إغتراب

سياسة اللجوء والهجرة إلى أوروبا في ظل تصاعد النزعات العنصرية..السويد نموذجا(طلال الإمام)

طلال الامام*  – الحوارنيوز

ما هو المقصود بالعنصرية؟
ثمة تعاريف عديدة للعنصرية يمكن اختصارها أنها تيار فكري قائم على التفرقة بين البشر حسب خلفياتهم العرقية الدينية الثقافية، الطائفية، لون البشرة الجنس،
القبيلة، العشيرة، المعتقدات، الوضع الطبقي، وبالتالي تبرير معاملة الأفراد المنتمين لهذه الجماعة أو تلك بشكل مختلف سياسيا، قانونيا أو اجتماعيا. ينجم
عن هذا التمييز ازدراء أو اضطهاد أو قتل لكل من يختلف ناهيك عن النزاعات والحروب التي تعاني منها الشعوب والبلدان بفعل هذه التوجهات.
شهدت مختلف البلدان والشعوب شكلا من أشكال العنصرية من بينها:
• أمريكا بعد الحرب الأهلية أواخر القرن التاسع عشر عندما ظهرت قوانين عنصرية تدعم سيطرة البيض على الزنوج في مجالات الإسكان، الوظائف ووسائل النقل وغيرها.
• جنوب أفريقيا منذ ظهور نظام الفصل العنصري بين المستوطنين البيض والسكان السود أصحاب الأرض الأصليين وتفضيل الإنسان الأبيض في جميع المجالات.
• النازية الألمانية التي تعتبر العرق الجرماني هو الأساس الذي يجب أن يسود على بقية الشعوب.
• الصهيونية في فلسطين.
أدانت الأمم المتحدة مختلف أشكال العنصرية حيث تنص المادة الثانية من
الإعلان العالمي لحقوق الإنسان (عام 1948) على أن لكل إنسان حق التمتع
بكافة الحقوق والحريات الواردة في هذا الإعلان دون أي تمييز بسبب العرق،

– 2 –
اللون، الجنس، اللغة، الدين، أو الأصل الوطني، أو الاجتماعي أو الثروة أو الميلاد.
يمكن تقسيم التمييز العنصري الى شكلين:
التمييز المباشر: يظهر في التعامل مع شخص ما بطريقة دونية وتفضيل شخص
أخر عليه بسبب عرقه أو معتقده
التمييز غير المباشر: عبر فرض قوانين وشروط دون أسباب وتكون هذه
الشروط قي صالح فئة معينة على حساب فئة أخرى.

أسباب تصاعد النزعات العنصرية في أوروبا والسويد
بدأ اليمين الأوربي والعنصري المتطرف في الصعود منذ تسعينيات القرن الماضي بفضل عدة عوامل أهمها:
• أزمة اقتصادية ومخاوف الأوربيين من تدني مستوى الرفاهية مع تزايد الخطاب الشعبوي اليميني الذي يستغل هذه الأزمة للترويج لأفكاره.
• تراجع قوى اليسار (لأسباب ذاتية وموضوعية) مع سقوط المعسكر الاشتراكي وهيمنة قطب واحد يفرض سياساته عبر إعلام يبشر بالليبرالية الجديدة، بل ويفرضها عبر مؤسساته المالية وسيطرته الإعلامية.
• سياسات الهجرة واللجوء وفشل سياسة الاندماج ووضع اللوم في الأزمة الاقتصادية المتصاعدة على اللاجئين فقط.
لم تكن السويد بمنأى عن الوضع الأوربي , وخاصة بعد انضمامها للاتحاد
الأوربي عام 1995.
بدأت بوادر الأزمة في تصاعد أفكار الليبرالية الجديدة والخصخصة وبدأ
النموذج السويدي يتآكل شيئا فشيئا. النموذج الذي كان يطلق عليه نظام الرفاهية
الزائدة وهو كذلك بفعل الإنجازات التي تحققت للمواطن السويدي المتمثلة في
الضمانات الاجتماعية، الصحية، التعليمية، مجتمع علماني، مدني وديموقراطي.

– 3 –
كانت السويد منذ سنوات ما بعد الحرب العالمية الثانية قبلة للجوء وذلك بسبب
الامتيازات الي يحصل عليها كل قادم للسويد (سرعة الحصول على الإقامة
الدائمة. ثم الجنسية، الضمانات الصحية والاجتماعية من سكن وتعويضات وغير ذلك).
لكن مع تصاعد الأزمة الاقتصادية الأوربية والسويدية من ضمنها وبدء تأكل
منجزات مجتمع الرفاهية للفرد وفشل سياسات الاندماج للحكومات السويدية
المتعاقبة. كان ذلك كله فرصة أمام القوى اليمينية العنصرية
لوضع اللوم على الأجانب فقط وتحميلهم كل أسباب أزمات المجتمع.
نسارع للقول إن تصرفات وسلوك بعض الأجانب من حيث الالتفاف على
القوانين واستغلالها إضافة الى محاولة العيش في المجتمع الجديد بعقلية
حملوها من مجتمعاتهم السابقة وبشكل خاص تلك التي تتناقض كليا مع
المجتمع الجديد وقيمه، ساهم أيضا في تنامي تلك النزعات اليمينية المتطرفة.
إن ما ذكرناه لا يعني ابدأ تخلي الاجنبي عن كل قيم المجتمع السابق المطلوب
اندماج وليس ذوبان.
أول مظهر من مظاهر تنامي النزعات العنصرية في السويد تمثلت في الصعود
الملفت لحزب عنصري معاد للأجانب وذو خلفية نازية: حزب ديموقراطيو
السويد الذي تأسس عام 1988 وتمكن من الوصول للبرلمان السويدي في
انتخابات عام 2010. منذ تلك الفترة بدأ يروج لأفكاره العنصرية المعادية

– 4 –

للأجانب مطالبا بوقف الهجرة، وتشديد حق لم الشمل، الإقامة أو الجنسية وبدء
ترويج ممنهج مع خطاب شعبوي ملقيا اللوم في الأزمة الاقتصادية وتصاعد
الجريمة والمخدرات على الأجانب فقط. إن تواجده في البرلمان فسح أمامه
المجال الوصول لمختلف وسائل الأعلام واستخدام التعويضات المالية التي
يحصل عليها بسبب ذلك التواجد من اجل الترويج لأفكاره وتعبئة المجتمع ضد
الأجانب. استمر تصاعد شعبية هذا الحزب العنصري ليتحول الى القوة
السياسية الثانية في البرلمان بحصوله في انتخابات عام 2022 على أكثر من 20
% من الأصوات. هذا الوضع صعب على الكتلتين اليمينة واليسارية في البرلمان
تشكيل حكومة لا تنال موافقة هذا الحزب العنصري. كان من المستبعد أن تقوم
كتلة اليسار بالتحالف مع هذا الحزب لأسباب أيديولوجية. استغلت الأحزاب
اليمينية (حزب المحافظين الحزب الديموقراطي المسيحي، الحزب الليبرالي)
هذا الوضع الناشئ لأجراء مفاوضات سرية مع حزب ديموقراطيو السويد تكللت
بالتوقيع على اتفاقية سميت اتفاقية تيدو (نسبة الى اسم قلعة جرت فيها
المفاوضات). تقع الاتفاقية في 63 صفحة تتضمن سياسة الحكومة اليمينية
المتحالفة مع حزب عنصري ذو خلفية نازية في جميع المجالات … الأهم هنا
حول سياسة الهجرة واللجوء.
صحيح أن الحزب اليميني المتطرف لم يطلب أو يحصل على أي منصب وزاري
لكن لا يمكن للحكومة اتخاذ أو تمرير أي قرار في البرلمان لا يوافق عليه هذا
الحزب بمعنى انه يملك حق الفيتو.
– 5 –

منذ التوقيع على اتفاقية تيدو بدأت تتوالى الإجراءات والاقتراحات التي ترمي
الى وقف الهجرة او تشديدها، وضع قواعد صارمة للحصول على إقامة عمل،
إقامة دائمة، لم الشمل الأسرة ترافق ذلك كله مع ظهور نزعات عنصرية في
مجالات التوظيف وانتشار فوبيا الأجنبي عموما طبعا باستثناء ذوي العيون الزرق.
أدناه بعض الاقتراحات والإجراءات والتصريحات للحكومة الحالية في مجالات
الهجرة والتضييق على المهاجرين وبث النزعات العنصرية:
• تشديد شروط منح الإقامة الدائمة.
• صعوبات تحويل إقامة العمل الى إقامة دائمة.
• وضع شروط صارمة للحصول على الجنسية السويدية.
• ان يقتصر حق الحصول على مترجم فقط على الحاصلين على الإقامة الدائمة او يحملون الجنسية السويدية.
• تشديد شروط لم الشمل الى السويد.
• تقييد إمكانية منح تصاريح الإقامة لأسباب إنسانية.
• ترحيل الأجانب (المهاجرين) ذوي الشخصية (السمعة) السيئة
• صرحت وزيرة الهجرة “لا تأت للسويد إن لم تستطع إعالة نفسك والاندماج).
• أي شخص مقيم في السويد عليه الالتزام بإظهار الاحترام للقيم السويدية الأساسية والمجتمع.
• اقتراح بترحيل كل اجنبي بإقامة دائمة او مؤقتة اذا كان سلوكه غير متوافق مع قيم المجتمع السويدي (الارتباط بمنظمة إرهابية،الدعارة،المشاركة في منظمات عنفية او متطرفة تهدد قيم المجتمع السويدي ) او اذا وجدت ملاحظات ثابتةفيما يتعلق بأسلوب الحياة التي يعيشها الأجنبي وعائلته وتتناقض مع قيم المجتمع السويدي.

– 6 –

• العمل على اصدار قوانين جديدة تجبر موظفي الدولة (معلمين ، ممرضين،اطباء )الإبلاغ عن أي شخص يقيم في السويد بشكل غير شرعي حتى ولو كان من الأطفال في المدارس السويدية .
• اقتراح يتيح سحب الجنسيةالسويدية من الأجانب في حالات معينة( من حصل على الجنسية بناء على تضليل او أسباب غير صحيجة اوان المهاجر يهدد امن المجتمع والدولة السويدية) .
أخيرا
إن هذه المؤشرات على تنامي مشاعر العنصرية المعادية للأجانب تنسحب على
غالبية البلدان الأوربية بهذا الشكل أو ذاك. وأسبابها كما ذكرنا هو الوضع
الاقتصادي والمعيشي الذي يتدهور بسرعة مع تنامي نزعات الحروب وإنتاج
الأسلحة، إضافة الى سلوك بعض المهاجرين السلبية التي تؤمن التربة الخصبة
لتنامي تلك المشاعر.
إن تنامي النزعات العنصرية والنازية في المجتمعات لا علاقة لها فقط بوجود
أجانب أم لا (والدليل هو ظهور النازية والفاشية في المانيا الهتلرية وغيرها
رغم عدم وجود أجانب أو لاجئين).
طبعا هناك قوى خيرة في المجتمعات الأوربية تجابه بإمكانياتها المتوفرة
النزعات العنصرية والفاشية المتصاعدة. لكن دورها متواضع لا سباب ذاتية
وموضوعية وهذا يحتاج لوقفة خاصة.

*محاضرة القيتها في اتحاد الكتاب العرب فرع حمص بتاريخ 30/05/2023

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى