رأي

أهو حنينكم إلى براري الأمم يا “رؤساء” لبنان؟(نسيم خوري)

 

د. نسيم الخوري

دخل لبنان قبل يومين أي 1 أيلول/ سبتمبر 2022 ما يمكنني تسميته ب”الفترة الحرجة والخطرة جدّاً” يُصار خلالها دستورياً بالدعوة لجلسات برلمانية لإنتخاب رئيس جديد للجمهورية. وجوه الخطورة متعددة تتقدّمها السجالات والأفكار الجهنمية والدموية والأحاديث الجديدة القديمة الموسومة بالخرائب يستعيدها السياسيون متنافرين ضالين وكأنهم مسكونون بحنين الى ال  1989 تاريخ حروبهم المتعددة الهويات والأثقال. 

حدّقوا معي جيّداً يا “زعماء” لبنان بين قوسين بالطبع. أراكم وقد أكلتكم الشهوة إلى موائد النار.أيُعقل ألاّ يُستعاد التاريخ المخيف إلاّ في لبنانكم. تعاسة ما بعدها تعاسة تُعيدوننا إلى ما قبل الطائف بعدما تُرك حبل الصراعات في حروب لم توفِّر انساناُ من السقوط. ضربتم دولتكم، وأضعفتم مؤسّساتها وتمّت فكّفكتها، وانهارالمجتمع باستقراره وتوازنه وبات كلّ شيء مباحاً، وصارسائباً في بريّة الأمم.

كانت الأسئلة والحلول تسقطونها قبل قراءتها كما يحصل بينكم اليوم تماماً. كانت سرعة الأحداث التي أفرزتها مشاعر الغبن والتشاوف والقهر والكيدية تطحن الأسئلة لتحضر أسئلة وأفكارا جديدة كانت وما زالت وستبقى مستحيلة مثل العيش المشترك والمواطنة والعلمانية والتقسيم والفدرالية والحياد والقتال وما شابه. تذكّروا جيّداً المرحلة التي تعيشونها أو تقودوننا نحوها مجدداً وكأنكم ما زلتم حول موائد النار قبل إدخالكم من آذانكم مرحلة السلام مع اتّفاق الطائف ولو أنّه بقي متعثّراً بين ايديكم.

تذكّروا معي جيّداً، أنّ تلك المرحلة المستعادة اليوم، بدأت في 23 أيلول سبتمبر 1989، موعد انتهاء ولاية الرئيس أمين الجميّل حيث تمّ في الربع ساعة الأخيرة تشكيل حكومة عسكرية برئاسة قائد الجيش العماد ميشال عون. تعطّلت جلسة انتخاب رئيس الجمهورية في 18 آب/ أغسطس 1989 بالقوة والقصف، ورفض ميشال عون وسمير جعجع قائد القوات اللبنانية يومذاك قيام حكومة برئاسة النائب بيار حلو لتنقسم العاصمة بيروت بين شرق وغرب، وأُقصي المجلس النيابي عن أداء دوره، بل انقسمت السلطات ومؤسسات الدولة حتّى المراسيم الجوّالة وتوقيع الوزراء معاملاتهم فوق الأدراج والملاجيء. تذكروا الحروب المغمّسة بالطائفية وبالخارج وعلى الخارج ضد سوريا والعرب وإسرائيل والميليشيات والفاتيكان وبكركي وضد رجال الدين وحتى ضد أميركا، وبدت البلاد في مأزق رهيب شبه متروك، وحضرت الخيارات الصعبة وقد كان أصعبها حروب التحرير ثمّ الإلغاء التي دارت بين المسيحيين والتي لم تعرف آثارها الدموية اليباس حتى بعد مرور 34 سنة أراها كأنها اليوم حول كرسي بعبدا.

تذكّروا معي جيّداً، مؤتمر القمّة العربي غير العادي الذي عُقد في الدار البيضاء (من 23 إلى 26/5/1989) لتتألّف من خلاله اللجنة الثلاثية العليا المؤلفة من ملك المملكة العربية السعودية (فهد بن عبد العزيز) وملك المغرب (الحسن الثاني) والرئيس الجزائري (الشاذلي بن جديد) والتي أوفدت مندوبها الأخضر الابراهيمي إلينا ولعب دوراً كبيراً. ألا تذكّركم هويات أعضاء هذه اللجنة بأنها جاءت مثقلة بالضمانات: الجزائر تُرضي الأطراف النضاليّة في لبنان ومنه، في الوقت الذي تمثّل المملكة طموح المعتدلين في لبنان ورضاهم، وتمثّل المغرب حضوراً إقليميّاً ودولياً ضروريّاً لهذه اللجنة التي عُرفت يومها ب “واجهة السلام”.

تذكّروا معي جيّداً، أنّ لبنان استمرّ إلى مائدة النار من 30/8/1989 حتّى رفعت اللجنة الثلاثية العليا تقريرها إلى قادة العرب مرفقة “بوثيقة الوفاق الوطني” التي شكّلت مادة نقاش اللقاء النيابي في مدينة الطائف من 30/9/1989 حتى 22/10/1989 تاريخ إقرار اللقاء النيابي لهذه الوثيقة التي صدقتموها في مطار القليعات (5 تشرين الثاني/ نوفمبر )1989 وانتخبتم في الجلسة نفسها رينيه معوض رئيساً للجمهورية الذي أوكل للدكتور سليم الحص رئاسة الوزارة في 13/11/1989. وجاء اغتيال الرئيس معوض ( 23/11/1989 ) الصدمة الهائلة التي دفعت بنوابكم إلى انتخاب الياس الهراوي رئيساً للجمهورية في اليوم التالي ( 24/11/1989)، وكان الهجوم على قصر بعبدا بالطيران مُنهياً مرحلة عون في ( 13 تشرين الثاني/ نوفمبر 1990) حكم بعدها الهراوي تسع سنوات ما سُمي بالجمهورية الثانية التي تسلّمها قادة الجيش بصيغة الجمع من العماد إميل لحود(24/11/1998) تلاه العماد ميشال سليمان (25 /5/2008) لتعود إلى الجنرال ميشال عون الذي لطالما يُذكّر اليوم بتركه القصر حين انتهاء ولايته.

وتذكّروا أن انتهاء الحروب كان عام 1990-1991 إذ توحد الجيش وحُلَّت الميلشيات، وتسلّمت الدولة المرافئ والمرافق العامة والمؤسّسات. لكنّ هذا المناخ التغييري كان يرضي قسماً كبيراً من اللبنانيين، ويساعدهم على تنظيف ملامح الجمهورية الثانية المتعثرة، في الوقت الذي كان الفرقاء المعارضون لهذه الملامح والأفكار والدستور هم هم، وقد فشلوا جميعاً من الصمود والتطوير حيال إعادة بناء سلطات الدولة الحضارية لذا نراهم اليوم ينشدون استعادة التاريخ وإيقاظه فوق مآسينا.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى