رأي

النتائج السياسية لاتفاق الترسيم البحري بين لبنان و”إسرائيل” (جواد الهنداوي)

بقلم السفير د.جواد الهنداوي* – خاص الحوار نيوز

 

        النتائج على صعيد الوطن لبنان وعلى صعيد المنطقة والعالم . فما هي ؟

       ساهمَ الاتفاق ، بمراحلهِ و بمفاوضاته ،في تخفيف حدّة التبادل السلبي بين الاحزاب والاطياف الحزبية و السياسيّة في لبنان. قد يساعد الاتفاق ، في المستقبل ، على بلورة تفاهم وطني سياسي بين الاحزاب السياسيّة اللبنانية ؛ تفاهم وقوده المصلحة الوطنية العليا ، والتي ينبغي ، من اجلها ، تجاوز الخلافات و المصالح الحزبية والفئوية والطائفية .

       التعاون بين السلطات الدستورية في لبنان ( رئيس الجمهورية ، رئيس الوزراء ، رئيس مجلس النواب ) وتبنيهم لموقف موّحد في التفاوض غير المباشر مع اسرائيل جاءَ بنتائج إيجابية  ، ويمكن لهذه التجربة ان تكون اساساً و معياراً وطنياً لتبني ذات المسار في التعاون واتخاذ موقف موّحد لمواجهة الازمات التي يعاني منها لبنان .

     ومن المُفيد الاشارة ايضاً الى غياب ايّ تأثير عربي ،اقليمي او دولى على ارادة لبنان في ابرام هذا التفاهم ، وقام الوسيط الأميركي بدوره كوسيط ،مهني ،غير منحاز لطرف او لآخر ، ( ورأينا او تقييمنا مبني على ما آلت اليه النتائج ) ، وكانت ارادة الوسيط  تتجهّ صوب ابرام هذا التفاهم .

ويُسّجلْ لادارة بايدن هذا الإنجاز ،الذي هو في امّس الحاجة اليه ،قبيل الانتخابات النصفيّة للكونغرس الأميركي في بداية الشهر المقبل .

       تمّنينا أن تكون الوساطة الأميركية بذات الفاعلية والسرعة والحيادية حين تتناول القضية الفلسطينية ، وحّل الدولتيّن ، وتطبيق القرارات الدولية واتفاقيات اوسلو التي أُبرمت بين الفلسطينيين واسرائيل في تسعينيات القرن الماضي .

     كانت أميركا اكثر حرصاً من اسرائيل على انجاز هذا التفاهم ، وكانت كذلك اكثر ادراكاً من اسرائيل بتحذيرات حزب الله . و تحذيرات و تهديدات الحزب جاءت ،على مايبدو في الوقت المناسب ، حيث أعلنَ الحزب استعداده للذهاب الى الحرب اذا اقتضى الامر،من اجل الدفاع عن حقوق لبنان ، وهو ( اي الحزب ) متيّقن من عدم استعداد أميركا وكذلك اسرائيل لخيار الحرب .

  خلال فترة المفاوضات ، لمْ يصدر من الادارة الأميركية او من اسرائيل ايّ تصريحات عدائية او استفزازية تجاه حزب الله او تجاه لبنان ، رغم تهديد وتحذير حزب الله ،في بداية المفاوضات ،لاسرائيل من مغبّة استثمار الغاز دون اتفاق مُسبق مع لبنان ، ورغم مُسيّرات الحزب التي زارت معدّات وباخرة ورشة العمل اليونانية المُكلّفة التنقيب على الغاز في الجانب الاسرائيلي .

      مسؤول في البيت الابيض قال إن المفاوضات تمّتْ مع لبنان ،ولم تشمل حزب الله ، و نائب رئيس مجلس النواب اللبناني  الياس ابو صعب قال ايضاً إنَّ ” الاتفاق هو بين لبنان وأميركا ، وليس بين لبنان ودولة لا تعترف بها وسنودع الاتفاق في الامم المتحدة ” .

  الامم المتحدّة رحّبت بالاتفاق واعلنت استعدادها لتقديم كل اشكال الدعم لغرض انجاحهِ .

   ووجّه رئيس وزراء لبنان نجيب ميقاتي شكره للفريق اللبناني المفاوض و الادارة الأميركية والرئيس الفرنسي، للجهود التي بذلوها في اتمام الاتفاق ، ويبدو ان الدور الفرنسي كان سياسياً وفنياً ايضاً ، حيث ستتولى شركة “توتال” اعمال التنقيب فور التوقيع على الاتفاق .

   انهى لبنان بنجاح مفاوضات مواقع حقول الغاز ، بين لبنان و اسرائيل ، وكذلك مفاوضات التنقيب مع شركة توتال ، وأملُنا وتمنياتنا ان ينجح ايضاً في استثمار وتوظيف ثروته الوطنية بما يخدم مصالح الشعب و الدولة ، و ان يحمي هذه الثروة من آفة الفساد .

    مرحلة المفاوضات لابرام الاتفاق جعلت المجتمع والسياسيين والاعلام الاسرائيلي في قسمين : قسم يؤيدها و يرى في الوصول الى اتفاق مع لبنان وسيلة لتفادي حرب و توظيف لثروات طبيعية ،  اسرائيل في أمّسْ الحاجة لعائداتها ، وسيساهم الاتفاق ايضاً الى جعل لبنان في غنى عن النفط الايراني . وسوّق الفريق المناصر للاتفاق هذه الحُّجه السياسيّة بشكل واسع اعلامياً و رسمياً . وهذا مؤشّر دال على انَّ هّمْ اسرائيل الآن هو السلاح الايراني العسكري والسياسي المتاخم لحدودها سواء في لبنان او في سوريا او في غزّة و الضفّة .و ترى اسرائيل أنَّ قضيّة ايران أشّدَ عليها بأساً من القضيّة الفلسطينيّة .

 و القسم الآخر يرى في مفاوضات ترسيم الحدود او تقاسم الثروات بالصيغة التي قادت الى الاتفاق هي أذعان اسرائيل واستسلامها لتهديدات حزب الله .

     قدّمَ مناهضو الاتفاق ، و اغلبهم منظمات يمينيّة ( مثل منظمة لافي و كوهليت) التماسات الى المحكمة العليا الاسرائيليّة ، يطالبون فيها بطرح الاتفاق على الكنيست للتصويت عليه ،اضافة الى طرحه على الاستفتاء الشعبي .

ورفضت المحكمة الطلب بحجة ان القانون لايلزم بطرح اي اتفاق او معاهدة على الكنيست للتصويت عليه .

كانت الرعاية الأميركية للمفاوضات وإتمام الاتفاق عاملا حاسما، ليس فقط في النجاح ،و انما ايضاً في دعم رئيس الوزراء يائير لابيد على المضي قدماً في توقيع الاتفاق ، وعدم استسلامه لضغوط الرأي الاسرائيلي والمواقف السياسية الاسرائيلية المناهضة للإتفاق .

               *رئيس المركز العربي الاوربي للسياسات وتعزيز القدرات . بروكسل ٢٠٢٢/١٠/٢٨ .

               

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى