رأيرئاسيات لبنانيةسياسة

أخطاء سليمان فرنجية !(ريما فرح)

 

كتبت د.ريما فرح- موقع الميادين

 

تعتبر الثقة عنصراً موازياً للخطط والسياسات المالية والنقدية. وانتخاب رئيس للبنان قادر على خلق تفاهمات مع كل القوى، الخصوم قبل الحلفاء، باستطاعته إعادة هذه الثقة، وهو أمر لا يستطيع القيام به سوى شخصية متسامحة مع الجميع ومتصالحة مع نفسها، كفرنجية.

 

في 31 تشرين الأول/أكتوبر 2016، وفور إعلان فوز العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية من ساحة البرلمان وسط بيروت، خرج للتو رئيس تيار المردة سليمان فرنجية ليقول “مبروك لقد انتصر خطّنا السياسي”. هذا الخطّ هو نفسه الذي تمسّك بعون مرشّحاً رئاسياً، قاطعاً على مدى أكثر من 4 جلسات انتخابية الطريق على سليمان فرنجية فرصة الوصول إلى رئاسة الجمهورية، رغم ضمان حضور عددٍ كافٍ من النواب يؤمّن نصاب الثلثين لعقد جلسة الانتخاب، والعدد الوافي للفوز…

فإكراماً لعين الخط واحتراماً لقرار الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، قاطع فرنجية جلسات انتخابه، مضحّياً بالرئاسة كي لا يضحّي بوعد السيد للجنرال عون، وكي لا يصيب الخط بأيّ انتكاسة، علماً أنّ كلّ عارفي فرنجية وكلّ من خبره كان يدرك أن وفاء سليمان فرنجية لا يوازيه وفاء… وصدقه لا يعلو عليه صدق….

خسر فرنجية فرصته آنذاك ولم يحنق، كما يحنق اليوم مَنْ تنعّم بخيرات الخط وامتيازاته… على دعم فرنجية. خسر فرنجية كرسيّ الرئاسة آنذاك، ولم ينقلب حتى تكتيكياً، كما قارب انقلاب من استفاد من الخط حتى الرمق الأخير إلى اليوم، الانقلاب الاستراتيجي بتسمية ودعم مرشح ينتمي إلى خط المواجهة في أقلّ تقدير…

لم يعد عنوان معركة الرئاسة اليوم سوى إسقاط سليمان فرنجية… لم تعد الحيثية الشعبية والنيابية مطلباً، إلّا إذا كانت في حساباتهم الحاقدة شعبية مرشح المواجهة اليوم (جهاد أزعور) أكبر وأشمل…

هذا جانب من فريق مسيحي، يبقى جانب آخر يتصرّف بشراسة لقطع الطريق على فرنجية وكأنه قاتل عوائلهم في فراشهم، ربما التبس عليهم الأمر، واليوم يعيب عليه علاقته بسوريا. ربما غاب عن بالهم أن السوريين وبمعزل عن صداقة العائلة الشخصية بآل الأسد في سوريا، هم من حموا الفتى اليتيم سليمان من سكين أبناء جلدته الذين أبادوا أسرته. وحموا معه مسيحيي الشمال الذي سلم من ويلات التهجير بفضل حكمة جدّه سليمان فرنجية وأمثاله. 

وإلا لكان تحوّل مسيحيو زغرتا وبشري والبترون والكورة إلى مهجّرين لاجئين إلى أديرة ومدارس وأدراج ما كان يعرف بالمناطق الشرقية حيث رسم المعترضون على ترشيح سليمان فرنجية اليوم حدوداً من كفرشيما إلى المدفون.

السؤال هو لماذا الاستماتة والتوحّش ضدّ فرنجية؟ أو ربما يجب أن يكون السؤال، ما هي جريمة سليمان فرنجية؟

هل في أنه لا يبتزّ بتحالفه ولا يستغلّ حلفاءه؟

هل لأنه يثق بوعد حليفه الصادق، ولا يقلب مقاييس الوعد وصفاته حين لا تناسبه؟

هل لأنه جاء للمسيحيين حين كان وزيراً للداخلية بقانون العام 1960 الانتخابي، حين اعتبرت الأكثرية المسيحية أنّ به “رجع الحقّ لاصحابو” وكان مطلب بكركي (الكرسي البطريركي لأنطاكية وسائر المشرق للطائفة المارونية).

هل لأنه كما بعض أمثاله، حمى المسيحيين الخائفين من الوجود السوري، حين انهزمت مشاريع قادتهم المجنونة في العام 1990 بعد اتفاق الوفاق الوطني في الطائف؟

هل لأنه يعد ويفي، ويصدق حين يقول؟

هل لأنه حليف سوريا علناً وفعلاً، فيما ألد خصومه كانوا يتمنّون ويجاهرون حتى ويهدّدون، بزيارة سوريا، ولم يفعلوها حتى سرّاً وذلك لحسابات خاصة، ولم يفعلوها طيلة سنوات العهد الست؟

هل لأنه صفح عن قتلة والديه وشقيقته وصافحهم؟

هل لأنه لا يتعاطى السياسة بكيديّة؟

لقد أسقط خصوم الرجل كلّ المطالب والشعارات والبرامج والمشاريع والحيثيات وبقي: إسقاط فرنجية… علماً أن فرنجية يكاد، لا بل هو الوحيد القادر على إيجاد حلّ لأزمة لبنان… نعم لا يستخفّنّ أحد بهذه الخلاصة. فلبنان بحاجة إلى بعض الأمور الأساسية كي يخلص وينهض:

اقتصادياً، تعتبر الثقة عنصراً موازياً للخطط والسياسات المالية والنقدية، وانتخاب رئيس قادر على خلق تفاهمات مع كل القوى، الخصوم قبل الحلفاء، باستطاعته إعادة هذه الثقة، وهو أمر لا يستطيع القيام به سوى شخصية متسامحة مع الجميع ومتصالحة مع نفسها، كفرنجية، الذي بمقدوره أيضاً إعادة علاقات لبنان العربية والدولية إلى طبيعتها، ما يفتح باب الاستثمارات من جديد.

ديمغرافياً وأمنياً، والأساس فيها إعادة أكثر من مليوني نازح إلى سوريا، فرئيس كفرنجية وحده وبحكم علاقته بسوريا وقادتها يكاد يكون الوحيد القادر على ذلك، مسقطاً كلّ خطط الجهات المتآمرة على لبنان والساعية إلى توطينهم ودمجهم مهما بلغت ذروة قوّتها…

اجتماعياً، القادر على إعادة النهوض بالاقتصاد، وإعادة النازحين، يسهل عليه جداً تحسين الأوضاع الاجتماعية لأنها انعكاس للنهوض الاقتصادي، أما الأمن فمن نعم الله ولطفه أنه ورغم كل الظروف القاسية التي مرّ بها لبنان بقيت المؤسسات العسكرية والأمنية قوية ومتماسكة تمتلك الرهبة والهيبة والحزم معاً.

فلنوابنا كونوا رجال مرحلة، لا صبية أحياء حتى تتمكّنوا من إنقاذ الوطن.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى