رأي

الدعم النقدي لاقليم كردستان يتطلب تعزيز الانتماء وليس الانفصال عن العراق (جواد الهنداوي)

 

  د.جواد الهنداوي- الحوار نيوز

 

        أصدرَ رئيس حكومة اقليم كردستان السيد مسرور برزاني ،اليوم ،٢٠٢٣/٩/١٧ ،بياناً ، ” أكّدَ فيه التوصل الى اتفاق مثمر مع رئيس الوزراء الاتحادي ،السيد محمد شياع السوداني ، يتعلق بتأمين رواتب المواطنين ” . ويقصد طبعاً موظفي اقليم كردستان .

 وجاء في البيان ايضاً :” بفضل من الله ، وبالارادة الصلبة لشعبنا ،استطعنا الدفاع عن حقوق شعب كُردستان … ” ، و بعد ان شكرَ الرئيس مسعود برزاني على دعمه و ارشاداته ، وشكرَ رئيس الاقليم نيجيرفان برزاني ،على دعمه ونصائحه ، وشكرَ القوى السياسية العراقية على دعمهم ، توجهّ الى الله عزَّ وجلْ ليتعهد بمواصلة خدمة مواطنيه الاحبّة . وختمَ البيان بالقول ” لن نسمح للمحاولات اليائسة بتقويض او زعزعة استقرار اقليم كُردستان ” .

  وصراحةً، يقودني الفضول والاستفسار ،  واتساءل عن ” تلك المحاولات اليائسة الهادفة الى تقويض او زعزعة استقرار كُردستان ” ؟

  ماهي هذه المحاولات ؟ و مَنْ هي تلك الجهات التي تحاول تقويض و زعزعة اقليم كردستان ؟

هل هي داخلية كالفساد وسوء الادارة وسوء ابرام عقود النفط ، وسوء استخدام موارد النفط ، و موارد المنافذ الحدودية ، والموارد الاخرى ،التي لم تدخل خزينة الدولة ؟ هل معارضة كردية داخل الاقليم تسعى لزعزعة استقرار الاقليم ؟

هل ،مثلاً ، أميركا او اسرائيل تسعيّان الى تقويض استقرار الاقليم ؟ ام تركيا او إيران ؟

  على المواطنين العراقيين الكُرد أن يشكروا الله ويحمدوه ، بأنهم لمْ يتورطوا بالانفصال ،الذي سعت اليه قياداتهم وآزرهم الكيان الاسرائيلي بكل قوّة . وعلى الاخوة المواطنين العراقيين الكُرد ، قيادة وشعباً ، أنْ يقّدروا المواقف ،و يعتبروها محطات لتعزيز شعورهم بالانتماء الى العراق ، وليس بالانفصال عن العراق . وعلى الاخوة العراقيين الكُرد ان يحفظوا في ذاكرتهم بأنَّ وطنهم العراق هو مَنْ اعانهم ويعينهم وقت الشّدة ، لا أميركا ، ولا اسرائيل التي رفعوا اعلامها عند الاستفتاء ، ولا فرنسا ، ولا غيرهم.

على المواطنين العراقيين الكُرد ان يدركوا ، ويترجموا ما يدركوه في سلوكياتهم الرسميّة و اليومية ،بأنهم جزأ لا يتحزأ من العراق جغرافياً  وشعباً وتاريخاً ومصيراً ، وأن قوتهم و مكانتهم وعزّتهم ومقبوليتهم الدولية هي لأنهم عراقيون شأنهم شأن اخوانهم العرب والتركمان والاشوريين و الايزيدين والقوميات الاخرى . بدون هذا الوعي الوطني و الشعور الصادق والبنّاء بالانتماء الى العراق سيصبحون في مهّب اطماع و مصالح أقليميّة و دولية ، ومحل ابتزاز وتوظيف سياسي نفعي لمصلحة دوليّة و اقليمية ، وقد عاشوا تجارب ومآسي هذا الابتزاز والتوظيف السياسي .

  بالتأكيد ،أمرٌ مفرح ان تجد الحكومة الاتحادية حلولا للأزمات ،لاسيما تلك التي تمسُّ قوت الشعب ،  و التي لها بُعد ،بل ابعاد سياسيّة ، والتي تحظى بتوصية او برعاية امريكية ،كأزمة الرواتب لموظفي الاقليم ، ولكن ما هو أهّمْ واكثر من المفرح  هو أن تكون الحلول جادة و في اطار الدستور و القانون ،وليس على حساب مبدأ العدالة في توزيع الثروات ، و لا على حساب العدالة و المساواة بين المواطنين ، و لا على حساب التخصيصات الماليّة و الحقوق لباقي المحافظات .

 وحسناً فعلت الحكومة الاتحادية ، ببيان محدثها الرسمي ، بتاريخ ٢٠٢٣/٩/١٧ ، والذي أوضحَ فيه بنود الاتفاق و آليات تنفيذه ،بين الحكومة الاتحادية والاقليم ، و الطبيعة القانونية للمبالغ التي سيتم دفعها من مصارف حكومية ،كقرض في ذمة حكومة كردستان ،وتحت اشراف ديوان الرقابة المالية الاتحادية وبالتنسيق مع ديوان الرقابة في الاقليم .

 بين الاتحاد والاقليم حقوق وواجبات دستورية و قانونية و سياسيّة ، ومثلما نجحَ الطرفان بالوصول الى اتفاق لحّل أزمة رواتب الاقليم ، لا يوجد مُبرّر بغياب حلٍ لتسديد ما بذمة الاقليم لخزينة الاتحاد  .

يعي الطرفان ( الحكومة الاتحادية و حكومة الاقليم ) بأن تحويل اموال من الخزينة الاتحادية لصالح الاقليم ،وبموجب قرارات لمجلس الوزراء ، هو اجراء تحت مراقبة المحكمة الاتحادية العليا ، و ملاحظة اعضاء مجلس النواب ، ومتابعة الرأي العام . لا يوجد مواطن في العراق يجهل بما تدفعه الحكومة الاتحادية للأقليم وامتناع الاقليم عن تسديد ما بذمتّه لخزينة الاتحاد . لا يوجد مواطن يجهل المعادلة المالية بين الاتحاد و الاقليم و مفادها ( اموال العراق ، للعراق وللأقليم ، واموال الاقليم للاقليم فقط ) . ولا يخفي على أحد الضغوط التي تعرّض اليها رئيس الوزراء من أميركا و بريطانيا وفرنسا من اجل ايجاد حّلْ للوضع المالي والنقدي الصعب الذي يعيشه الاقليم ومواطنوه .

تجدر الاشارة ايضاً إلى أنه سبقَ للمحكمة الاتحادية اصدار قرار في ٢٠٢٣/٥/٢٥ ، الغتْ بموجبه قرارات مجلس الوزراء في عامي ٢٠٢١ و ٢٠٢٢ ،قرارات تّمَ بموجبها تحويل اموال الى الاقليم . هل قرار مجلس الوزراء الحالي و الصادر في ٢٠٢٣/٩/١٧ ،والذي وافق على تحويل مبالغ الى الاقليم يختلف ، في حيثياته واسبابه عن القرارت الاخرى التي طالها الالغاء من قبل المحكمة الاتحادية ؟

كُلُّ هذه العوامل السياسية و المالية والقانونية التي تؤطر العلاقة غير المستقّرة بين الاقليم و الاتحاد ،و التي تؤثر سلبا على سيادة العراق الداخلية و الخارجية ، تدعو الى ايجاد حلول جذرية و حاسمة وليس حلول ترقيعية .

 *رئيس المركز العربي الاوربي للسياسات و تعزيز القدرات/بروكسل / ٢٠٢٣/٩/١٧ .

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى