العالم العربيسياسة

كورونا هناك.. كورونا هنا :هل نحن قادرون مثلهم على المواجهة

 

الهاشمي نويرة  – تونس
عندما أعلنت منظمّة الصحّة العالمية منذ بضعة أسابيع أنّ فيروس «كورونا» الجديد قد يُصيبُ ستّين في المائة من سكّان العالم وقد يتسبّب في وفاة 1 في المائة من المصابين، قلّل البعض من الخطر ما أدّى إلى ممارسة سياسة النعامة للإعتقاد بأنّ إغماض العينين كافٍ لدرء خطر الوباء .
  الآن وقد تضاعفت نِسَبُ العدوى وتعطّلت مسالك الحياة العادية وتكاد عجلة الإقتصاد والإنتاج تتوقّف وبدأت الفوضى تحتلّ المكان وتغزو العقول واشتدّ استفحال الخرافة و«التخريف» ، ما هي يا تُرى ردّة فِعْلِ جماعات السلطة والمعارضة؟!
نطرح هذا السؤال لمعرفة مدى قدرة أصحاب السلطان عندنا على مواجهة المخاطر ودرئها حماية للوطن والمواطن مقارنة بالآخرين.
كيف تصرّف العالم لمواجهة خطر وباء كورونا ؟!
سؤال لابدّ من إثارته لأنّه يحدّد بوضوح الفرق بينهم وبيننا ..
وقد لا يختلف إثنان في أنّ المدّ الشعبوي بدأ يغزو العالم وأنّه أفرز ما أفرز من أنظمة في أوروبا وأمريكا وغيرها من مناطق المعمورة ولم نمثّل في هذا الخصوص استثناء ولكنّ من المهمّ التأكيد على أنّنا من التوابع في الشعبوية ،،
فنحن نَنْهَلُ منها ما نعتقد أنّنا إستوعبناه ونزيد من عندنا بعض الخـرافة و«التخريف» والتخويف ،
ويأتي الخليط كالعادة مدمّرا لبنية المجتمع والدولة ، ونعاين الدمار ولا نراه بل إنّ الاعتقاد ينتابنا بأنّنا انتصرنا وقطعنا خطوات نحو الجنّة والحلّ.
  وطبيعيّ أيضا أنْ نسأل كيف تصرّف الشّعبويون في الغرب عندما تأكّدوا أنّهم أمام خطر داهم وحقيقي ؟
في أوروبا كما في أمريكا تركوا الشعبوية والخطاب الشعبوي جانبا واستنجدوا بمخزونهم المعرفي واتّخذوا الإجراءات الضرورية للحدّ من خطورة الوباء ،
وهناك -عندهم- لمّا يكون الخطر الداهم مهدّدا للفرد وللوطن ينتفضون ويهبّون كرجل واحد لأنّ ما يجمعهم هو نسق قيمي واحد ومخزون معرفي غير قابل للتشكيك من أحد وهو إلى ذلك غير قابل للاختراق من قِبَلِ الخرافة الدينية أو الشعبية أو غيرهما .
ميركل وماكرون وترامب وآخرون انتفضوا وقرّروا ما يجب إقراره من إجراءات واحتياطات بعيدا عن لغة العواطف والخرافة والتزويق ومساعي تزوير الوعي وتزييفه .
وفي المقابل ماذا يجري عندنا ؟! …كلّ «الكورونات» مرّت من هنا ،،إذ ومنذ أكتوبر 2011 استفحلت بنا الأوبئة والأمراض المستعصية وبدأ الآن «الحفاة العراة» في المعرفة بقطف ثمار ما زرع السابقون في الحُكْمِ والسلطة منذ بداية الثمانينات ..
ولمعرفة ما يجري اليوم في علاقة بوباء "كورونا " لابدّ من معرفة ما جرى عندنا في الماضي القريب وحتّى البعيد،،
  كلّ شيء ابتدأ بعملية تعريب برعاية «شرقية» مشبوهة وبغطاء إيديولوجي «عروبي» يفتح على آخر متشبّه بالدين قرّر حينها الإجهار بـ«الدعوة» والعمل على غزو السلطة والحُكْمِ وسط تراخي المدّ اليساري والفكر النقابي تحت التأثير المزدوج لسياسة زَرْعِ جماعات "الإسلام السياسي " في المعاهد والجامعات أواسط السبعينات والضربات الموجعة التي وجّهتها لهما السّلطة لاعتقادٍ منها أنّ ذلك قد يمكّن من ضرب اليسار باليمين الديني بما يساعد على استقرار حُكْمِها وسلطتها .
وحيث أنّ هذه السياسة تستوجب القدر الأكبر من عقلنة الفعل السياسي والمعرفي ،وحيث أنّ الإتّجاه الذي سلكته السلطة حينئذ هو على نقيض العقلانية ، إذ أنّها عمدت إلى تهرئة الطبقة الوسطى وإلى تدمير المنظومة التعليمية وإلى تهميش النّخبة تحت شعارٍ مزيّف وخادعٍ هو «الأولوية لتونس الأعماق»، كانت النتيجة أن توسّعت الحاضنة المجتمعية للخرافة وللإسلام السياسي وللمدّ الشعبوي ولتدجين النّخبة التي زاد فيها منسوب الانتهازية والغنائمية  إلى حدٍّ يُنْذِرُ بالدمار و«السخَطْ».
نظام بن علي وفّر لاحقا الأرضية والحاضنة لخصوم المجتمع والدولة حيث كان يظنّ أنّه يؤمّن ديمومته في السلطة والحُكْمِ ونحن نجني الآن نتيجة هذه السياسات.
  وقد قرأت مؤخّرا تدوينة لأحدهم يستغرب فيها كيف أنّ المجتمع التونسي يستمع إلى كلام رئيس الجمهورية قيس سعيّد المنافي للحسّ السليم والذي يقوّض فيه أسُسَ الدولة والمجتمع ومع ذلك يقدّمه على الآخرين في كلّ استطلاعات الرّأي ،
إنّ من يستغرب هذا الأمر هو بالتأكيد في قطيعة تامّة مع الواقع الذي تردّت فيه مكانة المعرفة والتعليم وهو واقعٌ لا يمكن له أن يُفرز غير هذه النتائج .
ونعتقد أنّ هذا الوضع مرشّح للدوام أكثر حتّى في حال حدوث صدمة تُرجع للمجتمع وعيه ، وقد لا يتكلّم المرء من فراغ لأنّ الواقع يقدّم لنا شواهد عديدة تفيد أنّ الحلّ لن يكون قريبا في ضوء وجود تناقض يطغى على هذا الواقع بين مشروع ديني ماضوي وآخر يُزايِدُ في "عروبته" على الجميع ،
وإنّ حَشْرَ المجتمع في صراع الهويّة هذا لا يُمكن أن يُفرز سوى مزيد التطرّف والإرهاب والشعبوية المقيتة والفقر المعرفي .
ونحن سمعنا كلاما عن «كورونا» وعن الإرهاب والتطرّف وعن الملفّات الاقتصادية وعن الدولة والمجتمع وعن السياسة والأحزاب والدستور ،
سمعنا من رئيس جمهوريةٍ «شعبي» وموصومٍ بالشعبوية كلاما لا يفهمه عامّة الشعب ولا حتّى خاصّته ولا يستوعبه عاقلٌ ، هو لَعِبٌ بالكلام و«رِبْحٌ» للوقت أو ربّما مضيعة له ، كلامٌ في مَهَبِّ «الكورونا» والإرهاب ومعاناة الفرد والجماعة .
  نتابع كذلك مشهدًا برلمانيا عصيّا عن الفهم والمتابعة ،
برلمان هو يُشْبِهُ المجتمع وهو يخضع لعملية تفكيك وتركيب يومية نتيجة السياحة الحزبية التي لم يحدّ منها حتّى وباء «كورونا» ،
«برلمان تونسي» ، واقِعٌ في شراك معارك «الشّيخ» وهو رهينها إلى حين يتخلّص قائد الجوقة البرلمانية من خصومه السياسيين في داخل حركته وخارجها وهو -أي الشّيخ- صامت أمام الإرهاب وأمام «كورونا» وقد تكون عبير موسي أخطر بالنسبة إليه من الإرهاب ومن «كورونا» ،  وهي من جهتها في قمّة نشوتها ، كيف لا وقد إفتكّت «الزعامة» النسوية البرلمانية من النائبة سامية عبّو التي أصبحت «تغَزِّلْ» كما يُقالُ بالدارجة .
حكومة نطقت أخيرا وأعلنت عن إجراءات نرجو أن لا يتحمّل وِزْرَها المواطن فيزداد بؤسا وجوعا وفقرا وفاقة وعزلة ويأسا وما قد يترتّب عن ذلك ،حكومة تشبّهت بحكومات أخرى مختلفة عنّا وقدّمت لنا وجبة من الإجراءات وصَبَغَتْها بخصوصيتنا التونسية ،
ولكن يحقّ لنا أن نتساءل ، هل أنّ الحكومة تمتلك وسائل تنفيذ برامجها وسياستها في مواجهة خطر وباء «كورونا» ؟!
سمعنا عن مخصّصات الدول الغربية لمجابهة وباء «كورونا» وقد نكون مرتاحين وسعداء لو أعلمتنا حكومتنا كم هي الميزانية الاستثنائية التي ستخصّصها للقضاء على هذا الوباء وهل أنّ هذه الميزانية ستكون على حساب خدمات أساسية أخرى أم أنّ حكومتنا -التي ما نزال في انتظار الإفصاح عن سياساتها – ستخصّص لذلك جُزْءًا ممّا كان مبرمجا لشراء لوازمنا من النفط بعد انهيار أسعاره في البورصات العالمية ؟!.
لا مناص إذن من الاعتراف بأنّ وباء كورونا كشف عورات وحدود الأنظمة الحالية عندنا وعندهم ولكن الفارق الأساسي والجوهري هو في كيفية المواجهة وفِي أدواتها وفِي المخزون المعرفي الذي يحرّك هذه المواجهة ويضبطها ،
«كورونا» …«كورونا» وباءٌ جديد لكنّ مجابهته لا تتمّ إلّا بالآلية الوحيدة التي أثبتت نجاعتها وهي درجة عالية من الوعي وأساليب تستند إلى عِلْمٍ ومعرفة وشعب لا يعوّل في التحصّن ضدّ كلّ أنواع الأوبئة القديمة والمستحدثة إلّا على نفسه بعيدا عن وعود السّاسة والحكّام ، إنّه يعرف جيّدا أنّ ما يُخفيه هؤلاء من حِقْدٍ على الحياة أكثر مما يُبدونه من وِدٍّ كاذبٍ ومغشوشٍ .
الصحافة اليوم-السبت 14.03.2020

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى