سياسةمحليات لبنانية

لا مبالاة حكومية وشعبية تفاقم خطر الكورونا

 


   كتب محمد هاني شقير:
إنّ شكلَي اللامبالاة في التعامل مع الكورونا في لبنان، يتمظهران في أمرين أساسيين: أولاً في إحجام الدولة، بمؤسساتها، عن القيام بواجباتها كاملة تجاه الشعب اللبناني. وثانيًا في استهتار أكثر الوافدين من الخارج، من جهة الحجر المنزلي في كل ما يلزم من تدابير صحية سليمة وصارمة.

ففي الجانب الأول، ومنذ بداية جائحة الكورونا في لبنان، لم تعط الدولة اللبنانية نموذجًا مميزًا في تقديم ما يلزم للناس من مساعدات ضرورية، بغية حجرهم في منازلهم، بإزاء ذلك اتكلت على الجمعيات الأهلية والأحزاب والمبادرات الفردية، في تحقيق تعاضد اجتماعي هو في الأساس في قائمة واجباتها.
أن تطلب من الشعب المكوث في المنازل، من دون أن تقدم له أدنى مقومات الحياة، إنما هو أمر فيه خفة واستهتار، وعدم مسؤولية، عدا عن كونه يملي على الناس العيش في ظل شعار "دبّر راسك" علمًا أن هذه النوائب قد ترافقت مع أزمة اقتصادية خانقة، زادت الطوق حول عنق اللبنانيين، وضاعفت من فقرهم وعوزهم.
إن هذا الأمر لا يقلل من دور القطاع الطبي بعامة، والحكومي بخاصة، كونه واجه بكفاءة وإتقان مضاعفات تلك الجائحة وخطرها الكبير، ولا سيما أنه، لغاية هذه اللحظة، لم يتمكن الطب على الصعيد العالمي، من إيجاد اللقاح الخاص لمكافحة الكورونا.
الأمر الثاني، تمثل في لامبالاة الوافدين الذين تعامل بعضهم بعنترية وفتوة مع الوضع، فكانوا سببًا في توسع رقعة انتشار الكورونا بين الناس، وذلك من خلال عدم التزامهم أمرين أساسيين:
– إجراء الفحوصات PCR في الوقت اللازم، ولا سيما الفحص الثاني بعد الحجر الأول، أي بعد أربعة أيام من وصولهم الى لبنان.
– مخالطتهم أقرباءهم وأصدقاءهم بشكل طبيعي كما لو أن شيئًا لم يحصل، وعدم تطبيقهم الاجراءات الوقائية التي حفظها جميع سكان الكرة الأرضية عن ظهر قلب.
وعليه، فإن جميع الأجهزة والإدارات ذات الصلة، تتحمل المسؤولية في حسن مراقبة كل الوافدين ومتابعتهم، ووضعهم في أماكن الحجر المنزلي تطبيقًا لإرشادات وزارة الصحة العامة، لكن درجة الاهتمام تختلف من مؤسسة الى أخرى، بحسب وعي هذا المسؤول أو ذاك؛ في وقت، أصيبت فيه عائلات بكاملها، ولم يكلف أحد نفسه عناء السؤال عنها، وبقي مصير أفرادها رهينة ذاك الحزب أو تلك الجمعية!
وفي هذا السياق، يمكن إيراد حالتين وافدتين مختلفتين الى قريتين في منطقة حاصبيا؛ فصاحبة الحالة الاولى حضرت من دولة قطر، ولم تقم بالإجراءات الصحية اللازمة، وخالطت أهل المنطقة، وكثيرًا من الأقارب، ليتبين لاحقًا أنها مصابة بالكورونا. وبعد إجراء العشرات من فحوص ال  PCR للمخالطين، تبين أن صاحبة العلاقة، نقلت العدوى لحوالى عشرة أشخاص إلى الآن، والعداد ما زال جاريًا، الأمر الذي احدث ذعرًا في القرية التي جرى عزلها حتى تنجلي الصورة الصحية العامة فيها. وهذه الحالة هي واحدة من عشرات الحالات المماثلة المستهترة بحياة الناس، وبحياة أقرب المقربين.
أما الحالة الأخرى، فهي لرجل قدِم من نيجيريا، وقبل وصوله طلب من زوجته تجهيز شقته في عاليه بكل أسباب الحياة، حيث حجر نفسه فيها، وبعد إجرائه الفحصين الأول والثاني تبين انه غير مصابٍ بالفيروس، ولكنه آثر إجراء فحص ثالث وقائي، واتجه نحو قريته ميمس منتظرًا النتيجة قبل دخوله الى القرية، وحوالى الساعة الخامسة عصرًا اتصل بالمختبر ليتبين أنه مصاب بالكورونا، فعاد أدراجه الى الحجر الصحي، وهو يمتنع لغاية الأن عن رؤية عائلته وذويه بانتظار شفائه من الإصابة.
هاتان الحالتان هما مثلان لتصرفين متناقضين، واحدٌ غير مبالٍ، وآخر يعيش غربةً ثانيةً في بلده لحرصه على حياة الناس.
وعليه، مرةً جديدة، يدخل لبنان في مرحلة خطيرة جدًا جراء احتمال انتشار الكورونا بشكل واسع جدًا، ولسوف يكون الأمر صعبًا على أهلنا وبخاصة كبار السن والمرضى منهم، وهم يشكلون نسبة كبيرة في مجتمعنا، وواجب حمايتهم يتطلب عينًا ساهرة تجعل من صحتهم قضية وطنية لا مجال للتراخي فيها.
فلتتحمل الحكومة مسؤولية حجر الناس في منازلهم، وتؤمن لهم أسباب الحياة، في الأقل لمدة شهرٍ من تاريخه، وتتخلى عن سياسة مناعة القطيع التي اعتمدتها بعض الدول الغربية وكانت سببًا في موت عشرات آلاف البشر، مفضلةً التجارة والمال على حياة الناس، بعكس ما قدمته الصين وكوريا الجنوبية واليابان من نماذجٍ إنسانية راقية، جعلت من الإنسان الهدف الأول والأخير.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى