ثقافةفلسفة

الجذور الدينية للصهيونية المسيحية – 4 _مصطفى سكري)

 

مصطفى سكري * – الحوارنيوز

( الحلقة الرابعة )  ( 4 من 5 )

 

تحدثت في الحلقات السابقة عن نشوء الصهيونية المسيحية وعن جذورها الدينية المعتمدة على التفسيرات البروتستانتية الكالفينية الأنجيلية للكتاب المقدس المتعلقة بالوعد الإلهي لبني إسرائيل وشروط عودة يسوع المخلص إلى عالمنا ، وعن انقسام منظري الصهيونية المسيحية إلى مدرستين : البريطانية الداعية إلى تحول اليهود إلى المسيحية قبل عودتهم إلى فلسطين. والأمريكية التي آمنت بعودة اليهود إلى فلسطين قبل تحولهم إلى المسيحية ، والتي أيدتها شخصيات بريطانية هامة ، منها :  وليام هشلر ، وليام بلاكستون ، أرثر بلفور ، دافيد لويد جورج ، ولورانس أوليفانت.

  وتم الاثبات بالدليل القاطع أن الصهيونية المسيحية قد سبقت زمنيا الصهيونية اليهودية ، حيث طرح هرتزل فكرة قيام ( دولة يهودية ) مقترحا أماكن عدة في العالم لاقامتها ، ولكنّ المسيحيين المتصهينين قد أقنعوه باقامتها في فلسطين معتبرين ذلك شرطا لعودة المسيح.

 

  يتضح مما تقدم أن الصهيونية المسيحية قامت على تشويه الكتاب المقدس ، وتهميش الدعوة الكونية الشاملة للرسالة المسيحية ، وشرعت للظلم والاضطهاد باسم الأنجيل ، وحكمت على اليهود بمستقبل رؤيوي أكثر رعبا وهولا من المحرقة النازية ، وقدمت تبريرا لاهوتيا للتمييز العنصري والحرب يتعارض مع لاهوت العدل والسلام الذي هو جوهر العهد الجديد.

  ولا بد لنا في هذا السياق من توضيح النظرة الايمانية للمسيحية التقليدية ( الكاثوليكية والأرثوذكسية) في ما يتعلق بوعد الله لبني إسرائيل التي اعتمدت على قول القديس أوغسطينوس في اعتباره الكنيسة كمدينة روحانية لله ، متميزة عن المدينة المادية الأرضية ، وهي مملكة المسيح ، وأنها التجسيد التام للعصر الألفي ، وهذا يعني أن الاستيطان في الأرض الفلسطينية لا يحقق الوعد الإلهي كما جاء في العهد القديم ، وأن الوعد الجديد لله مع المسيحية هو بديل عن الوعد التوراتي بقيام إسرائيل.

فالأرض الموعودة في المسيحية التقليدية هي ذات طبيعة روحانية أزلية لا صلة لها بأرض إسرائيل التاريخية ، وهذا ما يؤكده تفسير اعتمد تاريخيا في العقيدة المسيحية التقليدية بأن الأمة اليهودية انتهت بمجيء المسيح ، وأن خروج اليهود من فلسطين وهدم هيكلهم وتشتتهم كان عقابا لهم على صلب السيد المسيح . فالعقيدة المسيحية التقليدية ترى ضرورة الابقاء على اليهود ك ( شعب شاهد ) على أن ( الكنيسة هي إسراىيل الحقيقية) ، وأن اليهود كشعب شاهد سيؤمن في نهاية الزمان بالمسيحية ، لذا يجب حمايتهم من الهلاك والدمار . فالوعد التوراتي بقيام إسرائيل يخالف تعاليم المسيحية عند كثير من علماء اللاهوت.

 في ندوة عقدت في كاليفورنيا عام 1985 شارك فيها مائتا أستاذ لاهوت في الجامعات المسيحية ، قرر المجتمعون : ”  أن فكرة الحكم الألفي للمسيح في أورشاليم هي فكرة لا سند حقيقيا لها ، وهي تفسير خاطئ لبعض النصوص التوراتية والإنجيلية ، وتعتبر هذه الفكرة غير حضارية وتتسم بالعنصرية ، وتتعارض مع رسالة المسيح الحقيقية ( المحبة والسلام ) .

  في كتابه ” الصهيونية المسيحية ” – وهو ثمرة دراسات علمية نال بها شهادة الدكتوراه – يخلص ستيفن سايرز إلى التأكيد بأن العيب الأول في لاهوت الصهيونية المسيحية ، إنما هو الحط من شأن قيمة يسوع ، ومن إنجازاته الأكبر بشأن الخلاص ، وذلك عندما يتم اختزال مفهوم الخلاص باقامة دولة إسرائيل ، وتبني مقولة شعب الله المختار .

  يقول الدكتور عبد الوهاب المسيري في موسوعته : كان هدف الدول الغربية في تجميع اليهود في فلسطين للتخلص منهم من جهة ، وليتحولوا إلى عنصر نافع لتلك الدول ويعملون لخدمة مصالحها.  ويصف الصهيونية المسيحية بأنها : ” فكر استعماري يأخذ شكلا دينيا “.

 

   إن فلسفة الصهيونية المسيحية القائمة على نظرية الهلاك  الحتمي    لليهود ،المرتبط ب ” إرث الدم ” الذي حملوه بعد صلبهم للمسيح ، جعلت الكثير من اليهود والحاخامات ينظرون إلى الصهيونية المسيحية بشيء من الارتياب ، بل يكرهونها ويعادونها لأنهم على دراية كاملة بخططها التي تخفي وراءها الهدف الحقيقي وهو تمسيح اليهود في النهاية أو هلاكهم .

  ولم تقتصر معارضة الصهيونية المسيحية على بعض اليهود فقط ، بل شملت الكثير من الكنائس التي تعتبرها مناهضة لتعاليم الكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد ، ومتناقضة مع نبؤات المسيح : ” لا سيادة لليهود على الأرض المقدسة ” .

  ويؤكد مجلس كنائس الشرق الأوسط – الذي يمثل الكنائس الشرقية – أن الصهيونية المسيحية قد فُرضت عنوة ، و ينظر إليها كهرطقة وانحراف ، وتعبير شاذ عن الإيمان المسيحي وتفسير خاطئ للكتاب المقدس يخضع للمصالح السياسية والاستعمارية.

 

مصادر البحث

 

1- الصهيونية والحضارة الغربية. د. عبد الوهاب المسيري.

2- الصهيونية المسيحية. د. محمد السماك.

3- البعد الديني في السياسة الأمريكية تجاه الصراع العربي – الصهيوني . د. يوسف الحسن.

4- الصهيونية المسيحية خارطة الطريق إلى هرمجدون ؟ . ستيفن سايرز – ترجمة نقولا أبو مراد .

5- الصهيونية غير اليهودية ، جذورها في التاريخ الغربي. ريجينا الشريف . ترجمة : أحمد عبد الله عبد العزيز.

 

*باحث – سورية

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى