ثقافة

المرتضى في ذكرى بطرس البستاني: المشاكلَ الوطنية التي ناقشَها وطرحَ لها حلولًا ما تزال هي هي

 

الحوارنيوز – خاص

أحيت جمعية المعلم بطرس البستاني حفلًا بمناسبة المئوية الثانية لولادته تحت عنوان “يوم المعلم بطرس، في قاعة المكتبة الوطنية – الصنائع، برعاية وحضور وزير الثقافة القاضي محمد وسام المرتضى،  وبحضور النائب فريد البستاني ،الوزير السابق النائب سيزار ابي خليل، الوزير السابق طارق الخطيب، النائب فيصل الصايغ ممثلا الوزير وليد جنبلاط، الرئيس العالمي للجامعة اللبنانية الثقافية في العالم ( العودة الى الجذور) شكيب رمال، مطران جبل لبنان للروم الارثوذكس سلوان موسي، الشيخ سامي عبد الخالق ممثلا شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز، الاب نكتاريوس خيرالله ممثلا مطران بيروت للروم الارثوذكس الياس عودة وفضيلة الشيخ عامر زين الدين  والقنصل فارس صائم الدهر ممثلا  السفارة السورية ، وحشد من أهل الثقافة والفكر والقلم.

أستهل الاحتفال  بالنشيد  الوطني اللبناني  ثم كلمة لعريف الحفل   الشاعر والاعلامي  حبيب يونس الذي قدم للوزير المرتضى قائلا :

يافعًا كنت حين حلَمتُ بلبنان وطنًا اختصرتُه ببيت الشِّعر هذا:

من حاضرٍ كنْ ومن مواضي

سكرةَ فكرٍ وعدلَ قاضي

فكيفَ إذا اجتمع الفكرُ والثَّقافة والحضورُ المحبَّب في شخصِ من قبض على العدلِ بكلا الحقِّ والمحبَّة… فعُرف بالقاضي العادل.

 

مذ وُلِّي حقيبتَه الوزاريَّة، ما تلقيتُ دعوة إلى احتفال ثقافيٍّ إلا وكان برعايته، حاضرًا أوَّل، أو بممثِّل عنه، كأنِّي به أبٌ عينُه على فِلْذاته: القصيدة، المنحوتة، اللوحة، الكتاب، المسرح، الأغنية، المعلم الأثري، والإنسان اللبناني المبدع.

المنبر لصاحب الدار والرعاية معالي وزير الثقافة القاضي محمد وسام المرتضى.

كلمة المرتضى

ومن وحي المناسبة القى وزير الثقافة كلمة جاء فيها :””المعلم بطرس البستاني سقى الله بديمةٍ سَكوبٍ من غمامِ لبنان، ذكرى بطرسَ بْنِ بولُسَ البستاني، على غِرارِ ما كان جَدُّهُ يسقي بساتينَ الجبلِ، ومثلما سقى هو بساتينَ العقول، بالحبر الذي سال في عروقِ النهضة العربيةِ الأولى، كتبًا ومجلّاتٍ وموسوعةً وقاموسًا وترجماتٍ، وسوى ذلك من منائرَ معرفيةٍ أضاءَت القرنَ التاسعَ عشر، وما برِحَت وقّادةَ الحضور إلى اليوم في ظلمات أعمارنا الكالحة.

​ لكنْ مهلًا، لعلَّ هذا الحضورَ المستدام، هو الإشكاليةُ الأساسُ في مسيرةِ المعلم بطرس البستاني وأقرانِه من معاصريه وتابعيه الذين حاولوا النهوضَ بالأمّة والوطن، على أسسٍ من المحبّة والوئام ونبذ التعصّب فما أفلحوا إلا قليلًا. ذلك أنه ليس من العجب في شيءٍ أن يبقى الفكرُ حيًّا نابضًا بعد مئةٍ وأربعين عامًا على وفاةِ صاحبه، بل العجبُ، كلُّ العجب، أنَّ المشاكلَ الوطنية التي ناقشَها وطرحَ لها حلولًا، ما زالت هي هي، كأن صوتَ المعلم فيها راحَ بلا صدى.”

 

​لافتا الى أن :”بطرس البستاني أنشأ بعد حوادث العام 1860 المشؤومة جريدةً سماها “نفيرَ سوريا”، وبثَّ فيها سلسلةً من الوطنيات تناولت قواعد بناء الدولة الحديثة وأسباب قيام المجتمع الموحّد الذي يتعاضدُ أبناؤه فيما بينهم، من أجل الصالح العام، على الرغم من جميع تبايناتِهم.”

 

وقال :”إنَّ مراجعةً سريعةً لبعضِ ما كتب في هذه الجريدة تحملُنا على ضربِ النفيرِ مجدَّدًا لإيقاظ وعيِنا الوطني من غفلةٍ تتحكمُ فيه. قال المعلم في الوطنية الأولى: “يا أبناءَ الوطن، إنكم تشربون ماءً واحدًا وتتنسّمونَ هواءً واحدًا، ولغتُكم التي تتكلمون بها، وأرضُكمُ التي تطَأونَها، وصوالحُكم وعاداتُكم فهيَ واحدة. عن قليل تدركون معنى هذه النصائحِ وصالحَكم العمومي”.

 

وأضاف المرتضى:”أوليس من المحزن أن بيننا من ينادي بتبديد وحدة الماء والهواء والأرضِ والصوالحِ والعادات؟ وكتب المعلمُ في الوطنية الرابعة: “يا أبناءَ الوطن، نحذِّرُكم من أربعةٍ: التعنُّتِ والتحكُّمِ والتعصُّبِ والبُطْل، فإنها ليست من الخير في شيء. وننبِّهُكم إلى الكلمةِ الذّهبية، كما تريدون أن يفعلَ الناسُ بكم فافعلوا أنتم أيضًا بهم”. أوليس من المؤلم يا سادةُ أن تبقى هذه الآفات الأربع مستبدةً بواقعنا ومصيرنا الوطنيين .”

 

وتابع:”فالتعنُّتُ أَخَذَ بعضًا إلى رفض الحوار، والتحكُّم إلى ادِّعاء العصمةِ في العملِ السياسي، والتعصّبُ إلى عدمِ القبول بأيِّ شخصٍ أو رأيٍ آخر، والبُطْلُ نتيجةُ هذه كلِّها. آفاتٌ آن أوانُنا للخروجِ منها ولو متأخرين، من أجل الحفاظ على لبنان.”

 

​واردف وزير الثقافة:”وفي المقابل، يقتضي الإنصافُ القولَ إنَّ راهنيَّةَ المعلم بطرس لا تقتصرُ فقط على هذا الوجه السلبي إن صحَّ التعبير. فلعلَّه من قلةٍ قليلة قرَنَت فكرها بأدوات تنفيذية تتجسَّدُ من خلالِها النظريات واقعًا ملموسًا، كما هو شأن البُنى والمؤسساتِ في العصر الحديث. حتى إنه لَيتساوى أهميةً باعتقادي، محيطُ المحيط ودائرةُ المعارف وترجمةُ الكتاب المقدّس مع تأسيسه المدرسة الوطنية اللاطائفية الأولى في الشرق كلّه. تلك التي توافد إليها الطلابُ من طوائفَ ومذاهبَ شتى، ودرسَ فيها اللبنانيُّ والسوريُّ والفلسطيني والعراقيُّ والمصري والتركيُّ واليونانيُّ والعجمي، كما يذكر المؤرخون، فعاشوا جميعًا في لقاءٍ إنسانيٍّ ولا أروع، متراصفين على مقاعد الدراسة أمام معلمين كبار، وأحرارًا في ممارسة شعائرهم الدينية حسبما تُملي على كلِّ واحدٍ منهم طقوسُ دينه وطائفته.”

 

ورأى انه لا يبالغ  في القول:” إن تلك المدرسة البستانيةَ التي أرادها المعلّمُ المؤسسُ يومذاك أن تكون وسيلةً لمعالجةِ رواسبِ فتنة عام 1860، باتت بعد ذلك عنوانًا مشرقًا للتربية الوطنية الصحيحة، لا بل أكثر، فقد أصبحت صورةً حقيقيةً عن لبنان المرتجى، في تنوُّعه وحريّتِه ولقاءِ أبنائه على عيش واحدٍ متينِ الأواصر. هذا النهجُ التربويُّ الجامع، هو الذي ينبغي له أن يسود، ليعرفَ أولادُنا بعضُهم بعضًا، ويعيشوا تعدّديتَهم معًا في جوهرِ اللقاء الوطني الإنساني. وهذا هو بالحقيقة خلاصةُ فكر المعلم بطرس البستاني، وزُبدةُ جهوده في التأليف والتعليم. فعلينا أن نعمِّمَ تجربتَه التربويةَ الرائدة، وأن نتّبعَ أساليبَها لا في الشكل فقط، بل في عمق الحياة الوطنية اللبنانية، وبخاصةٍ بين التلامذة والطلاب. هكذا يصيرُ حضورُه في ملءِ ساعاتِنا، ضوءًا مكتملَ السطوع.”

 ​وشدد المرتضى على أهمية قراءة ما كتب المعلم بطرس البستاني:”

​أردتُ أن أقرأَ معكم على عجلٍ بعضًا من سيرةٍ معرفية باذخة، لرجلٍ انْعَجَنَت أيامُه بالحبرِ والفكر، قولًا وفعلًا، فعرَفَ كيفَ يخمِّرُ زمانَه بخميرةِ العمل الدؤوب، وكيف يسهرُ على وطنِه العمرَ كلَّه، فيسقيه من ينابيع التراث والترجمات والعلوم، ويتركُ للأجيال التي جاءت بعدَه والتي ستأتي بعدنا منجزاتٍ ثقافيةٍ يفيضُ من يومِها غدُها. ولقد أردتُ من هذه القراءة أن نصل جميعًا، كلبنانيين، إلى الدخولِ في مسألةٍ تُشبِهُ “كشفَ الحِجاب عن علمِ الحساب”، وهو كتابٌ مدرسيٌّ وضعه المعلم بطرس في علم الرياضيات وبقِيَ يُدَرَّسُ زُهاءَ نصفِ قرن. هذا الكشفُ الذي أدعو إليه، ينبغي له أن يضعَ اللبنانيين أمام معادلةٍ حسابيةٍ وطنية دقيقة يطرحُها هذا السؤال: نحن في لبنان نفتخرُ بأن نكون من مواطني المعلم الكبير بطرس البستاني، فهل تُراه يشعرُ تُجاهَنا الشعورَ نفسَه، ونحنُ على ما نحن عليه من الآفات التي حذّرنا منها؟.”

​ وختم وزير الثقافة كلامه :”صدقوني يا أحبتي، لا تنفعُ الذكرى إذا لم يرافِقْها عملٌ ينسجم مع رؤى وطموحات صاحب الذكرى.

وفقنا الله واياكم الى ما يحبّه ويرضاه، عشتم وعاش لبنان.”

 

 

بدوره القى النائب فريد البستاني كلمة حيث قال :”أرحِّبُ بكم جميعًا، باسمي وباسمِ “جمعيَّةِ المعلِّمِ بُطرس البستاني”، في هذا الصَّرحِ الثَّقافيِّ المميَّز، وفي هذا اليومِ بالذَّات، يومِ المعلِّم بطرس الَّذي أرادَتْهُ الجمعيَّةُ ملتقًى للفكرِ والثَّقافةِ والرُّؤيةِ والوطنيَّة، نستذكرُ فيه كبيرًا من بِلادِنا، ونستلهمُ تعاليمَه وأقوالَه، ونقتدي بمسيرتِه الغنيَّةِ الشَّاملة، وننتَمي إلى فعلِ التَّنويرِ الذي أطلقَه، إبنُ بلدةِ الدِّبيَّة الشُّوفية، قبلَ مئتي عام، حتَّى غَطَّى بأشعَّتِهِ كلَّ هذا الشَّرق.

هذا الرَّجلُ الذي، بِسِعَةِ معرفَتِهِ، وبعزمِهِ وإرادتِهِ، وبدَأْبِهِ ومثابرَتِهِ، وبرؤيتِهِ وبصيرتِه، استطاعَ خِلالَ سِتِّينَ سنةً من عمرِه، أن يزيلَ عَتَمَةً لَفَّتْ بِلادَنا ومِنْطقَتِنا، بِسراجِ نورٍ أضاءَهُ ورفَعَهُ على مَنارَةٍ، فَاهتَدى بهِ كثُرٌ، وَانْطلَقَ مُذْذاكَ عصرُ النَّهضةِ، يبَشِّرُ بِغَدٍ أَفْضَلَ لشعوبِنا وأوطانِنا. وكلُّ الفضلِ في ذلكَ لِمَنْ عَلَّمَنا أَنَّ حُبَّ الوطنَ منَ الإيمانِ، وأَنَّ الدِّينَ للهِ والوطنَ للجميع.”

 

 

وتوالى على الكلام عريف الحفل الشاعر حبيب يونس والدكتور هيام ملاط ،الدكتورة إلهام كلاب البساط، وركزت كلماتهم على إرث المعلم بطرس في الوطنية والعلم واللغة العربية وحقوق الإنسان والمرأة ونبذ الطائفية،  وكذلك حرية الضمير كنهج حياة. كما ألقوا الضوء على دوره في التربية والتعليم وتطرقوا الى تميزه في مجال الترجمة والتعريب ،وقد تخلل الاحتفال فيلم مصور عن حياة المعلم بطرس البستاني ومناجاة لروحه وأغنية وُضعت لمناسبة المئوية الثانية لولادته

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى