دولياتسياسة

مؤتمر جدة للسلام الأوكراني.. ما له وما عليه(فلاح الحسن)

 

بقلم د. فلاح الحسن* – الحوار نيوز

      لم يجد مؤتمر السلام في جدة ومبادرة المملكة السعودية رحماً ملائماً للنمو بشكلٍ طبيعي، لذا ولد الجنين ميتاً. فغياب موسكو الطرف الفاعل في المؤتمر عجل بحرمان الجنين من الحياة بعد عملية قيصرية سريعة، فولد ولم يصدر له اي بيان ختامي. وهذا يؤكد بما لا يقبل الشك غياب التوافق واختلاف المواقف بين الدول المشاركة. فمن الصعب جدا ان يتفق ممثلو نحو 40 دولة على موقف موحد من الحرب الدائرة بين روسيا الاتحادية من جهة واوكرانيا وخلفها دول حلف الناتو والمتحالفون معها.

فاذا اخذنا بنظر الاعتبار تصريحات موسكو التي تؤكد ان الظروف غير مؤاتيه بسبب رفض كييف الجلوس الى طاولة المفاوضات: وكذلك عدم قدرتها على الموافقة إذا كانت أصلا لديها تلك الرغبة بذلك لأنها اداة بيد التحالف الغربي، بحسب تعبير موسكو، فيما يرفض الطرف الاوكراني العودة للمفاوضات قبل انسحاب القوات الروسية لحدود عام 1991، فهذا ما يجعل مؤتمر جدة خارج إطار توجه كلا الطرفين المتصارعين.

الغرب من طرفه لا يسمح باي موقف يمكن ان يُفسر على انه انتصار روسي، لأنه بذلك يؤكد نظرية تعدد الاقطاب على الساحة الدولية. في الوقت نفسه لا يُمكن لموسكو ان تعود بخفي حنين بعد حرب شرسة طويلة الامد رافقتها خسائر بشرية واقتصادية واجتماعية.  

لذا نرى ان على صانع السلام السعودي ايجاد مخرج للرئيس بوتين للحفاظ على ماء الوجه، وكذلك إعطاء الغرب ما يقدمه للشارع الأوروبي ولناخبيه بعد المليارات التي أنفقت والاسلحة الهائلة التي أرسلت الى ساحات القتال والدمار الواسع الذي طال اغلب المدن الاوكرانية وبالخصوص الشرقية منها.

المعادلة صعبة جدا، لكن ما يُحسب للرياض هو شرف المحاولة ما يعطيها ثقلاً دولياً اضافياً لقدرتها على استضافة ما يقارب 40 دولة وطرح موضوع شائك ومعقد على طاولة النقاش، وكذلك تمسكها بموقف المحايد الباحث عن السلام.

 نعتقد ان الحل الاقرب للواقع ويمكن تحقيقه في الوقت الحالي نظرا لنتائج الهجوم المعاكس الاوكراني التي لم ترتق للآمال الغربية،على الرغم حجم الدعم المقدم عسكرياً ومالياً والأسلحة النوعية المتطورة التي زُجت في ارض المعركة التي أرسلتها دول الحلف، مقارنة بالخسائر البشرية التي تكبدها الجانب الاوكراني وحجم الدمار الذي لَحق بتلك الاسلحة، نرى ان تتم الدعوة لوقف إطلاق النار الفوري يليه تبادل الاسرى وترك موضوع انسحاب القوات الروسية من الأقاليم الأربعة في الوقت الحالي، ثم مناقشة تقديم ضمانات أمنية دولية بعدم ضم المزيد من الاراضي الى روسيا مع عدم الترويج لقضية انضمام كييف لحلف الناتو. كل هذا مشروط بتوفر الرغبة الحقيقية لوقف الحرب لدى حلف الناتو، وبالخصوص الولايات المتحدة باعتبارها الممول الرئيس للحرب والداعم الاكبر لاستمرارها والمستفيد الاول مما يجري بعد جمهورية الصين الشعبية. وبهذا نكون قدمنا ما يحتاجه الغرب كمادة إعلامية للترويج لانتصاره على روسيا بالمحافظة على كييف من السقوط بيد بوتين، وكذلك حافظنا على ماء وجه موسكو وعدم عودتها خالية الوفاض من حرب قاسية.

ونعتقد ان هذه الرغبة لدى الغرب غير متوفرة حالياً على اقل تقدير، وهو يستمر بمحاولة عزل روسيا دولياً بعد ان سئم الجميع من الحرب، وكذلك الضغط على الدول المحايدة واستمالتها الى جانبه، فيما يصر الجانب الروسي على المضي بخططه لاعتقاده ان الغرب يستهدف وحدته وتحجيم دوره الدولي وقصقصة اطرافه وان امكن تقسيمه الى مجموعة دول، لذا “جدة” لن تجد اذناً صاغية ووليدها لن يعود للحياة رغم الدعوات بتنظيم الدورة الثانية لمؤتمرها للسلام قبل انعقاد اجتماعات مجموعة الدول العشرين في العاصمة الهندية نيودلهي، ولن تنفع معه دعوات الآملين خيراً من انعقاده.

 فتجار السلاح والشركات المنتجة والرغبين في استمرار هيمنة القطب الواحد هم المستفيد الوحيد من الحرب الدائرة اما الاخرين، فهم مجرد وقود او ادوات وفي أحسن الاحوال متفرجون على توجه العالم لحرب كونية لا تُبقي ولا تذر والمنتصر فيها خاسر.

 

*عضو المركز العربي الأوروبي للسياسات وتعزيز القدرات/ بروكسل

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى