رأي

مقاربات لحروب الغرب ضد روسيا وإيران (جواد الهنداوي )

 

  بقلم السفير الدكتور جواد الهنداوي*- الحوار نيوز

             واقعياً ،ليس العرب ، ومعهم السلطة الفلسطينية ،في حالة حرب مع إسرائيل ، وانما ايران والمقاومة في حالة حرب مع إسرائيل ومع الغرب الداعم لإسرائيل . وهذا ما يعرضه ، و بوضوح ، المشهد السياسي .

          سبقتْ ايران روسيا ،وقبل روسيا الاتحاد السوفياتي ،في عداء فكري وعقائدي ، للامبريالية والصهيونية ،والمتمثلة بأمريكا وبأسرائيل  ، و بداية المواجهات بين ايران وامريكا والصهيونبة كانت ثمانينيات القرن الماضي ، وتمثّلت  بصوّر متعددة ومختلفة ، منها الحرب بين العراق وايران ، و التي كانت حربا بالانابة ،حيث وقفت امريكا ومعها الغرب بالسلاح وبعض العرب بالمال، دعماً ومساندةً للعراق بهدف استنزاف البلديّن وتبديد ثرواتهما . وما العقوبات الاقتصادية و النقدية المفروضة على ايران ، ومنذ عقود ،الاّ استمراراً لمسار المواجهة بين إيران وامريكا والصهيونية .

خطاب الرئيس بوتين ،في أواخر شهر شباط لهذا العام ٢٠٢٣ ، يكرّس ليس فقط حالة حرب بين روسيا ،من جهة و امريكا والغرب من جهة أخرى ،و ساحتها اوكرانيا ، و انما بداية صراع عقائدي وفكري ، له ،على المدى الطويل ، تداعياته السياسية و الاقتصادية . روسيا ، وعلى لسان رئيسها لم تكتف برفضها للقيم الغربية ، والتي وصف بعضها مخالفة للفطرة البشريّة ، و انما تدعو الى معارضتها ومحاربتها والحيلولة دون انتشارها .

بعد خطاب الرئيس بوتين ،لم نعدْ نتحدث عن حالة حرب بين روسيا و الغرب وانما عن حالة صراع بينهما ، والحرب الدائرة بينهما هي جزء من هذا الصراع ، و نتائج الحرب ستتكفل باستمرار او بتخفيف حّدة الصراع او  بإنهائه  .

نعتقد ايضاً بأن الصراع الدائر اليوم بينهما هو أشّدُ ضراوةً من ذلك الذي عرفناه في النصف الاخير من القرن الماضي ، بين الاتحاد السوفياتي و امريكا و الغرب ، وكان ايضاً صراعاً فكرياً وعقائدياً ، ولكن الحرب بينهما كانت حرباً باردة ، وكلاهما حرص على ديمومة ” الوضع الراهن ” آنذاك .

نعتقدُ ايضاً بأنَّ الحرب في اوكرانيا اخطر بكثير من تلك التي دارت في سبعينيات القرن الماضي في افغانستان بين الاتحاد السوفياتى والمقاومة الافغانية المدعومة عسكرياً من امريكا ، والتي انجبت القاعدة و اخواتها . أخّطرْ على روسيا وعلى اوربا وعلى العالم ، وتدور رحاها على حدود روسيا واوروبا وفي اوكرانيا ،التي يصعب على العالم الاستمرار في الاستغناء عن محصولها و ثرواتها .

 مثلما تحارب امريكا روسيا عِبرَ اوكرانيا ، كذلك ، تدخلُ امريكا مع ايران في معارك عِبْرَ اسرائيل ،من خلال اغتيالات و قصف واعمال تخريبية وحصار وعقوبات ، وقد تُقدِم امريكا على الانتقال من مشهد المعارك المتفرقة مع ايران الى مشهد الحرب الشاملة والمباشرة ، وبحجّة النشاط النووي الايراني وبتشجيع الحكومة المتطرفة في الكيان المحتل . وتشير بعض التقارير الى ان زيارة وزير الدفاع الامريكي المفاجئة للمنطقة ولقاءاته المرتقبة مع القيادات في كل من مصر والاردن والامارات و اسرائيل تهدفُ الى التنسيق و التشاور بشأن الملف الايراني والعمل على تهدئة الوضع في فلسطين المحتلة .

نستبعدُ ان تجازف امريكا بحرب ثانية ،وهي والعالم يعانيان من التداعيات الاقتصادية والاخرى من الحرب في اوكرانيا ،ونعتقد بأن حلفاء واصدقاء امريكا في المنطقة سيعارضون وبشّدة مشروع الحرب على ايران ،لما فيه من خراب ودمار للمنطقة ،و ستصغي امريكا لحلفائها و اصدقائها في المنطقة اكثر مما تصغي لنتنياهو ، لسببّين ؛ بحجّة الخطر على النفط وامتداده والخطر الوجودي على اسرائيل .

الواقع المشترك و المصير المشترك لروسيا ولايران تجاه محورامريكا و اسرائيل و الغرب ، قادَ روسيا و ايران الى تعاون وتحالف استراتيجي عسكري و اقتصادي ، ويعملان على توسيعه وتعزيزه بضّم الصين ،التي تتعاون معهما ،عن بُعدْ ، عسكرياً . وتحاول الصين منع اندلاع حرب ثانية في منطقة الشرق الاوسط لخشيتها من تضرّرها اقتصادياً وبشكل كبير عند توقّف الامدادات النفطية وتدهور حالة استثماراتها واسواقها في المنطقة .

اقدام امريكا والغرب على اشعال حرب اخرى في منطقة الشرق الأوسط، يعني الاقدام على محاربة روسيا وإيران والمنطقة واستهداف الصين اقتصادياً وسياسياً على المدى القريب ، وربما عسكرياً على المدى البعيد ،عِبرَ ساحة اخرى وهي تايوان .

 *  رئيس المركز العربي الاوربي للسياسات و تعزيز القدرات / بروكسل / ٢٠٢٣/٣/٤.

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى