سياسةمحليات لبنانية

الكورونا: قِسمَة العالم إلى فسطاطين، بريطانيا والولايات المتّحدة والآخرين


د. سعيد عيسى
"…كثيرون سيفقدون أحبّاءهم في القادم من الأيام…" عبارات قالها رئيس وزراء بريطانيا، اعتُبرت قاسية لفجاجتها وصراحتها، لكنّها مفجعة لفجاجتها، كونها ستزيد من حالة الهلع بين النّاس، مع أنّها واقع، قد يُفاجأ به البعض اليوم، لكنّهم سيرونه أمام أعينهم، وهم يودّعون كبارهم في رحلتهم الأخيرة.
بريطانيا استثناء في أوروبا، هكذا هي دائما، وهكذا اليوم، العالم بغالبيته موقوف على مكافحة فيروس الكورونا، يوقف الدّراسة والتنقّل، يفرض الحجر، يدعو مواطنيه للالتزام بيوتهم، إلا بريطانيا، يوميّاتها عاديّة، جلّ ما قامت به هو وقف الدوريّ الرياضيّ، وللوقاية والحجر الصحيّ حال الشعور بأيّ أعراض كورونيّة.
حين نطق "جونسون" بقوله المتقدّم، كان إلى جانبه شخصيتان، لم يعرهما الانتباه كُثُر، هما المراقب العام لقطاع الصحّة، وكبير المستشارين العلميين (واحد من أعلام الطبّ في العالم)، خرج هذا الأخير بنظريّة مثيرة للجدل، وهي "مناعة القطيع"، ومفادها، أنهم بحاجة لإصابة ما لا يقلّ عن ستين بالمائة من البريطانيين، ليطوروا مناعة ذاتيّة ضدّه، وإن تمّ الحجر على النّاس اليوم، فهم سيصابون به بُعيد عودة البرد من جديد، أي مع الفصل القادم، لذلك سيتمّ التركيز في هذه المرحلة فقط، على كبار السنّ، بناء عليه، ينبغي عدم إغلاق المدارس، لعدم فعاليّة الأمر، وذلك لأنّ الأولاد سيبقون مع الجدّ والجدّة فترة طويلة، وهذا ما يعرّضهم لخطر العدوى بالفيروس، في حين أنّ آباءهم وأمّهاتهم يكونون في العمل.
طبعا هذا الرأي المبني على تقديرات اللجنة العلمية التي تضم عمالقة الطب ومنهم حاصلون على نوبل في الطب، لكن منظمة الصحة خرجت اليوم تحذر منه، لأنه تم تسجيل حالات تعافت من الفيروس وعاد لها من جديد.
راهنا، جونسون يسير على هَدْيِ توصية لجنة علميّة بصلاحيات كاملة، لاتّخاذ ما تراه مناسبا، حتى أنّ المعارضين له (أي لجونسون)، شككوا في قراراته، وعقد اجتماع بينهم والحكومة والّلجنة العلميّة، وخرجوا دون مواقف رافضة لمواقفه. وتعوّل هذه اللجنة على أن الناس في بريطانيا لو فرض عليهم الحجر العام وهم في بداية انتشار الفيروس، فقطعا سوف يتعبون بعد شهرين عندما يكون الفيروس قد وصل لأوج انتشاره في البلاد، ويراهنون على أن البريطانيين ينصاعون للقانون، يعني متى قررت الحكومة فرض الحجر سيلتزم الجميع عكس ما حدث في إيطاليا في البداية؛ وحاليّا تتّجه الحكومة لمنع التجمّعات، والتظاهرات، وحفلات الغناء، لتخفيف الضغط على سيارات الشرطة والإسعاف، كي تبقى متأهبة لمواجهة انتشار الفيروس.
ثقة البريطانيين، تكمن، في رهانهم على مختبراتهم العلمية، التي تسعى لصنع جهاز صغير يكشف عن الفيروس في مدة قصيرة، (ربما يتطلب تصنيعه أسابيع) وطبعا إمكانيات المختبرات ليست من فراغ، إنما من الإمكانيات المالية العالية، حيث أعلن وزير الخزانة، عن منح السلطات الصحية شيكا مفتوحا لإنفاق ما يريدون لمواجهة الفيروس، كما تمّ تخصيص حوالي 40 مليار دولار لمواجهة هذه الأزمة، أقل بعشرة مليارات دولار فقط عن أمريكا، رغم أن سكان الولايات المتحدة يفوقون سكان بريطانيا بحوالي خمسة أضعاف.
في عالمنا المعاصر، ثمّة مدارس علاجيّة، لها منطلقاتها ونظرياتها، الفكريّة والعلاجيّة، ولكن هناك أيضًا، مدارس في السياسة، تستبطن الأزمات الإنسانيّة، سعيًا للإفادة منها، ولتحقيق انتصارات على معارضيها، حتى في ظلّ الموت المنتظر على الأبواب!

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى