ثقافة

الجذور الدينية للصهيونية المسيحية -5 (مصطفى سكري)

 

 مصطفى سكري – الحوارنيوز

( الحلقة الخامسة و الأخيرة )

 

 تحدثت في الحلقات السابقة عن إيمان المسيحية الصهيونية بالتفسير البروتستانتي الكالفيني لمفهوم الوعد الإلهي لبني إسرائيل ، وشروط عودة يسوع المخلص ، وأن الصهيونية المسيحية قد سبقت زمنيا الصهيونية اليهودية التي أعلن مؤسسها تيودور هرتزل عن استعداده لقبول قيام دولة يهودية في أي مكان من العالم . ولكن لأسباب دينية وإستعمارية تم إقناعه بقيامها في فلسطين.

 كما تحدثت عن ظهور مدرستين للصهيونية المسيحية : البريطانية والأمريكية ، واختلافهما حول زمن استيطان اليهود في فلسطين ( قبل تمسيحهم أم بعده ) .

كما تحدثت أيضا عن تشويه الكتاب المقدس وتهميش الدعوة الكونية الشاملة للرسالة المسيحية من قِبَل الصهيونية المسيحية وشرعنتها للظلم والاضطهاد بتقديمها تبريرا لاهوتيا للتمييز العنصري والحرب يتعارض مع لاهوت العدل والسلام الذي هو جوهر العهد الجديد .

  وأوضحت النظرة الايمانية للمسيحية التقليدية  ( الكاثوليكية والأرثوذكسية ) المعتمدة على قول القديس أوغسطينوس في اعتباره الكنيسة كمدينة روحانية ، وأن الوعد الجديد لله مع المسيحية هو بديل عن الوعد التوراتي بقيام إسرائيل .

وأن المسيحية التقليدية تؤمن بأن الأمة اليهودية انتهت بمجيء المسيح ، وأن خروج اليهود من فلسطين كان عقابا لهم على صلب السيد المسيح.

 

  مما تقدم يتضح أن الولايات المتحدة الأمريكية قامت على أسس دينية من خلال المهاجرين البيوريتانيين ( الطهوريين ) القادمين من إنجلترا لإنشاء الأرض الجديدة فسميت أمريكا حينها أورشليم الجديدة.

  وفي القرن العشرين انتقلت الصهيونية المسيحية إلى الولايات المتحدة الأمريكية مشكلة تيارا بارزا وسط تيارات الكنيسة الإنجيلية الأمريكية يقدر أتباعه بحوالي أربعين مليونا ، ومستعملة الكتاب المقدس لإسكات منتقدي إسرائيل ومعاقبتهم بتهمة معاداة السامية ، ومتخذة من المحرقة ذريعة لتحصين إسراىيل ضد أي لوم أو استهجان بسبب عدوانيتها واضطهادها للشعب الفلسطيني ، وتمكينها من فرض مزاعمها كحقائق على الرأي العام العالمي بطرق ملتوية من التهديد أو الترغيب ، وأصبح للصهيونية المسيحية ما يقرب من مئة محطة تلفزيونية وأكثر من ألف محطة إذاعية ، ويعمل في مجال التبشير لها ما يقارب من ثمانين ألف قسيس ، وامتد نفوذها السياسي إلى درجة إيمان بعض من شغل البيت الأبيض بمقولاتها والاعتراف بها علنيا أو القيام بشن الحروب ضد أعداء إسرائيل كالتزام ديني وانتقام إلهي . فالرئيس الأمريكي هاري ترومان قد اعترف بقيام إسرائيل كدولة بعد دقيقة واحدة فقط من قيامها. ومن الرؤساء الأمريكيين الذين اعتقدوا بالصهيونية المسيحية ودافعوا عنها : دودرو ويلسون ، دوايت ايزنهاور ، ليندون جونسون ، ريتشارد نكسون ، جيمي كارتر ، رونالد ريغان ، وجورج بوش الابن .

ولايقتصر دعم الصهاينة المسيحيين لإسرائيل على الناحية السياسية والعسكرية فقط ، بل يقدمون لها العون والدعم بكل الأشكال المتاحة لهم خصوصا من الناحية المالية ، ونظرا لكثرة أعدادهم المؤثرة على الانتخابات فإنهم يشكلون مجموعة ضغط على سياسات البيت الأبيض والكونغرس ، ويدفعون إلى عرقلة جميع محاولات التوفيق في المفاوضات والوساطات – السابقة والحالية – بين الفلسطينيين والاسرائيليين لإحلال السلام في المنطقة ، ويرفصون بشكل قاطع تبني حل الدولتين خلافا للآراء التي ترى إقامة الدولة الفلسطينية حلا لإنهاء الصراع والحرب في المنطقة.

   خلاصة القول : لقد تكالبت على الأمة العربية قوى الظلم والطغيان متمثلة بعدو جديد جذوره قديمة يكشر عن أنيابه ويبرز مخالبه المسمومة، وهو ما يعرف ب ( الصهيونية المسيحية ) التي اتخذت من الكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد ذريعة تخفي بها هدفها الحقيقي المتمثل بابعاد اليهود عن أوربا ، وبزرع كيان مغتصِب في المنطقة العربية لأسباب إستعمارية ، مستترة وراء الكهنوت تحمل الصليب في يد والسيف في الأخرى ، تقتل وتدوس بأرجلها كل من يقف أمام أطماعها في الاستيلاء على أملاك الأخرين ، فأراقت الدماء واستباحت الحرمات ، من أوهام تعشعش في مخيلتها ، لتعجيل هوس مجيء المسيح المنتظر ، وإقامة ما يسمى بالألفية السعيدة ، وكأن التقوى والإيمان والقربى إلى الرب لا تكون إلا بإراقة الدماء ، واستباحة  حرمات الشعب العربي الفلسطيني والاستيلاء على ممتلاكاته ، وتشريد وقتل الأطفال والعجائز والإبادة الجماعية.

  ورغم معارضة القوى المسيحية الشريفة التي تنادت لوضع حد لهذه الجرائم وطالبت بوجوب إخضاع نصوص العقيدة المسيحية للبحث التاريخي وللنقد العلمي والتأويل الفلسفي بشكل موضوعي محايد لتنقيتها من المفاهيم اللاهوتية والميثولوجية التي روجت البروتستانتية والكالفينية ، والتشديد على البعد الأخلاقي للمسيحية ؛ إلا أن الصهيونية المسيحية قد استمرت بدعمها اللامحدود لإسرائيل والدفاع عنها في المحافل الدولية ، وشن الحروب ضد كل من يعاديها كالتزام ديني إذا لزم الأمر.

 

مصادر البحث

———————-

1- الصهيونية والحضارة الغربية – د. عبد الوهاب المسيري.

2- الصهيونية المسيحية. د. محمد السماك .

3- البعد الديني في السياسة الأمريكية تجاه الصراع العربي – الصهيوني . د. يوسف الحسن.

4- الصهيونية المسيحية خارطة الطريق إلى هرمجدون ؟ . ستيفن سايرز – ترجمة :  نقولا أبو مراد.

5- الصهيونية غير اليهودية ، جذورها في التاريخ الغربي . ريجينا الشريف . ترجمة : أحمد عبد الله عبد العزيز.

 

*باحث – سورية

 

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى