سياسةصحفمحليات لبنانية

الأخبار: نحو فوضى تشريعيّة ودستوريّة.. نهاية مجلس غير شجاع

الأخبار: نحو فوضى تشريعيّة ودستوريّة: نهاية مجلس غير شجاع

 

الحوارنيوز – الاخبار

 

تحت هذا العنوان كتبت صحيفة الأخبار افتتاحيتها وجاء فيها:

“لم يخرج المجلس الدستوري عن الدور المرسوم له، كأداة سياسية تتحكّم ‏بها قوى السلطة لفرض مشيئتها. أمس، قرر المجلس ألّا يقرّر في مسألة ‏الطعن المقدّم من تكتل “لبنان القوي”، تاركاً إشكالية النصاب القانوني ‏مفتوحة لتكرار السيناريو نفسه في كل القوانين اللاحقة والقرارات التي ‏تحتاج إلى نصاب الثلثين أو الغالبية المطلقة. أما الأخطر، فهو تجيير ‏‏”الدستوري” صلاحياته ليديرها رئيس مجلس النواب كما يشاء، وإقراره ‏بعجز قضاته عن القيام بواجباتهم للحفاظ على هذا الدستور
‎”‎لا موضوع الطعن حرزان لكلّ هالضجة، ولا النتيجة بتستاهل كل هالضجة”، بهذه العبارة افتتح رئيس المجلس ‏الدستوري طنوس مشلب مؤتمره الصحافي، أمس، للإعلان عن قرار المجلس عدم اتخاذ قرار بشأن الطعن المقدّم من ‏تكتل لبنان القوي حول القانون النافذ حكماً الرقم 8/2021، والذي أقرّ بموجبه مجلس النواب تعديل بعض مواد قانون ‏الانتخاب الرقم 44/2017. بذلك، يكون المجلس الدستوري ورئيسه قد صدّقا ــــ على مضض ــــ على إقرار قانون ‏بطريقة مخالفة للدستور وللمادة 57 منه التي تحدّد طريقة احتساب الغالبية المطلقة. فبقي القانون الرقم 8 نافذاً بما يعني ‏حسم مسألة اقتراع المغتربين في الداخل والإقرار ضمناً بأن نصاب الغالبية المطلقة هو 59 نائباً لا 65. وفيما اعتبر ‏مشلب أن “ما حصل اليوم قد يكون سقطة للمجلس الدستوري لأنه كان يجب أن يتخذ قراراً”، محمّلاً المسؤولية ‏لبعض القضاة، فإن تصريح مشلب نفسه كان هو السقطة الرئيسية‎.‎

وهي “سقطة” ستفتح الباب واسعاً أمام مجموعة من الاجتهادات المقبلة في كل القرارات البرلمانية التي تحتاج الى ‏تصويت، وليس أولها احتمال التمديد للبرلمان وانتهاء ولاية الرئيس ميشال عون، ما سيتطلب انتخاب المجلس نفسه ‏رئيساً جديداً للبلاد وفق نصاب الثلثين. عندها، هل يحتسب بري النواب الأحياء وغير المستقيلين أو يركن الى النصاب ‏القانوني باحتساب عدد المقاعد النيابية الفعلية؟ علماً بأنه سبق لرئيس مجلس النواب أن فسّر الآليّة بما يتناسب مع ‏المصالح السياسية. إذ أكد خلال جلسة انتخاب الرئيس ميشال عون، في 31 تشرين الأول 2016، أن 86 نائباً يشكلون ‏ثلثَي المجلس لأن الحسبة تبقى دائماً لعدد النواب القانوني لا الفعلي (أي باحتساب المستقيلين أو المتوفّين وكان المجلس ‏يومها مؤلفاً من 127 نائباً نتيجة استقالة النائب روبير فاضل). وبالتالي، لم يجر اعتماد الثلثين على أساس 85 نائباً. ‏لكنه ما لبث أن ناقض قراره هذا خلال التصويت على تعديلات قانون الانتخاب أخيراً باعتماد العدد الفعلي لا القانوني ‏خلال احتسابه الغالبية المطلقة، علماً بأن القانون الصادر عام 1990 باحتساب عدد أعضاء مجلس النواب الأحياء، أُلغي ‏عام 1992 مع إجراء الانتخابات النيابية وانتهاء الحرب، إذ نص القانون على اعتماد هذه الحسبة الى حين إجراء ‏انتخابات فرعية أو عامة نتيجة وفاة عدد كبير من النواب، ليتم مجدداً احتساب النصاب على أساس عدد المقاعد ‏القانونية الـ 128. هذه الاستنسابية المتحركة وفق الأهواء السياسية، والتي يتحمل مسؤوليتها المجلس الدستوري ‏المنكفئ عن القيام بواجباته، ستتسبّب في فوضى تشريعية عند النقاش في أي قانون أو قرار، كإحالة ملف تحقيق المرفأ ‏الى لجنة تحقيق خاصة لسحب الملف من يدَي القاضي طارق البيطار، حيث سيكون الحسم خاضعاً للمناكفات وتصبح ‏السيادة للسلطة السياسية لا للدستور. وذلك سيخلق إشكالية في كل ردود رئيس الجمهورية المقبلة لأي قانون، أي رئيس ‏جمهورية، وليس فقط ميشال عون‎. 
ما حصل أمس، فضيحة قضائية صرف. أن يُقرّ رئيس المجلس الدستوري بأن الأعضاء لم يتمكنوا من اتخاذ أي قرار ‏في أي نقطة من نقاط الطعن بعد 7 جلسات متواصلة، فذلك يتطلب إعادة النظر في مهام هذا المجلس وواجباته وأسباب ‏وجوده. هي “نهاية المجلس الدستوري”، بحسب أستاذ الأعمال التطبيقية للقانون الدستوري في الجامعة اليسوعية ‏وسام اللحام. فمن المستغرب أن “يُقدّم مشلب عدم اتخاذ مجلسه قراراً على أنه أمر طبيعي وأن يعمد الى إسقاط كل ‏البنود وألا يكون قد تمّ التوافق على أي نقطة”. وفيما كان يفترض “ألّا يكمل المجلس دراسة القانون إن كان ثمة عيب ‏في آليّة إقراره وهي مخالفة المادة 57 من الدستور، برز ميل لدى القضاة للبحث بالمضمون ولو أن الشكل فيه عيوب. ‏وذلك من منطلق أن القبول بوجود عيب في الشكل سيعني قبول الطعن”. لكن ما حصل فعلاً أن “المجلس الدستوري ‏قبل بوجود قانون مخالف للدستور وهو في حدّ ذاته إدانة وسقطة، ببساطة لعدم تأمين المجلس الدستوري مبدأ الأمان ‏التشريعي وترك الأمر بيد المجلس النيابي ليفسّره كما يريد‎”.‎
‎ 
سقطة المجلس الدستوري ليست الأولى، فقد سبق لهذا المجلس عينه الذي يرأسه القاضي مشلب أن تخلّى عن ‏مسؤوليته الدستورية وسخّر نفسه لخدمة مصالح المجلس النيابي أو أطراف سياسية منه. ففي عام 2020 أجاز ‏‏”الدستوري” للبرلمان إصدار قانون الموازنة ونشره من دون قطع حساب، مبرراً هذه المخالفة بـ”الظروف ‏الاستثنائية في محيط ونطاق مجلس النواب التي كادت أن تؤدي الى شلل العمل التشريعي”. ففي رأي ‏‏”الدستوري”، بعض الشبان المعتصمين أمام المجلس هم الذين أجبروا “المشترع على مخالفة أحكام الدستور ‏حفاظاً على النظام العام” كما قال في مطالعته! وبذلك أجاز مخالفة المادة 87 من الدستور حيث تم نشر قانون ‏موازنة 2020 قبل إجراء قطع حساب للسنة السابقة. قبيل ذلك، رفض المجلس الدستوري نفسه الركون الى ‏الدستور وخصوصاً في ما يتعلق بالمادة 80 من الموازنة التي تنصّ على حق الناجحين في المباريات بتعيينهم ‏بالأفضلية في الإدارات العامة. آنذاك اشتبكت القوى السياسية الممثلة في المجلس النيابي حول الميثاقية وضرورة ‏احترام المناصفة في التعيينات، تلاها إرسال رئيس الجمهورية رسالة الى البرلمان يطلب فيها منه تفسير المادة ‏‏95 من الدستور. ما حصل يومها أن المجلس الدستوري تنكّر لصلاحياته في تفسير الدستور وعلّل اعتكافه عن ‏القيام بواجباته بالقول إن “المجلس النيابي وضع يده على الموضوع”. وبالتالي جيّر صلاحياته لمصلحة السلطة ‏التشريعية لتفسر الدستور بما يعجبها. وها هو اليوم يعيد السيناريو نفسه، معلناً بشكل واضح وصريح أن رئيس ‏مجلس النواب وحده المخوّل تفسير الدستور؛ أما المجلس الدستوري فليس سوى مؤسسة تركن لأوامر السلطة ‏السياسية، وخصوصاً أن التعيين في المجلس يتمّ وفق أسس طائفية وسياسية، بما يمنح حقّ الفيتو لزعماء الطوائف ‏متى قرّر بعضهم التعاضد لفرض قرار ما أو إسقاطه‎.”‎
 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى