سياسةصحفمحليات لبنانية

تفاصيل ردّ لبنان على ورقة «الترتيبات الأمنية»

 

الحوارنيوز – صحافة

تحت هذا العنوان كتبت ميسم رزق في صحيفة الأخبار تقول:

 

 

صحيح أن جميع الموفدين الغربيين يعملون أساساً لتحقيق مصالح العدو، وصحيح، أيضاً، أنهم أدركوا أن لا مجال لأي بحث قبل وقف الحرب على غزة، لكنّ الصحيح أكثر، هو أن هذه الأطراف تتصرّف وفق خلفية أن إسرائيل هي المنتصر حكماً ودوماً، وأن على الأطراف الأخرى تقديم التنازلات طوال الوقت. بهذا المعنى، يتصرّف الجميع مع الجهود الدبلوماسية الجارية بشأن الجبهة اللبنانية على قاعدة واضحة: الأميركيون هم الطرف الذي يمكنه التحدث باسم صاحب القرار، وجميع الأطراف الأوروبية الأخرى تعمل تحت إشرافه أو في خدمته. لكنّ المساعي الفرنسية الدائمة لانتزاع دور خاص، تصطدم دائماً ليس فقط بعدم ثقة إسرائيل بباريس، بل بعدم إظهار الفرنسيين حرصاً على ما تبقّى من مصالح لهم في المنطقة.

وفيما تقول باريس للعدو وللأميركيين بأنها الطرف الغربي الوحيد القادر على التواصل مع حزب الله، تحاول القول للحزب بأنها الطرف الذي يمكنه التواصل معه. وليس في الأمر منّة فقط، بل تهويل، وكأنّ التواصل مع فرنسا هدف بعينه، فيما يُفترض بالجانب الفرنسي أن يأخذ في الاعتبار أن سلوكه المحابي للعدو قد يقفل الباب أمام آخر ساحة مفتوحة أمامه، خصوصاً أن تجاربَ ليست ببعيدة، كالترسيم البحري، أظهرت أنه يمكن الاستغناء عن خدمات الفرنسيين متى لزم الأمر، خصوصاً أن الموفد الرئاسي الأميركي عاموس هوكشتين يتولّى أساساً الملف الحالي.
وكشفت مصادر سياسية بارزة عن وجود صراع جوهري بين باريس وواشنطن، مشيرة إلى أن «الولايات المتحدة لا تدعم المقترح الفرنسي، لا بسبب وجود اعتراضات على بنوده، بل لأن واشنطن تريد أن تقود الترتيب السياسي». ولفتت إلى أن مسؤولين لبنانيين يعملون على خط بيروت – واشنطن نقلوا كلاماً لمّح إلى أن الإدارة الأميركية تصرّ على أن تلعب واشنطن الدور الرئيسي في وضع إطار الحل، خصوصاً في ما يتعلق بمسار الترسيم البري.
ومع ذلك، يحاول الجانب الفرنسي «التشاطر» في كل خطوة. وفي هذا الإطار، عندما طلبت إسرائيل من باريس التدخل لدى حزب الله لوقف العمليات في الجنوب، بادر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى تشكيل فريق عمل، يتبع له كما في كل الملفات، شارك فيه موظفون من وزارتَي الخارجية والدفاع، إضافة إلى جماعة الاستخبارات الخارجية. ويعمل هذا الفريق على وضع تصور يستند إلى ما يفترضه الفرنسيون «أموراً قابلة للتطبيق» عند الجانبين. لكن، عندما باشر الجانب الفرنسي اتصالاته مع حزب الله مباشرة، ومن خلال رئيسَي المجلس النيابي نبيه بري والحكومة نجيب ميقاتي، سعى إلى انتزاع تنازلات لتوفير عناصر الأمن للعدو، واستخدم كل أنواع التهويل والتحذير في معرض حثّ لبنان على القبول بتسوية سريعة.
وكانت لافتة مسارعة باريس الأسبوع الماضي إلى طرح ورقة عمل انطلقت من معطيات تفيد بأن الهدنة في غزة باتت وشيكة، رغم ما نُقل عن وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن أن هناك وقتاً مفتوحاً قد يمتد إلى نهاية الشهر الجاري أو حتى بداية شهر رمضان. وعلى هذا الأساس، وصل وزير الخارجية الفرنسي ستيفان سيغورني إلى بيروت، حاملاً «الورقة – المقترح»، وأبلغ المسؤولين في لبنان بأن المدير العام للخارجية الفرنسية فريديريك موندولوني والمدير العام لشؤون الاتصالات الاستراتيجية في وزارة الدفاع أليس روفو سيصلان خلال يومين إلى لبنان لمناقشة مضمون الورقة.

الورقة الفرنسية
وبحسب المعنيين، فإن الورقة هي عبارة عن صفحتين بالإنكليزية (non-paper)، تحت عنوان «ترتيبات أمنية بين لبنان وإسرائيل». وهي تشير في الجزء الأول إلى تفاهم نيسان 1996، وتقترح «آلية لمجموعة من الخطوات الهادفة إلى خفض حدة التصعيد ضمن مسار تدريجي يسير على مراحل مع بدء التهدئة في غزة. على أن تلتزم الأطراف بهدف اتخاذ قرار جدّي لوقف إطلاق النار، عندما تكون الظروف مناسبة، بهدف ضمان التنفيذ الفعَّال لقرار مجلس الأمن الرقم 1701، الذي يظل الأساس لاستقرار الوضع على الحدود».
وتقترح الورقة «تشكيل مجموعة مراقبة تتألف من الولايات المتحدة وفرنسا ولبنان وإسرائيل لمراقبة تنفيذ الترتيبات الأمنية التي سيجري الاتفاق عليها، والتعامل مع الشكاوى التي يمكن أن تقدّمها الأطراف». ويجري التنفيذ، وفق الورقة، على ثلاث مراحل من التنفيذ، الأولى: لا سقف زمنياً لها وتتصل بوقف العمليات العسكرية على جانبَي الحدود، مع شروحات مفصّلة حول دور خاص لقوات «اليونيفل» وفق قواعد القرار 1701. أما المرحلة الثانية، فمدتها ثلاثة أيام، وتهدف إلى «تفكيك مواقع حزب الله وانسحاب المقاتلين والمنظومات الصاروخية والقتالية ضمن مدى 10 كيلومترات شمال الخط الأزرق» (…) وتعمد إسرائيل في المقابل إلى وقف كل أنواع الطلعات الجوية فوق لبنان». وهذه المرحلة «تواكبها عملية انتشار لـ15 ألف جندي من الجيش اللبناني في كل منطقة جنوب نهر الليطاني، ويجري تنسيق العمل بعد استئناف الاجتماعات الثلاثية في الناقورة».
وبحسب الورقة فإن المرحلة الثالثة، يفترض أن «تُنجز خلال عشرة أيام»، وتقضي بإطلاق مفاوضات هدفها «ترسيم متدرّج للحدود البرية وفق القرار 1701 والمشاركة في مفاوضات حول خريطة طريق لضمان إنشاء منطقة بين الخط الأزرق ونهر الليطاني خالية من أي ظهور مسلح أو مواقع عسكرية أو مواد قتالية باستثناء تلك التابعة للحكومة اللبنانية وقوات اليونيفل». كما تشير إلى «توفير دعم لتعزيز قدرات الجيش اللبناني، وكذلك توفير دعم اقتصادي لمنطقة الجنوب اللبناني.
أرسل ال» فرنسيون نسخة من هذه الورقة إلى قيادة حزب الله التي قرّرت عدم التفاعل وجدّدت للوسطاء بأن الحزب غير معنيّ بأي بحث قبل وقف الحرب على غزة. فما كان من الوفد إلا التوجه صوب الرئيسيْن بري وميقاتي، فنصح الأخير الوفد بالوقوف على رأي الرئيس بري على وجه الخصوص.

الورقة الفرنسية تعرض وقف الخروقات الجوية الإسرائيلية مقابل انسحاب مقاتلي المقاومة 10 كلم

كان الوفد يأمل من اللقاء مع بري الحصول على موافقة مبدئية تسمح له بإطلاق ورشة العمل. لكنّ رئيس المجلس ناقش الورقة بنداً بنداً، وقال رأيه في كل نقطة. وأهم ما ركّز عليه هو أنه «في ظل عدم الحديث عن قرار دولي جديد، وبما أن القرار 1701 يمثل الإطار الناظم لكل ما يجري على الحدود، وبما أن لبنان يجد في القرار مصلحته الوطنية، ويريد التقيّد به، فإن الأفضل، هو عدم وضع اقتراحات لتفاهمات جانبية أو اتفاقات بديلة، وإنه يمكن العمل على تنفيذ هذا القرار». وتوجّه بري إلى الوفد الفرنسي قائلاً: «اذهبوا وأقنعوا إسرائيل بتنفيذ القرار الدولي، والانسحاب من النقاط التي لا تزال تحتلها، والتوقف عن كل الخروقات البرية والبحرية والجوية، وعندها ستجدون لبنان أكثر التزاماً بما يتوجب عليه وفق القرار».
كذلك سمع الوفد الفرنسي من بري كلاماً واضحاً فيه «رفض لمقترح ترتيبات أمنية». وأبلغ المسؤولون اللبنانيون الوفد بأنه «لا وجود لشيء اسمه ترتيبات أمنية بين لبنان وإسرائيل، وأن لبنان يرى في الورقة نفسها خرقاً للقرار 1701». كما أنه «لا يمكن للبنان القبول بلجنة تضم إسرائيل لمراقبة تنفيذ الترتيبات الأمنية». وسأل بري الوفد الفرنسي: «أين هو دور اليونيفل ولماذا لا تتولى هي المراقبة؟»

برّي للوفد الفرنسي: لا حاجة إلى مفاوضات مع إسرائيل، وعمل الأمم المتحدة مراقبة تطبيق القرار 1701

وفي ما يتعلق بالمنشآت العسكرية التي يجب إزالتها، كان الجواب أنه «لا توجد في الجنوب قواعد عسكرية ظاهرة لتُطلب إزالتها». أما بالنسبة إلى انتشار قوات الجيش اللبناني، فلفت بري إلى أن «جنود الجيش يدخلون إلى الجنوب كما إلى أي منطقة في لبنان والجيش يضع يده على أي سلاح ظاهر أو متفلّت من دون تدخل أحد».
وكان موضوع الجيش من النقاط التي أثارها ميقاتي مع الوفد الفرنسي، من باب السؤال عن المساعدات «التي تتحدثون أنكم ستقدّمونها ولم يصل منها إلا مساعدات مالية محدودة جداً».
طبعاً، لم يكن الوفد الفرنسي يتوقّع نتيجة حاسمة من زيارته، وهو لذلك كرّر أن ما يطرحه عبارة عن أفكار تمّت مناقشتها مع الجانبين الأميركي والإسرائيلي، وهي قابلة للتعديل والتطوير. لكنه حاول التذاكي من خلال السؤال عن إمكانية المبادرة إلى «خفض التصعيد» فوراً، بهدف إلغاء أي ربط بين جبهة لبنان وما يجري في غزة.

وثائق ما بعد 7 أكتوبر: تهديد لبنان وتحذير إسرائيل

حصلت «الأخبار» على وثائق دبلوماسية عربية تشير إلى أنه بعد يوم على بدء حزب الله عملياته ضد قوات الاحتلال، تحدّث دبلوماسي مصري في الأسبوع الثاني من الحرب عن الاتصالات الجارية مع لبنان. وقال: «نقلت واشنطن رسالة إلى حزب الله عبر طرف ثالث تدعوه لعدم التصعيد ضد إسرائيل». وأضاف أن الرسالة الأميركية «تضمّنت أيضاً تأكيداً هو أن التعزيزات البحرية الأميركية التي تم إرسالها إلى البحر المتوسط ليست موجّهة ضد الحزب بالذات، إنما ضد أي جهة قد تلجأ إلى التصعيد».
وفي مطلع تشرين الثاني 2023، أفادت وثيقة لسفارة عربية بأن «مسؤول دائرة لبنان وسوريا في الخارجية البريطانية مارك بيليز قال إن السؤال الذي يحيّر الجميع في الغرب هو: هل سيضغط حزب الله على زناد الحرب الشاملة؟». وأضاف المسؤول البريطاني: «نعمل لثني حزب الله عن ذلك، وتجري الحكومة البريطانية اتصالات مع الحكومة اللبنانية ومع دول لديها اتصالات مع حزب الله، لنقل رسالة مفادها أن إقدام الحزب على التصعيد ستكون له تداعيات ضخمة على شعب لبنان». وتابع المسؤول البريطاني أن لندن «تدرك أن دخول حزب الله في المواجهة مرهون بالمتغيّرات على الأرض في غزة».
فرنسياً، أفاد تقرير دبلوماسي بأنه خلال «زيارة وفد من وزارة الجيوش الفرنسية للمنطقة، تطرّق البحث إلى الوضع في لبنان، وتحدّث الوفد عن أنه في حال قرّر حزب الله تصعيد الموقف، ستكون هناك تداعيات أخطر من تلك التي نجمت عن العملية التي قامت بها حماس. كما أبلغ الوفد الإسرائيليين بأن قوات اليونيفل خط أحمر، وفي حال حصول تصعيد فإن هذا سيضع فرنسا في موقف حرج لأن لديها 700 جندي في قوة اليونيفل». وبحسب التقرير، أشار الوفد الفرنسي إلى «تقديرات بأن لدى حزب الله أكثر من 100 ألف صاروخ طويل المدى تتّسم بدقة عالية في التوجيه ويمكن أن تصل إلى كل نقطة في إسرائيل بما فيها إيلات. كذلك لديه قوة الرضوان التي تلقّت تدريباً عالياً ويمكن أن تتسلل إلى شمال إسرائيل». وخلص الوفد الفرنسي إلى تقييم بأن «إسرائيل تواجه معضلة جدية بين ردع حزب الله أو تقليص التصعيد حتى يعود المستوطنون في الشمال إلى بيوتهم».
وفي تقرير دبلوماسي آخر، قال دبلوماسي في الخارجية الفرنسية إن «باريس نبّهت المسؤولين السياسيين من أي حسابات خاطئة»، كما نقلت تهديدات إسرائيل بشنّ حرب. وقال المسؤول الفرنسي نفسه إن مصدر القلق هو «أن عملية إسرائيل في قطاع غزة يبدو أنها ستكون عملية طويلة زمنياً». ونقل كلاماً للرئيس نجيب ميقاتي بأن حزب الله «يتبع نهجاً عقلانياً ولا يريد الحرب، لكنه يساند وقف العدوان على غزة». كما نقل عن رئيس مجلس النواب نبيه بري «أن قرار الحرب مرتبط بإسرائيل، وجميع الاحتمالات واردة في حال لجأت إسرائيل إلى القضاء على المقاومة في غزة».
وفي تقرير دبلوماسي لسفارة عربية، فإن «مسؤولاً عربياً في القاهرة، نقل عن مسؤول فرنسي أن باريس نقلت رسائل عدة لحزب الله لمنع تطور الموقف على الحدود الجنوبية إلى صراع مفتوح، وكان ردّ الحزب بالتشديد على وجوب وقف الحرب على غزة من دون إبطاء، مؤكداً أنه ملتزم بتقديم المساندة لتحقيق هذا الهدف». ويضيف أن المسؤول الفرنسي قال إن بلاده «نقلت إلى الجانب الإسرائيلي معلومات تؤكد أن قدرات حزب الله القتالية تطوّرت بدرجات عما كانت عليه عام 2006، وستتسبّب بخسائر ذات تأثير فعّال على الجيش الإسرائيلي في حال وقعت الحرب بين الجانبين».

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى