العالم العربيرأيسياسة

فلسطين:القضية التي لا تموت(محمد هاني شقير)

 

كتب محمد هاني شقير

أراد صديقي الصغير محمد في سهرةٍ طويلة يوم أمس أن يستكشف القضية الفلسطينية عبر التاريخ الحديث، فهو لم يبلغ الثلاثين من عمره، لكنه شاب حاذق وذكي، وسمع ويسمع كثيرًا عن الثورة الفلسطينية التي ارتكبت ما يكفي من أخطاء في البلدان العربية في خلال وجودها فيها وبخاصة في لبنان، وألمح بطبيعة الحال إلى ما عرفناه تاريخيًا بالمقولة الشهيرة “طريق فلسطين تمرّ من جونية”.
بعضهم، ومحمد واحد منهم، يعتقد أن الفلسطينيين هم من يتحمل مسؤولية ما وصلت إليه قضيتهم من أفق مسدود، وأنه لن يكتب لها مستقبل مشرق بفعل ما سمعه واطلع عليه من سلوكات لا تستقيم فوق قوس النضال الوطني الثوري الصادق.
هذا استنتاج كثير من الشبان، ولكن هل صحيح أن هذه القضية في طريق الموت النهائي المحتم؟
سنلقي معًا نظرة سريعة على ما يظهر من اشكال نضالية يبتدعها اهالي حي الشيخ جراح، تؤكد أن القضايا الحية لا تموت لمجرد اخطاء ارتكبها سياسيون وعسكريون معينون في فترةٍ زمنية محددة، كما أشرنا إليه أعلاه، بل إنها تنضج وتتبلور في الوعي الجمعي الفلسطيني وتتمظهر في عدة خصال نستقيها من تنوع اشكال الانتفاضة في الحي، ومنها على سبيل المثال وليس الحصر:
_ مشاركة الشباب والعُجز في الانتفاضة بقلبٍ واحد وصوتٍ واحد.
_ استخدام المساجد كخطوط خلفية للمعارك مع جنود العدو، وتكسير الحجارة ووضعها أكوامًا قرب المصلين الذين يحرسونها لانها سلاحهم الأمضى في المواجهة.
_ جعل تنظيم الافطارات الجماعية التي يقيمها أبناء الحي في شوارعه، تأخذ شكلَا نضاليًا يتحدى في خلالها الفلسطينيون المستوطنين وحماتهم من جيش العدو.
_ ورود صور لشبابٍ صغار لم يبلغوا سن الحلم بعد، مقيدون وواقفون بين جنود الاحتلال، لكنهم مشرئبو الرؤوس الى الأعلى وابتساماتهم تعلو محياهم في مشهد يبعث على الاعتزاز والفخر والطمأنينة بأن حاملي الأمانة لم يسهوا عن قضيتهم، لا بل هم متمسكون فيها ومستعدون لمقارعة المحتل ومقاومته بما ملكت أياديهم.
_ ورود مقاطع فيديو من داخل الحي لشبان ينشدون أغاني وطنية حماسية حفظوها عن ظهر قلب تبعث بهم وبنا، روح الثورة ضد المحتل.
_ ورود مقاطع فيديو أخرى لمعارك شرسة يخوضها الشباب الفلسطيني بالحجارة والمفرقعات النارية، حيث، وبدل أن يتركوا الساحات ويهربون من بطش المحتل، نجدهم يثبتون فيها، على مشهد يتجلى فيه تراجع جنود العدو واضحًا، ليس أقل من تقهقر لا يخلو من ذلّ ومهانة وانهزام.
هذه الصور تؤكد أن القضية الفلسطينية لم ولن تمت، فالذين يحملون همّها اولاً هم أبناؤها المقيمون، المستمسكون بارضهم وعرضهم وشرفهم، ويشكلون ديدنها وعصبها الرئيس، فهي تعيش في دواخلهم وعقولهم وقلوبهم وتترعرع معهم منذ ولادتهم ويرضعونها مع حليب امهاتهم، ويستبسلون في الذود عنها كلما “حركش” العدو بهم، وكلما سنحت الفرصة لمقاوم هنا وآخر هناك، بتنفيذ عمليةٍ، سواء في السلاح الأبيض أم في أي سلاحٍ يقع بين يديه.
ونحن لا يسعنا إلا مناصرة هذه القضية بشكل او بآخر، وبحسب ابنتي “فرح” تصلح المناصرة أن تكون إعلامية، فهي التي حثّتني على كتابة شيء عن فلسطين، لمّا قلت إنّي أعجز عن ذلك، لأنّ كل ما يكتب هو دون مستوى الحدث. ولكنّني عدلت لمّا قاطعتني، واقتنعت، بأنّ “سلاحي هو الكلمة”.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى