المرعب في القرن الحادي والعشرين، عصر التكنولوجيات والتعديل الجيني، والشحن السريع، والتنقل الأسرع بين دولة دولة، وهو دليل واضح على مقدار التفكك الذي قسّم المقسّم، يعني انهيار الكيان فعليا..

والملاحظ أن  المال لم يعد له قيمة في بلد مثل لبنان.فالذي يملك مليون دولار ولا يجد دواء ثمنه الف ليرة ،فباتت ثروته  تعادل رجلا فقيرا لا يحتاج إلى الدواء، وقد شاهدنا قبل مدة رجلا يصرخ ويقول “بدي الدواء لبنتي ومهما كان ثمنه أدفع لأني املك المال”، فتخيلوا كيف كان الغني بالأمس متاحا له كل شيء، اما اليوم في ظل اقتراب النظام العالمي يتغير كل شيء.

وهناك أمر أخطر،وهو ان النزاع لم يعد مربوطا بأيديولوجيات دينية او نمط ارستقراطي اجتماعي، بل تحول الشعب اللبناني إلى شعب يريد فقط ان يعيش. فالذي يملك سيارة ثمنها مائة ألف دولار من دون وقود هي بقيمة دراجة نارية بسعر مائة دولار. والاثنان ينتظران معا أمام محطة المحروقات تحت لهيب الشمس.اقصد أن ما يمر به لبنان هو نموذج قادم على المنطقة بأكملها، وما تشاهدونه في العراق هو أيضا تجربة.

النظام العالمي قادم في عام ٢٠٢٢، وللأسف هذه الشعوب هي وقوده.اعرف واعلم ان هناك قوة تقاوم وتحاول ان تتصدى لهذا الوحش القادم، ويعلم أصحابها انها معركة صعبة وهم مستعدون لها، لكن هذه هي الوقائع…

والساسة في لبنان هم المسؤولين عن انهيار لبنان، ليس الشعب المعاني ولا حتى الشرفاء الذين قاوموا.

 يقال في الروايات:

دخل ابن السماك على الخليفة العباسي هارون الرشيد يوماً فاستسقى الخليفة، فأُتى بكأس بها فلما أخذها قال ابن السماك: “على رسلك يا أمير المؤمنين.. لو منعت هذه الشربة بكم كنت تشتريها، قال: بنصف ملكي، قال: اشرب هنأك الله تعالى يا أمير المؤمنين، فلما شربها، قال: أسألك بالله لو منعت خروجها من بدنك بماذا كنت تشترى خروجها، قال: بجميع ملكي، قال ابن السماك: لا خير في ملك لا يساوي شربة ماء.

والنظام العالمي حوّل العالم إلى جرعة ماء تحتاج ان تدفع كل ما تملك لتشربها، وايضا تحتاج ان تتنازل عن كل ما تملك لإخراجها.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى