سياسةمحليات لبنانية

لبنان والعراق ومساوئ الديموقراطية غير المباشرة(جواد الهنداوي)

هل الحكومات ألمُقبلّة في العراق ولبنان ستمثّل ارادة الشعبيّن؟

 

د. جواد الهنداوي – الحوارنيوز خاص

                 

ما سنكتبه و جواباً على السؤال، سينطبق على رئاسة الجمهورية وعلى رئاسة البرلمان في كلا البلديّن، وليس فقط على الحكومة، أي السؤال وجوابه يتعلق بكافة السلطات الدستورية وليس فقط بالحكومة بإعتبارها سلطة تنفيذيّة.

ديمقراطيتنا في العراق هي ديمقراطية غير مباشرة، وليست ديمقراطية مباشرة. الفرق بينهما هو أنَّ السلطة التنفيذية ليست مُنتخبّة مباشرةً من الشعب، وانما تتشكّل، والسلطات الدستورية الاخرى عبر توافق وتفاهم نيابي، وقد اثبتت تجارب التوافق والتفاهم النيابي، طيلة ما يقارب عقدّين من السياسة والحكم في العراق، فشل مبدأ التوافق والتفاهم في بناء الدولة، ونجاح المبدأ في توزيع وتقاسم مغانم ممارسة السلطة. والعيب ليس في المبدأ ، وانما في تطبيقة، حيث لا يوجد أفضل من التوافق والتفاهم بين الاحزاب والمكونات، شرط ان يكون التوافق  والتفاهم من اجل بناء و ادارة الدولة  وخدمة الشعب ، وليس من اجل تقاسم النفوذ و خداع الشعب وتبذير وسرقة الثروات .

سَبَقَ لبنان العراق بعقود في تطبيق الديمقراطية غير المباشرة، كممارسة مصاحبة للنظام السياسي البرلماني. وسَبَقَ لبنان العراق في تطبيق مبدأ التوافق والتفاهم بين المكونات والاحزاب لإشغال مناصب الدولة، وفي مقدمة تلك المناصب رئاسة الجمهورية ورئاسة الوزراء ورئاسة مجلس النواب، وحصدَ لبنان قبل العراق فشل بناء الدولة، ومعاناة الشعب، ونقص الخدمات ، وترف الطبقة السياسية. وها هما البلدان ( لبنان والعراق ) يواجهان ذات المصائب والمصير ، و كلاهما عُرضة لتدخل عربي  واقليمي ودولي، ولولا وجود المقاومة في لبنان ووجود الحشد الشعبي في العراق، لكان الكيان الاسرائيلي صاحب الكلمة  والشأن والمتحكم في شؤون البلدّين!

هل ستتشكل الحكومة والسلطات الدستورية الاخرى ( رئاسة الجمهورية  ورئاسة مجلس النواب )، في العراق او في لبنان، بناء على ارادة الشعب ام بناءً على ارادة و مصالح ورغبات دول؟

الجواب على السؤال يترّدد على ألسنة عّامة الشعب، حين يتوقعون بأنَّ فُلان من السياسيين هو المناسب للمرحلة السياسية وهو القادر على ادارة الدولة، ولكن غير مقبول خليجياً وامريكياً! او الآخر ،ولكن ينبغي موافقة أيران!

اصبح العراق ،كحال لبنان ، محكوما ، عند تشكيل الحكومة، وتسميّة رئيس الجمهورية ورئيس مجلس النواب، ليس فقط بمعيار التوافق والتفاهم الحزبي او الطائفي والمكّوناتي، وانما ايضاً ( وهذا هو الخطأ ) بحقيقة التسليم لارضاء  ولارادة الدول ! وكلاهما ( معيار التوافق الحزبي، والتسليم لارادة الدول ) ليس في صالح الشعب و بناء الدولة، لأّن ممارسة التوافق ( للاسف ) تتم لممارسة السلطة وليس لبناء الدولة و خدمة الشعب ، وهذا ما اثبتته التجربة.

هل سيتحرّر البلدان من عُقدة التسليم لإرضاء و لإرادة الدول حين يسمّون رؤساء دولهم وحكوماتهم و مجالسهم النيّابية؟

لا اعتقد ذلك.

الطبقة السياسية في كلا البلدين اعتادت، للأسف، على كسب رضا الخارج قبل رضا الشعب ومصلحة الدولة، الامر الذي يجعل الدولة مرتهنة سياسياً للارادة الخارجية، لا سيما أغلب الاحزاب الفاعلة في المشهد السياسي ( في العراق وفي لبنان ) تستمد قوتها من النفوذ و المال الخارجي.

العراق ولبنان هما البلدان العربيان، غير الملكييين، اللذان يتبنيان النظام السياسي القائم على الديمقراطية غير المباشرة، حيث اختيار القادة ليس من قبل الشعب، وانما من قبل الاحزاب، واغلبها تسعى لمداراة ومسايرة المشهد السياسي العربي والاقليمي والدولي، ومعيار التوافق والتفاهم ،قبل الاستحقاقات الاستراتيجية للدولة وللشعب .

بيّنت اذاً تجربة الديمقراطية غير المباشرة في لبنان وفي العراق فشلها في بناء الدولة، وفرض سيادتها داخلياً وخارجياً. بموجب الديمقراطية غير المباشرة في بلداننا، تُستخدَمْ ارادة الشعب، ألمُعّبرْ عنها ديمقراطياً، من خلال صناديق الاقتراع، من أجل مصلحة الاحزاب وارتباطاتها الخارجية وليس من اجل مصلحة الشعب وبناء الدولة.

بطبيعة الحال، وللاسف، المبدأ السياسي الحاكم لدول المنطقة، هو ( كيف تجعل جارك ضعيفاً)، ومن مصلحة دول عديدة، وفي مقدمة هذه الدول امريكا وحليفها الكيان الاسرائيلي، ان يستمر العراق ويستمر لبنان تحت وطأة نظام الديمقراطية غير المباشرة، فهو الضمانة لهم بقدرة تدخلهم و بضعف الدولة.

*سفير عراقي سابق ورئيس المركز العربي الأوروبي للسياسات وتعزيز القدرات- بروكسل

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى