رأي

دولة العدالة تبني الثقة وتعيد التوازن..وهذه هي المعايير(عماد عكوش)

 

بقلم د.عماد عكوش – الحوار نيوز

 

ان انتظام العلاقة مابين المواطن والدولة يحتاج الى بناء الثقة ما بين الطرفين ، وحيث تنعدم الثقة نجد التهرب الضريبي ، نجد مخالفة القوانين ، نجد التهرب الجمركي ، نجد العلاقة غير الصحية بين الطرفين والتي تؤدي غالبا الى الفوضى والفساد في المجتمع .

لذلك نجد ان هناك ترابطا كبيرا بين هذه العلاقة الصحيحة ووجود هذه الثقة ، وكلما كبرت نسبة فقدان الثقة كلما زاد الفساد ، والتهرب والتهريب من دفع ما تستحقه الخزينة والدولة، وهذا يؤدي غالبا الى فقدان التوازن في الموازنات وزيادة حجم العجز وبالتالي زيادة المشاكل الاقتصادية للدولة نتيجة لزيادة حجم الدين العام ، وهذا بالضبط ما حصل في لبنان .

المواطن اللبناني لا يثق بالدولة ولا يثق بالحكومات ، ولايثق بالسلطات ،سواء السلطة التنفيذية ، السلطة القضائية ، والسلطة المالية، وهذا نتاج تجربة وليس كلاما نظريا .

ان تغطية العجز في الموازنات لا يكون بأقرار قوانين جديدة يتم من خلالها فرض ضرائب جديدة، ولا يكون برفع الغرامات، خاصة ان من يستفيد من هذه الغرامات هم موظفو الدولة وليس خزينة الدولة، وهذا الامر يؤدي بكل الاحوال الى خلق نوع من تضارب المصالح ويتعارض مع قانون الوظيفة العمومية والتي تمنع على الموظف في القطاع العام ان يستفيد وبأي شكل، في تحقيق مصلحة مادية له ناتجة عن ممارسته لمهماته الوظيفية باستثناء ما يتقاضاه من رواتب ومنافع .

هذه الثقة بين الدولة وبين المواطن لا يتم بناؤها الا من خلال تطبيق العدالة ،ومن خلال عوامل يجب توافرها والعمل على تحقيقها وأهم هذه العوامل :

    الشفافية الكاملة

ان استخدام الشفافية الكاملة في المؤسسات العامة يشجع المواطن على القيام بمسؤولياته ، أما أخفاء الارقام والموازنات وقطع الحسابات للمؤسسات العامة وتقارير مفوضي المراقبة ، ودفاتر الشروط والعقود التي تقوم بتلزيمها الدولة ، كما اخفاء تقارير التفتيش المركزي عن الجمهور ، وعدم اكتمال المعلومات والتأخر في نشرها ، كل هذه الاسباب تجعل من عامل الشفافية ضعيفا جدا بحيث لا يعلم المواطن والمكلف أين ذهبت الضرائب التي دفعها او الى اين ستذهب الضرائب التي سيدفعها .

    العدالة الضريبية والوظيفية

للأسف لغاية اليوم هذه العدالة مفقودة وتمس الفقير أكثر من الغني وفق قدراته ، فالضريبة لا تفرض بالمساواة بين الفقير والغني، بل وفق قدرة كل طرف ، والضريبة التصاعدية بعد توحيد الوعاء الضريبي أمر ضروري للشعور بهذه العدالة . لقد أتت ضريبة القيمة المضافة لتمس جوهر هذه العدالة وتزيد من الشرخ الحاصل بين طبقات المجتمع ، فالرسوم الجمركية ونسبها كانت محددة وفقا للحاجة للسلعة وخاصة من قبل الطبقات الفقيرة بينما أتت الضريبة على القيمة المضافة لتفرض بنسبة ثابتة .

   المكننة الكاملة

ان عدم المكننة يزيد من حجم الفساد نتيجة لاحتكاك المواطن المستمر مع الإدارات العامة ، هذا الاحتكاك يولد نوعا من الفساد، خاصة امام ضعاف النفوس من الموظفين والمواطنين .فالمكننة تخفض من الاحتكاك الذي بدوره يخفض من الفساد .

   وقف التحاصص

وهنا نضيف إلى موضوع العدالة الضريبية والمكننة موضوع التوظيف التحاصصي في الادارات العامة ، هذا الامر يخلق شرخا كبيرا بين المكلف وبين الدولة ، فلماذا سيدفع المواطن الذي لا يستفيد من وظائف الدولة الضريبة ما دام لا يستفيد منها وبشكل عادل ؟ ولماذا سيدفع المواطن والمكلف الضريبة وملفات الفساد تملأ الاعلام ولا من يحاسب .

   وضع خطط شفافة وطويلة الاجل

ان وضع خطط طويلة الأجل والالتزام بها من قبل السلطات التشريعية والتنفيذية بعد تحويلها الى قوانين ملزمة، هي أهم باب يمكن اللجوء له لتحسين درجة الثقة ، ومن الضروري اصدار تقارير بمدى الالتزام بهذه الخطط ماديا وزمنيا .

     تقديمات موحدة

من الضروري ان تكون تقديمات الدولة للموظفين العاملين في القطاع العام موحدة، فلا يجوز ان تكون هناك فوارق كبيرة بين هذه التقديمات من ادارة الى أخرى ومن مصلحة الى اخرى ، كما من الضروري ان تكون التقديمات من الدولة اللبنانية للمواطنين موحدة فلا يجوز ان يكون هناك مواطن بسمن وأخر بزيت .

    السرية المصرفية

لغاية اليوم ورغم رفع السرية المصرفية عن كل من يتعاطى العمل والوظيفة العامة، لم يتم أجراء أي تفتيش ولو عشوائي على عينة من الموظفين او المسؤولين او المتعهدين ، فما نفع هذا القانون اذا لم يتم تطبيقه ولو عبر اختيار عيّنات سنوية كما يجري مع المكلفين بالضريبة بالحد الادنى ؟ وكيف يمكن للثقة ان تعود والمواطن العادي يتعرض للدرس وسؤاله من أين لك هذا بينما الموظف ، القاضي ، المسؤول ، والمتعهد لا يجرؤ أي جهاز على مساءلته ؟

   المكتومون

ما دمنا نشهد الكثير من المكتومين والذين لم يتم تسجيلهم كمكلفين لدى الدوائر الضريبية فإن المكلف والذي قام بملء أرادته بالتسجيل وفقا للقانون لن يكون راضيا عن كل ما تفعله الادارة الضريبية ، ولقد شهدنا في الفترة الاخيرة نزولا لبعض الموظفين لزيارة المكلفين المسجلين أصولا والتدقيق في بعض المستندات والسجلات، بينما المؤسسات المكتومة لم يتم اتخاذ اي تدبير بحقها ، وهذا الامر يجعل المسجلين القانونيين يندمون على ما قاموا به وفق القانون .

ان زيادة الواردات لا يكون بزيادة الضرائب، لأنها ستصيب بالدرجة الأولى المواطن الشريف، فهو الذي يدفع ضريبته . وزيادة الواردات لا يكون برفع الرسوم الجمركية لأنها ستصيب بالدرجة الاولى المواطن الذي لا يغش في بياناته الجمركية .إن زيادة الواردات تكون بتطبيق القانون ،وبتوسيع الوعاء الضريبي ليشمل كل المكتومين ، ويكون بتطبيق الضريبة الموحدة على المكلفين ، وتطبيق الضريبة التصاعدية بحيث يدفع كل مكلف وفق قدرته وليس بالتساوي ، ويكون بتشديد الرقابة على المرافئ الشرعية قبل المرافئ غير الشرعية لأن معظم التهريب هو عبر هذه المرافئ وبالتواطؤ ما بين المواطن والموظف.

ان زيادة الواردات ممكنة من خلال تعليق العمل بالاتفاقات التجارية ولا سيما مع الاتحاد الأوروبي والدول العربية والتي تعفي الكثير من السلع من الرسوم الجمركية ، رغم ان هذه الاتفاقات تسمح في حالة الأزمة الاقتصادية والخلل الكبير في الميزان التجاري وميزان المدفوعات للدولة اللبنانية ،ان تعدل او تعلق العمل بها ريثما يتم تصحيح الخلل .

المواطن اللبناني هو مواطن يحب ان يلتزم بالقانون وهو محب للخير ، وما يجري لدى المؤسسات الانسانسة وداخل القرى من تبرعات من اللبنانيين تؤكد على صحة كلامنا ، لكن ماذا فعلت الدولة بكل المعايير والشروط التي ذكرناها ، وما هي التقديمات التي قدمتها لمن قدم في شبابه ودفع ضرائبه والتزاماته ؟

للأسف لا شيئ ، لا ضمان صحي ، ولا خدمات تعليمية ، ولا تقاعد مشرف ، لا بل سرقت مدخراته ، وهذه الامور هي أدنى حقوق المواطن الشريف الذي يدفع ما عليه ، فهل أمّنتها الدولة ؟

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى