سياسةمحليات لبنانية

هل هو هدوء ما قبل عاصفة الإنهيار؟

 

حيدر شومان
عندما قرر وزير الاتصالات السابق فرض ستة دولارات على الواتس أب نزل إلى الشارع عشرات الآلاف من اللبنانيين شجباً ورفضاً واستنكاراً، وكانت صدمة أيقظتهم فجأة من سبات دام سنوات طوال على الطبقة السياسية الفاسدة التي أفقرت البلاد وفعلت في موارده المتنوعة الأفاعيل.
ولقد اعتبرت هذه الانتفاضة المخلّص الذي جاء أخيراً لينقذ البلد من شروره ورموزه وأدواته في السياسة والاقتصاد وغيرهما. لكن ومن دون أي مقدمات منطقية تراجعت حدة التحرك والشجب والتنديد من كل من هو متضرر، وهم الأغلبية الساحقة من اللبنانيين، من الكوارث التي أطلت علينا في هذه الأيام، وأكثرها حدة ارتفاع الدولار ليجتاز عتبة الألفين وخمس مائة ليرة، وكما تشير تداعيات المرحلة قد يجتاز عتبة الثلاثة آلاف بل وأكثر.
ومن الواضح أن ذلك يعني غلاء الأسعار أكثر بانخفاض القيمة الشرائية لليرة، وإقفال مؤسسات أخرى، وازدياد أعداد العاطلين من العمل، وتدهور المدارس وأزمة التلاميذ، وانهيار الأمن الاجتماعي، وارتفاع نسبة السرقة والجرائم وما شابه، وكل ذلك جلي وواضح عند المسؤولين والمواطنين من كل الفئات.
لكن الأسئلة العفوية تبرز وبقوة: أين اللبنانيون من كل ذلك؟ أين المتضررون وهم الأكثرية من كل الطوائف والمذاهب والمناطق؟ لماذا لا يتحرك الناس وقد بدأ الجوع يجتاح بيوتهم وأولادهم؟
قد يقال إن الناس يمنحون الحكومة الجديدة فرصة لاجتراح الحلول ولا بد من الصبر لتحقيق ذلك. لكن لا سقف زمنياً للحكومة لاستعادة الأمور إلى طبيعتها، وقد اعترف رئيسها بصعوبة المرحلة وحدد أطراً زمنية تحتاج إلى شهور طويلة. فهل باستطاعة فقراء الوطن الصبر والتحمل على جوع أطفالهم؟ وهل من الممكن تجاهل أزمة ارتفاع الأسعار الجنوني وحجز أموال الناس في المصارف وتحمل ازدياد البطالة مع كل يوم جديد؟
لا يفقه الناس لغة الاقتصاد المعقدة ولا مصطلحاتها المجهولة التي يسمعونها على الشاشات مع كل اقتصادي متخصص، وسياسي مخضرم، وزعيم يلوك كلماته بوقاحة عارضاً تداعيات الأزمة، وهو أحد أسبابها، دون عرض الحلول وكيف سيتخطى البلد هذه المرحلة الكارثية. ما يهم الناس هو تفاصيل بسيطة وجزئيات صغيرة تتعلق بمجريات حياتهم اليومية وعائلاتهم التي ينتظرها مصير مجهول مميت.
لقد قامت قيامة الحكومة والسياسيين عندما أعلنت شركة طيران الشرق الأوسط عن قرار تسعير تذاكرها بالعملة الأجنبية، وفُرض عليها التنازل عن هذا القرار. فلماذا هذا التجاهل لارتفاع سعر الدولار، ولماذا لا يتحرك القضاء، كما وعد من قبل، ومعه السياسيون لإجبار المصرف المركزي ومكاتب الصيرفة على فرض سعر ثابت للدولار؟ لماذا القبول بالحجج الواهية الواهنة وكل يلقي باللوم على الآخر، والفقراء في وسط كل ذلك يعانون؟
والأهم في هذه القضية: لماذا السكوت الشعبي عن هذا الانهيار؟ أفهل بعد هذا الحرمان الذي نعيشه التفات نحو تعصب للطائفة أو المذهب أو العائلة أو المنطقة؟ هل من الممكن أن نسير في ركاب الزعيم وهو في قصره العاجي لا يعي واقع الفقر ولا يفقه لغة الحرمان؟
إن واقع ما يحدث اليوم في لبنان يفوق بأضعاف واقع السابع عشر من تشرين الأول، فالكارثة عامة لن ينجو منها أحد من فقراء هذا الوطن ومن كانوا متوسطي الحال، فإلى متى الترقب والانتظار وقد بلغنا مرحلة الانهيار؟ هل هو هدوء ما قبل العاصفة؟
  
 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى