ثقافةفنون

الفن الهابط.. وإعلام التطبيع(محمد رقية)

د. محمد رقية- دمشق

شاهدت عدة حلقات من برنامج “رامز المجنون”  الذي بثته محطة MBC   في شهر رمضان ،من باب الإطلاع على ماهيته ، ووجدت الفن  بأبشع صوره وبطرق استفزازية يندى لها جبين الفن الراقي الذي فقدنا معظمه منذ بداية الألفية الثالثة .

ليس عتبي على محرك البرنامج المعروف بتنفيذه أجندات ، أقل مايقال عنها بأنها تتوافق مع التوجهات الغربية ، بل عتبي الأكبر على هؤلاء الفنانين ، الذين سمحوا لأنفسهم بأن يتبهدلوا وينذلوا بهذه الطريقة في سبيل الحصول على المال امعروف المصدر .

الفن الهابط لم يقتصر على هذا البرنامج ، بل بدأنا نلاحظه منذ أن أوعزت المخابرات الغربية والصهيونية العالمية وساعدت في انشاء العديد من المحطات الفضائية الخليجية بداية من عام 1996، ، ولاحقا القنوات اللبنانية والعراقية والمصرية وغيرها من القنوات العربية  ، التي وصل عددها إلى 1394 قناة رياضية ودراما وغنائية ودينية واخبارية وتجارية لاتتوفر في الأخيرة أدنى مقومات العمل التلفزيوني ،وتروج لمعتقدات سخيفة كالسحر وطرد الجان وقراءة الحظ وتفسير الأحلام  والتنبؤ بالمستقبل والجنس وغيرها ومعظمها يعود للقطاع الخاص .( لم يتجاوز عدد القنوات العربية 30 قناة في تسعينات القرن الماضي )

 بالإضافة إلى العديد من المحطات الاجنبية الناطقة بالعربية التي تقدم الكثير برامج الإثارة والميوعة  والترفيه الزائف وإثارة الغرائز والتماهي مع العدو الصهيوني  البعيد كل البعد عن أخلاقياتنا ووطنيتنا وعاداتنا الاصيلة ، التي تغزو عقل المشاهد وغريزته وخاصة الشباب المراهق الذي تستهلك من جيبه وعقله وصحته ودراسته ووقته ولا تعطيه سوى السموم ، إضافة إلى المسلسلات الموجهة وخاصة المدبلجة والمترجمة من الدول الأخرى وخاصة تركيا وأفلام الكرتون الموجهة للأطفال و التي يوجد في الكثير منها مقاطع العنف والايجاءات الجنسية

أضف ألى ذلك قنوات العهر الديني التي تجاوز عددها المئة ،التي تقوم من خلال بعض الذين يسمون أنفسهم رجال دين ببث سموم التفرقة والتشرذم بين أبناء الشعب الواحد ، بإتباع  مختلف أنواع الأساليب المخادعة والمضللة والكاذبة ،التي تقطر منها التوجيهات الصهيونية والغربية ومركزة على تفتيت النسيج الإجتماعي مبتعدين كل البعد عن أصول الدين وتوجهاته السمحاء.

لم يكتفوا بذلك بل اوقفوا معظم المحطات الفضائية الوطنية المقاومة للعدو المحتل، وخاصة بعد بداية “الربيع العبري” في عام 2011 ، كي لايصل إلى الجمهور أي صوت ينادي بالمقاومة والتحريرويفضح حقيقة التضليل الإعلامي الذي يمارسونه ، مع ما رافق ذلك من تجييش اعلامي قل نظيره في تاريخ الأمم على سوريا، الذي رافق الهجوم العسكري العالمي عليها منذ عام 2011.

وآخر ماتفتقت عنه عبقرية هذه القنوات هو بث مسلسلات التطبيع مع العدو الصهيوني ( مسلسل “أم هارون” مثالا). وهو مسلسل” يدعو للتطبيع الثقافي مع الكيان الصهيوني من خلال تزوير الحقائق والتاريخ الفلسطيني في محاولة يائسة لتبييض صورة “إسرائيل” لدى الرأي العام العربي للقبول بفكرة التطبيع. والتطبيع هو تسليم للكيان الصهيوني بحقه في الأرض العربية بفلسطين، وبحقه في بناء المستوطنات وحقه في تهجير الفلسطينيين وحقه في تدمير القرى والمدن العربية، وهكذا يكون التطبيع هو الاستسلام والرضا بأبشع مراتب المذلة والهوان والتنازل عن الكرامة وعن الحقوق.

إن مثل هذه القنوات تعمل على ترويض المواطن الخليجي والعربي البسيط وجعله هدفاً سهلاً لتقبل فكرة التطبيع وقبول العدو الصهيوني المحتل كحالةٍ طبيعيةٍ في المنطقة العربية.إن هذه الأعمالَ التي تدعو في مضامينها إلى التطبيعِ مع الكيان الصهيوني  ” هي خيانة عظمى” لحقوقِ الشعب الفلسطيني والعربي، ويجب علينا مقاومتها من خلال اعتماد عدد من الأسس والبرامج المناهضة  والتي كنت قد طرحت بعضها منذ عام 2005 ولاحقا” عام 2011 وأهمها :

1- يشكل امتلاك وسائل الاعلام الفضائية العامل الأساسي في مجابهة الأعداء . لذلك يجب على محور المقاومة السعي مع الدول الصديقة لامتلاك منظومات فضائية  قادرة أن تبث لكل أنحاء العالم  وتعمل وفق توجهاتنا وحاجاتنا ، وهي من حيث المبدأ ذات جدوى اقتصادية كبيرة وجدوى إعلامية عظيمة.

2- يجب زيادة عدد المحطات الفضائية الوطنية الخاصة الملتزمة بالنهج القومي الممانع ضد الغزاة التي تبث من دول محور المقاومة أومن خارجها، لأنها تشكل الدرع الإعلامي الواقي لهذا النهج  وتشكل أذرع هجومية ضد قنوات الفتنة وسفك الدم ،  ليس فقط على مستوى سورية وإنما على مستوى المنطقة العربية كلها لأن الحرب الإعلامية لها دور كبير في النصر النهائي . كما يجب اعتماد قنوات فضائية تبث باللغات الأجنبية الحية لإيصال صوتنا وحقيقة الأوضاع إلى العالم الخارجي .

3- يجب على الدولة تحديد البث الفضائي عبر الكبل السلكي أو اللاسلكي في كل مدينة أومنطقة أسوة بالدول الغربية التي تستخدم هذه التقنية في إيصال البث الفضائي عبر اشتراكات محددة . يتم من خلالها اختيار القنوات الرصينة والموضوعية ، التي لاتسيئ إلى المجتمع أوالمشاهد وتقدم كل المعطيات المفيدة علميا أو معلوماتيا أو دينيا أو أخلاقيا وبالتالي يتم فلتره كل قنوات العهر الإعلامي أو الديني أو الأخلاقي ، ويتم الحد من ظاهرة  ملايين الصحون على الأسطح المشوهة للمنظر التي تبعث على التلوث البصري المسيء

4- التركيز على وسائل التواصل الاجتماعي وقنوات الانترنت عبر اليوتيوب والبرمجيات الأخرى ، التي يجب أن تأخذ الإهتمام الأكبر في هذه الأيام على ضوء التقنيات المذهلة التي وصلتها هذه الوسائل والتي ستتطور في المستقبل القريب لتشكل وسيلة الإعلام الاهم في حياة البشرية .

5- إصدار فتاوى دينية وقرارات وطنية بتجريم التطبيع مع العدو الصهيوني على مبدأ التجريم بمعاداة السامية

6- التعريف بالقضية الفلسطينية ومظلومية الشعب الفلسطيني على كافة الأصعدة في ظل ما تتعرض له من مؤامرة كونية تقودها أمريكاً ويطبل لها خونة العرب

7- الإكثار من الأعمال الفنية التي تسعى في مضامينها لنشر ثقافة المقاومة في المجتمعات العربية وحثّ الجماهير على رفض كل ما يمكن أن يستهدف ويشوه  تاريخها النضالي العريق”،وتعزيز دور الدراما العربية  في التصدي لهذه المشاريع التطبيعية على مبدأ مسلسل “حارس القدس” الذي عرض على الميادين والقنوات السورية . ولدينا الكثير من القصص النضالية التي يمكن أن يكتب عنها مئات المسلسلات والأفلام السينمائية

8- يجب علينا اعطاء المزيد من التوعية للشباب العربي بأهمية وعدالة قضية فلسطين باعتبارها القضية المركزية للأمة العربية ، ويجب التركيز عليها في المناهج التعليمية كي يصبح النضال ومقاومة التطبيع ثقافة وسلوكاً يومياً يعيشه المواطن العربي.

9- يجب انشاء  مؤسسات وهيئات وطنية مناهضة للتطبيع من خلال الشباب الوطني في البلدان العربية والتنسيق فيما بينها لفضح ومقاومة أي جهة مطبعة في المنطقة .

10- يجب علينا تطوير خطابنا الإعلامي ليصل الى مصاف القنوات الاعلامية الشهيرة  ويناهضها.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى