سياسةمحليات لبنانية

لا تنسوا فقراء بلادي؟

                       

اليوم، وبعد سريان إجراءات منع التجول وحرمان الفقراء الجوالين من البحث عن لقمة عيشهم، لا بد من طرح السؤال حول تأمين البديل للمساكين ممن يرتزقون بشرف من سعيهم اليومي حفظاً لكرامتهم. وأصدق تعبير كان اليوم في انفعال السائق الذي أحرق سيارته بسبب محضر ضبط لوجود راكبين معه، غضباً ومن شعور بالضيق لوقوعه، مثل غيره، في أسر ظلم التدابير، وقبله فقير من طرابلس يسأل عن سبيل لتأمين ثلاثة آلاف ليرة كلفة انتقاله من وإلى بيته وفوقها عشرين ألفاً لربة منزله تطعم بها أولاده، ومثله بائع الخضار الذي شاهدناه يفرغ بضاعته على الأرض غضباً، ومثله الآلاف إن لم نقل الملايين.
هي مشاهد سوف تبقى حية في ذاكرتنا وضميرنا بجوار صور المصابين على أسرتهم وفي ممرات المستشفيات يتألمون مخنوقين راضخين لوطأة حقد الكورونا، وكذلك لن ننسى أبطال مؤسسة مستشفى رفيق الحريري "العامة" يواجهون الأزمة بجرأة بالرغم من ضآلة وسائلهم وحرمانهم المزمن من حقوقهم وزيادة رواتبهم!
مشكلتنا، وبكل أسف، أن المواطن الفقير المستضعف في بلادي لم ولا يعرف اليوم من الدولة سوى وجه الجلاد، والسلطة القاسية التي تمنع وتعاقب دون رحمة ودون القيام بواجباتها نحو هذا المواطن .
سمعنا عن التحضير لمساعدات للفقراء وتابعنا أخبار أعراس ينفقون الملايين فرحاً بورثة جاههم وأمراء ثرواتهم، ولم نسمع شيئاً عن مساهمة أثرياء البلاد في هذا المجال الا بشكل مبادرات نادرة، متواضعة ومحصورة، وماذا تعني المئة وخمسين ألف دولار من نقابة المقاولين ومتعهدي الأشغال العامة ممن جنوا المليارات على مدى عقود طويلة، وكذلك الستة ملايين دولار من جمعية المصارف التي أتاحت شبكاتها تهريب المليارات على مرأى ومسمع سلطة الرقابة المصرفية  ؟!.
على مستوى الساحة الدولية هناك حصار يمنع وصول المساعدات الطبية لمن هو بأمس الحاجة لها، ويحكى عن صراع فلسفي بين التضحية بالاقتصاد أو بالمسنين ضعاف المناعة ليكون البقاء للأقوى، فهل تخفي ساحتنا الوطنية صراع بقاء من نوع آخر بين الأثرياء والفقراء؟!
وعلى الحدود بين ألمانيا وبولونيا شاهدنا صوراً لتوزيع وجبات طعام للمحتاجين بطريقة تحفظ كرامتهم، بعد كل ذلك يحق لنا أن نسأل:
أين هي أموال الهيئة العليا للإغاثة التي نذكر كيف صرفت، إن لم نقل نهبت مليارات الهبات التي تلقتها على وجبات ساخنة من أرقى مطاعم بيروت ويحكى عن لوائح مصابين وهميين دون رقابة، وأين هي اموال بلدية بيروت، على سبيل المثال، وأين أصبح البرنامج الوطني لدعم الأسر الأكثر فقراً بإدارة وزارة الشؤون الاجتماعية؟!
مع احترامنا وتقديرنا لمبادرات المتبرعين لدعم الفقراء والمؤسسات الصحية والطواقم الطبية والعاملين فيها، حتى اليوم، فإن ما تم جمعه بنتيجتها حتى اليوم يبقى متواضعاً قياساً على حجم ثروات اللبنانيين، مغتربين مجاهدين في بلاد العالم، ومقيمين متربعين في قمة السلطة،  إن لم نقل قياساً على ما سمعناه عن سخاء في الإنفاق على الاحتفالات بزفاف أبناء الميسورين من موظفين كبار وأبناء سياسيين.
نعم، إن كل ما تم تقديمه يبقى ضئيلاً جداً قياساً على حاجات المواطنين تحت خط الفقر الملحة. وقد آن الأوان لمبادرة وطنية واسعة تكون منسقة وشاملة لمساعدة الفقراء الصامتين والمقهورين والمحرومين يتولى تمويلها المتخمون بالثراء من المال العام والتهرب الضريبي ومخالفة القوانين واستغلال السلطة وصرف النفوذ، وبالنهاية من حقوق المواطن وعلى حسابه ومن طريقه ولقمة عيش أولاده!
إن مساعدة هؤلاء هي بذات أهمية النتائج المرجوة من التدابير التي تمنع الفقراء من البحث عن لقمة عيشهم بكرامة من عرق الجبين. ولكي لا تطيح الحاجة لحفنة ليرات تعيل الفقراء بمنافع الوقاية المتوخاة من تأجيل المراحل الآتية من تطور الوباء، ننبه إلى ما ينتظرنا آخر الشهر موعد استحقاق قبض الرواتب وموجة الحراك باتجاه فروع المصارف، التي إن لم يتم التحضير لها مسبقاً لتنظيمها وضبط انعكاساتها ومخاطرها وتدارك الفوضى التي ربما تذهب بكل منافع تدابير الإقفال ومنع التجول.
ولتكن وصية كل منا "، اليوم وغداً: لا تنسوا فقراء بلادي"!                                                         
                                                                       غسان بيضون

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى