سياسةمحليات لبنانية

الحوار نيوز تنشر النص الكامل لرسالة المفتي أحمد قبلان في الفطر:نريد العيش في بلد لا طائفي ينهي زمن الاقطاعات ومزارع الحكومات

 


  دعا المفتي الجعفري الممتاز الشيخ أحمد قبلان في رسالة لمناسبة عيد الفطر المبارك الى نظام "لا طائفي بمشروع سياسي يحمي الجميع"،وقال : نريد عدالة سياسية اجتماعية لا تفرّق بيننا، فزمن الوصاية السياسية وقوانين الانتخابات المفصّلة بالإقطاع يجب أن ينتهي، يجب أن ينتهي زمن التوظيف على الانتماءات الطائفية والسياسية، يجب أن ينتهي زمن إقطاعية السلطة ومزارع الحكومات".
"الحوار نيوز" تنشر نص رسالة المفتي قبلان في المناسبة:

"الشكر لله تعالى على ضيافته ورحمته وغفرانه، ألا وإنّه قد منّ الله علينا بأعظم الشهور، وأكبر التكريم، أن دعانا إليه، وزادنا تشريفاً بصيام شهره وقيامه، ثم ختم لنا بيوم عيده، إعلاناً منه لخلقه بجزيل محبته وكريم عطائه ووعده. ألا وإن عيد الله كلمة، وموقف، وفريضة، ومبادئ، وطريقة حياة، وانتماء، وخوض معركة الإنسان على قاعدة (وَلِتُكَبِّرُواْ اللّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ). لأن أكبر ما لله بإنسانه، هدايته، وكرامته، وضمان وجوده في حياته وبيئته ومشروعه الاجتماعي السياسي، لأن الله سبحانه وتعالى أراد للصلاة والصوم والحج والزكاة والعيد والعبادة، أن تجسّد إنسان الله بكل ما يريده الله من المحبة والعدل والتعاون على الخير والإحسان، والبذل، والانتصار للمظلوم، ومخاصمة الظالم، ومنع الفاسد من مقدّرات وثروات وسلطات الإنسان ودولة المواطن والشعب، لأن الفاسد لا يؤتمن؛ والظالم الجائر، والتاجر المحتكِر، عدو للبلد والإنسان".
"في عيد الله، نؤكّد أننا ومن صلب انتمائنا لله تعالى، لن نقبل بظلم، أو فساد أو اضطهاد، أو استئثار، ونرفض رفضاً قاطعاً القبول بصيغة حكم فاسدة، أو تسويات ظالمة، أو مشاريع حكم تصرّ على الطائفية والانتهازية السياسية وأشباهها. ونؤكّد أن أصل نشأة لبنان تمّ على أساس طائفي واستبدادي، بوظيفة خدمة المشروع الاستعماري والاحتكاري، وهذه الصيغة قد انتهت، وما قام به بشارة الخوري ورياض الصلح لم يعد يصلح لدولة إنسان ومواطن، بل أيضاً مرحلة وانتهت".
وعليه، نصرّ وبكل صرخة مدوية، أننا ولحماية البلد وكسر الوثنية السياسية، ولإنقاذ لبنان، وتأكيد العيش المشترك، والسلم الأهلي فيه، مطالبون بإسقاط الصيغة الطائفية لصالح دولة مواطن، دولة لا طائفية، دولة إنسان، دولة بقانون يلحظ المواطن بما هو مواطن، إلا ما خصّ شؤونه الشخصية، فكفانا ترقيعاً بهذا البلد، لأن البلد سقط، سقط لأن دستوره فاسد، وآلية الحكم فيه فاسدة، وطائفيته فاسدة، ومشروعه السياسي فاسد، وتسوياته المختلفة فاسدة.
وعليه، نريد شعب لبنان أولاً، نريد المسيحي والمسلم، نريد سلطة فوق المذهبية، لا نريد البلد "حصص"، والسياسة "حصص"، والإدارة "حصص"، والوزارات "حصص"، والنيابة "حصص"، والرئاسات "حصص"، والتوظيف "حصص"، والصفقات "حصص"، والموازنة "حصص"، والمجالس "حصص"، والمؤسسات العامة "حصص"، والتنفيعات "حصص"، والهيئات الناظمة "حصص"، كلّ شيء في هذا البلد أصبح "حصص"؛ وبطريقة انتهت بالبلد ممزقاً، مفلساً، منهوباً، معروضاً للبيع بأبخس الأثمان. كفانا قتلاً للناس، كفانا تذويباً للشعب، كفانا احتكاراً للدولة ومؤسساتها، كفانا استهتاراً بناسنا وأهلنا وبلدنا، كفانا تمزيقاً للطوائف، كفانا ضخاً للحقد بخلفية مذهبية وطائفية، كفانا تمسكاً بنظام سياسي بائد، كفانا نظاماً سياسياً أفلس البلد، وذبح آمالنا، وحوّلنا "عبيد" نباع ونشرى في سوق الأمم. لذلك، وبالفم الملآن أقول: لا للطائف، لا لمزرعة الطوائف، لا لدولة الحصص، لا لنظام المحاصصة، لا لدولة تجويع المواطن والاستئثار بثرواته، لا لفدراليات الطوائف والمتاريس، نعم لدولة القانون بما هو قانون، والمواطن بما هو مواطن، نعم للدولة كمؤسسة عادلة وقوية، بعيداً عن عقلية ونزعة من يحكم، نعم لصيغة حكم، بعيداً عن الطائفية السياسية والمزارع الاحتكارية، لم نعد بحاجة إلى فترة انتقالية، كفانا فترات انتقالية وهمية، اسألوا الشعب عن رأيه، حرروا الناس من قيودكم، الجميع يريد دولة شعب، لا شعب دولة، الجميع يريد نظاماً سياسياً لا ظلم فيه ولا  فساد ولا حصص ولا إقطاعيات، البلد الآن في القعر، البلد الآن بعد تجربة مائة سنة، وبالأخص تجربة التسعينيات وصاعداً انتهى، وتحوّل إلى شركة مفلسة، ودولة منهوبة، وشعب محتكر من قوى المال والأعمال والسياسة، أسواقه محتكرة، ثرواته محتكرة، بضائعه محتكرة، استيراده محتكر، دولاره محتكر، سياساته المالية والنقدية محتكرة، إعلامه محتكر، شعبه محتكر، دواؤه محتكر، هيئاته الناظمة ومجالسه محتكرة، تلزيماته محتكرة، كل شيء في هذا البلد محتكر وبشكل شامل، فشركاتُ ومؤسسات وأقنعة وامتيازات جماعة المال والسلطة تحتكر كل شيء، ورغم الكارثة المدوّية، هناك من يصرّ على حماية امتيازاته الطائفية وزعامته الإقطاعية.
يا شعب لبنان، يا ناس هذا البلد، يا أهلنا الكرام، نريد العيش معاً، في بلد لا طائفي, بمشروع سياسي يحمي الجميع، نريد عدالة سياسية اجتماعية لا تفرّق بيننا، فزمن الوصاية السياسية وقوانين الانتخابات المفصّلة بالإقطاع يجب أن ينتهي، يجب أن ينتهي زمن التوظيف على الانتماءات الطائفية والسياسية، يجب أن ينتهي زمن إقطاعية السلطة ومزارع الحكومات، يجب أن نتكاتف معاً، فلا يجوز أن نخاف من بعضنا البعض، لأن تجربة العقود السابقة أكّدت أن الشعب ممزق، ويعيش ظاهرة حقد تحريضية، فيما نادي القوى السياسية الذي يتحكم بالبلد يتقاسمه.
لذلك، في يوم الله، نؤكّد وبثقافتنا الدينية والإنسانية والوطنية أننا خلق الله ورعيته، ونريد العيش معاً، معاً كإخوة بعيداً عن الملّة والطائفة والانتماء الفكري، معاً لأننا أبناء أب واحد، معاً لأن هذا البلد ليس ملكاً لأحد، بل لناسه وأجياله وشعبه، وليس مسموحاً لأحد أن يختصر ناسنا وشعبنا وآمالنا وعذاباتنا ومشروعنا بشخصه أو بصيغته الطائفية والسياسية الخاصة. وعليه، يجب أن ننتفض بالسياسة، وأن نتلاقى معاً لإنقاذ بلدنا وتطوير مؤسساته السياسية والأخلاقية والوطنية، وإلا فإننا أمام كارثة هائلة، وقصّة غالب ومغلوب، وفقير وغني، ومالك ومملوك، ومحتكِر ومحتكَر، ستحوّل البلد إلى نفق لا مخرج منه أبداً. ومعه سينتهي لبنان كمشروع دولة ووطن وضمانة إنسان.
حالياً، ليس مقبولاً ما يجري، لأن الجوع شامل، والإفقار والنهب يجري في العلن، واحتكار الأسواق أسوأ من حرب عالمية، واللعب بسعر الصرف أخطر من خيانة عظمى، أمّا إصرار جماعة المصارف وكبار التجار ورجال الأعمال والمال على المواجهة بخلفية تهديد البلد وكشفه واستنزافه لهو أمر خطير جداً جداً، ويجب أن لا يمر دون محاسبة؛ وأمّا جماعة الثأر السياسي والمسؤولين عن ملفات البلد السابقة يتعاملون مع الحكومة الحالية من باب إسقاطها، بكل الوسائل حتى لو كانت مشبوهة. ولذلك، نريد سياسة انقاذية، لكن ليس على حساب الناس، أو على طريقة قرارات غير شعبية للضرورة، لأن المسؤول عن إدارة ملفات الناس وشركاءه وسماسرته وحلفاءه هم من نهب البلد وأفلس الدولة وحوّل السلطة إلى خشبة أكلتها الأرضة.
ولأن الناس نُهبت، نُهبت أموالها، وثرواتها، ومرافقها، وبلادها، ومؤسساتها ومشروعها السياسي، فالمطلوب محاسبة من نهب وصادر واستغل السلطة، لاستعادة المال العام بكافة أشكاله وأقنعته وسواتره.
وتداركاً للأزمة غير المسبوقة، المفروض بالحكومة الاندفاع نحو خطوط الاستيراد، وتدشين ورش إنقاذية وحماية الأسواق، واليد العاملة اللبنانية، وفتح خط رسمي مباشر مع دمشق بخصوص النازحين، وعدم الإصغاء للمجتمع الدولي الكاذب، لأن هذا المجتمع الدولي قد ابتزّنا سابقاً والآن وغداً، وما زال يتفرج علينا، ويزيد من أعبائنا، ويمارس سياسات عقابية صريحة مقنّعة، ويصرّ على تحويل النزوح إلى كارثة خدمية ومالية واقتصادية وديمغرافية وسياسية، وهذا يجب أن ينتهي، وكذلك قصة الضرورات انتهت، لأن البلد أصلاً هو في القعر.
لذلك، المطلوب من الحكومة الانفتاح الكامل على كل الدول، وخاصة على أسواق الشرق، كطريق إنقاذ رئيسي، بشرط الإصلاح السياسي والجمركي والرقابي والاجتماعي بعيداً عن لوبيّ هنا أو هناك.
وأما بخصوص النقد الدولي، أكرر: إن صندوق النقد الدولي ليس جمعية خيرية، ولا مشروع عواطف، كما ليس مفصولاً عن السياسة، ولبنان بلد له وظيفته السياسية ومشروعه الوطني والأخلاقي، وأيّ لعب بالأولويات يعني كارثة، ولا نريد 17 أيار جديد، ما يعني أن الإصلاح يبدأ من أولويات الداخل، وخيارات الدولة الداخلية الإنقاذية، سيما باتجاه أسواق الشرق.
وأما على المستوى الإقليمي الدولي، كما الداخلي، نحن مع الحق، مع المظلوم ضد الظالم، مع تحرير القدس المحتلة، ولن نقبل لفلسطين والقدس بمزيد من الاحتلال والصفقات، وخاصة بعد النجاحات التي حققها محور المقاومة.
وعليه، المطلوب من الدول الإسلامية والعربية، العودة إلى الله، والخروج من وثن التبعيات الفاسدة، والانتصار لحاجات منطقتنا وشعوبنا وناسنا وأخلاقياتنا، بعيداً عن مصالح القوى الكبرى وهيمنتها. هذا لمن أراد الله، وأراد أن يتعظّ من تجارب الأمس واليوم، ولمن يعتقد أن له موقفاً فاصلاً أمام الله سبحانه وتعالى.
أخيراً، في يوم الله وعيده، نؤكّد أن أكبر العظمة أن نعود إلى الله، مبارك شهر الله، مبارك عيده الكريم، أعاده عليكم وعلينا وعلى سائر خلقه باليمن والخير والبركة، والرحمة والمغفرة، وكل عام ولبنان واللبنانيون بألف خير".

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى