دولياتسياسة

سقوط العظمة تحت بساط الشعوب والفوضى بالوثائق الأميركية!

 

الدكتورنسيم الخوري – الحوارنيوز خاص
إستهلاليّة فرضت نفسها:
لو أخذت قطنة ومسحت بها وجه السماء بحثاً عن الله، لأستقبلك الله جاذباً عيون البشرية إلى فوق بسبب الكورونا، بعدما كانت وجهتهم قبله نحو التراب وصارت بعده ذات اليمين وذات اليسار. أنهى الله مهمّته في سنواتٍ ثلاث بعد بلوغه الثلاثين. يتراءى لي اليوم أنّ البشريّة كلّها تتطلّع إلى فوق، ما عدا الحكّام في لبنان الدول العظمى يتطلّعون إلى كراسيهم المهتزّة تحتهم.
لا يطفو على السطح، حيال الأحلام والأورام الكبرى التي تصيب الحكّام عندما تتلبّسهم صور السلاطين، سوى رفضهم ورفض الدولة والأنظمة عند الشعوب المستيقظة من تمدّدها كما البساط فوق رخام القصور. ويعني رفض الدولة إختلال النظام مقابل أحادية السلطة المنظمة أي إنعدامها الذي يورث الأزمات المالية والإقتصادية ثمّ المظاهرات والشغب والتفجيرات، الأمرالذي يجنح بالسلاطين الى الإحتماء بقوات قسرية تعجّل في رحيلهم وتضاعف من عدم الانتظام العام.‏
وبعد…
كان المنظر المثير المغري واللافت في قشقشة بقايا الأحاديات والعظمة ولو عن طاولات الدول الكبرى، منظر الرئيس التركي رجب الطيب اردوغان وملامحه المكسورة واقفاً أمام باب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في موسكو مع أنّه مسكون بكونه وريثاً حالماً يستعيد لما كان يعرف بهيبة "الباب العالي" في  عصور سلاطين بني عثمان من ناحية، وقد أضناه، من ناحيةٍ أخرى، وقوف تركيا المصلوبة على أبواب أوروبا لأسبابٍ كتبت فيها مكتبات وأبحاث ومؤتمرات، فلا بدّ إذن من فتح أبواب إمبراطوريته المتجدّدة ليدفع طوابير المسلمين والإرهابيين وما طالت يداه نحو أوروبا فيذعرها ويستفزّها مالياً ويراكم أعباء دولها إقتصادياً ولو في خلده أسلمتها كما نسمع في أنحاء أوروبا وغيرها.         
هكذا يستغرق الناس في تحقيق أفكارهم الطريق الإصلاحي الحواري أوّلاً ثمّ الثوري المرتكز على المقاومة والتمرد والعنف المتصاعد من ضروراتهما حيث يبدو في التنظيم العفوي والتلقائي أن غلوّ الحكّام في أسلوب القمع المحلي والقاري والدولي على النسق التركي المعاصر، سوف يجعل الدولة تختفي حدودها وهوياتها، ولا يتم الغاء كل الأنظمة والقوانين التي يمتطيها هؤلاء الحكّام إلا بعد رفضها بشكل كامل من الأفراد والجماهير التي تؤسس أنظمتها انطلاقاً من عفويتها وتلقائيتها. تلك هي سمة الديمقراطية القسرية التي دفعت بها الريادة الأميركية نحو السطح في العقد الراهن والتي تتعثّر بها تركيّا بالرغم من الاختلاف والتنوع في التجارب السياسية التي قدمها ويقدمها لنا التغيريون "الربيعيون" بين العواصم العربية والإسلامية، فإننا قد نرى الفوضويين يختلفون ويتصارعون لفظياً وعسكرياً حول جنس الملائكة، ويجدون في تشرذمهم تعويضاً عن إخفاقاتهم في سرعة التغيير أو الإستقرار واستحالته أيضاً.
يأخذني مصطلح "الريادة الأميركية"، نحو وثيقتين يبرز فيهما الشرق الأوسط مسرحاً متروكاً وممسوكاً، للفوضى والنزاعات أقلّه حتّى نهاية ال 2020 وفقاً للتقويم العسكري الأميركي.
صدرت وثيقة استراتيجية عن البنتاغون في 5/1/2012، ترسم الإستراتيجية العسكرية الأميركية حتى العام 2020، إذ بعدما أصبح "الشرق الأوسط منبعاً للإرهاب" وفقاً للتوصيف الوارد في الوثيقة، ستخرج أميركا، الى الشرق الأقصى لإخراج المحيط الهاديء من هدوئه ليتحوّل في العقود المقبلة الى بحيرة أميركية ساخنة جدّية محتملة. إنّ التركيز على الشرق الأقصى، من دون التخلّي الكامل عن الشرق الأوسط يعني أن الصين تحديداً يجب أن تكون فعلياً في مرمى التحديق الأميركي المقبل بما تعنيه وتحمله هذه النقلة من مخاطر. تفترض تلك النقلة الجديدة، وفقاً للوثيقة، تعزيز اليابان والقارة الإسترالية كرصيدين أميركيين حليفين قابلين للإحتواء، وتدليع الهند بأسلحة متطورة حديثة وإيقاظ شهيتها أكثر على فكرة العظمة، ومطّ العنق وربّما اليد الأميركية قبالة كوريا الشمالية ومشاطئة جنوبي روسيا التي خرج منها مفاجئاً بوتين الثالث من قصره المرصّع بالذهب القيصري وكأنه يعلن بأن العظمة التي كادت أن تفتقدها روسيا ستعود بحلّة يصعب قراءة مداها.
أرجعتني هذه الوثيقة إلى أخرى في ال 1950 رقمها NSC 68  ، خيضت الحرب الباردة وفقاً لمندرجاتها، تشرح أسباب ومعاني وأبعاد وتجارب أن تصل أميركا إلى إعلان نفسها الدولة التي تمتطي ناصية القرار العالمي. لقد حقق الأميركيون عبر المنصّة الممتدة بين تركيا وإيران وباكستان، خلال ستين عاماً معظم الأهداف المرسومة في هذه الوثيقة من سقوط الإتّحاد السوفياتي وحلف وارسو، الى إنخراط منظومة أوروبا الشرقية في حلف الناتو. احتلّ الشرق الأوسط الخط النافر في هذه الوثيقة، من حيث مخزونه النفطي الأكبر في العالم وإمكانية التحكّم بمصادر الطاقة وخطوط الإمداد، وترسيخ لحمة الشرايين الإستراتيجية المباشرة مع" إسرائيل"، والصراع مع إيران الدولة الغامضة في المعضلة النووية. وقد تنتاب القارئ الدهشة لمدى التطابق بين نص الوثيقة والتحولات المنجزة أميركياً فوق رقعة العالم حتّى الآن بالرغم من تراكماتها المأساوية وتعثراتها في العقد المنصرم، بعد إصطدام العظمة الأميركية بصخور الصراعات الدينية ويقظات الشعوب المنهكة في دول كثيرة وحكّام ما زالوا يسعون لارتداء ثياب العظمة أمام الأبواب الموصدة فوق خرائب الدول وركام الشعوب.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى